ظلت العلاقة بين الحكومة الانقلابية والبعثة الأممية متأرجحة وإن لم يكن التوتر هو السمة الغالبة لها ، وفيما هاجم رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة المقرب من قائد الجيش الفريق البرهان البعثة ورئيسها فولكر بيرتس سلمت الحكومة الأمم المتحدة وثيقة تتضمن مطلوباتها من البعثة السياسية لدعم الانتقال الديمقراطي في البلاد، يونتامس خلت من دورها السياسي.
وأفادت وزارة الخارجية الخميس ان وكيل الوزارة المكلف، السفير نادر يوسف الطيب يزور نيويورك حالياً بغرض أجل تسليم مصفوفة تتضمن مطلوبات حكومة السودان من البعثة الأممية. واضاف البيان انه ألتقى في هذا الصدد بالسيدة روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام وبعض الدول من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن ودول المجموعة الأفريقية بالإضافة للهند و لدولة الإمارات الرئيس الحالي لمجلس الأمن.وووفقا للبيان فإن الحكومة تطلب تقديم الدعم “لإنفاذ اتفاق جوبا لسلام السودان ودعم تنفيذ البروتوكولات وحشد الموارد وتقديم الدعم اللوجستي لبناء القدرات ودعم الآليات الوطنية لحقوق الانسان والمساعدة في إنشاء ودعم مفوضية نزع السلاح وإعادة الدمج وآلية العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار والتنمية.”
انتقادات مستمرة
لم تواجه البعثة انتقادات من الحكومة فحسب بل من لجان المقاومة أيضاً وقالت البعثة في بيان لها الثلاثاء إن المشاورات التي ترعاها تهدف إلى تحقيق التوافق السياسي للانتقال الديمقراطي الكامل في السودان ، وذكرت ، أن المشاورات التي أطلقتها في يناير الماضي، حول عملية سياسية تهدف إلى التوافق حول الانتقال الديمقراطي الكامل بقيادة مدنية، وأكد البيان أن بعثة الأمم المتحدة ليس لها أي موقف مسبق حول هذه العملية السياسية أو نتائجها، والتي يجب أن تهتدي بآراء السودانيين أنفسهم ، وأوضح أن التزام البعثة في هذه العملية يتمحور حول دعم تأسيس حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، باعتباره الهدف النهائي للفترة الانتقالية في السودان .وأضاف: “كان موقف الأمم المتحدة واضحا في وصف ما حدث في 25 أكتوبر بأنه انقلاب عسكري، وإدانته”.
ومؤخرا، قدمت “لجان المعمورة” ورقة نقدية لمبادرة “يونيتامس” حول حل الأزمة السياسية في البلاد، لكن البعثة الأممية اعتبرت بعض المعلومات الواردة في نص الورقة غير دقيقة، ونشرتها وسائل الإعلام بشكل يخالف الحقائق بما من شأنه أن يوحي بوجود تصورات أو مواقف مسبقة عن دور البعثة في السودان.
الجيش على الخط
وفي تصعيد لا فت وجه رئيس تحرير صحيفة الجيش المقرب من القائد العام، إبراهيم الحوري، اتهامات للدول الغربية باستهداف القوات المسلحة، وقال إن رئيس بعثة الأمم المتحدة السياسية في السودان (يونتامس) فولكر بيرتس يعمل على نشر الإرهاب في السودان
.وهذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها صحيفة الجيش الدول الغربية، منذ عزل الرئيس عمر البشير في ١١ أبريل ٢٠١٩. كما أن هذه التصريحات تعتبر جزء من حملة ترمي لأضعاف فولكر في الوقت الذي تجري فيه التحضيرات لإطلاق مبادرته المدعومة إقليميا ودولي لحل الأزمة السودانية.
وقال الحوري، في مقال نشرته القوات المسلحة ا إن فولكر يسعى لاستنساخ تجربة الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر ومجازر بانقي في أفريقيا الوسطى، إضافة إلى نماذج ليبيا ورواندا والكنغو”.وأشار إلى أن أميركا ودول الاتحاد الأوروبي يعملون على استنساخ المجازر في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، كما يستهدفون “بنهج غير أخلاقي أهل السودان والجيش”.وتابع: “واشنطن تعاملت مع السودان والقوات المسلحة بسياسة أقل ما يقال عنها أنها غير أخلاقية كأنه مستعمرة أميركية.
وظل الحوري يطالب بطرد رئيس البعثة الأممية من السودان، لكن هذه المرة حرض على تفعيل الجهاد الذي قال إن “ضاع ضاعت حرمة الأوطان”. وأضاف “الجهاد يحتوي على شحنة روحية وحماس ليس بمقدور أميركا والاتحاد الأوروبي شراءها لجيوشهم وعملاءهم في قوى الحرية والتغيير وأذرعهم المسلحة ولجان المقاومة وتسعة طويلة الإرهابية.
وأثار تقرير قدمه رئيس يونتامس في مارس الماضي إلى مجلس الأمن غضب الحكومة واتهمته بتجاوز تفويضه بمساعدة الانتقال في السودان والتركيز على القضايا السياسية.كما هدد البرهان بتصنيفه شخص غير مرغوب فيه وطرده من السودان.وشن الحوري هجوما عنيفا على رئيس الوزراء المستقيل ، عبد الله حمدوك، وقال إنه وقع إعلان مبادئ مع رئيس الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو في ٤ سبتمبر ٢٠٢٠، أقر فصل الدين عن الدولة.إلا أنه سكت عن الاتفاق الذي وقعه البرهان وعبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال الخاص بفصل الدين عن الدولة في ٢٨ مارس ٢٠٢١.ولم يقتصر هجوم الحوري على الدول الغربية وقوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وحمدوك، بل امتد إلى المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي.وقال إن بيزلي ونائبه “ينهبا ذهب السودان واليورانيوم ويهربها عبر أفريقيا للوسطى وتشاد إلى فرنسا” التي زعم أن الصمغ العربي يغذي خزينتها ب ٢٠ مليار يورو سنويا.
ومن جانبها دعت البعثة الأممية السلطات الحكومية إلى محاسبة المحرضين على العنف ضدها وفي تصريح مقتضب نشرته على الفيس بوك وتوتير صرحت البعثة بأن “شيطنة الشخصيات العامة والخاصة والتحريض على العنف ضدها، سلوك يحمل بصمات جرائم الكراهية”.وأضاف التصريح “من مصلحة المجتمع والسلطات إحالة القائمين عليه للمساءلة دون إبطاء”.
تقرير وافيه ودور مهم
يعتقد الدكتور الشفيع خضر إنه من الصعب أن لا تنظر بإعجاب وتقدير وإحترام لحصيلة المجهود الكبير الذي أنجزته البعثة حتى الآن بعد إنتهاء ما يعرف بالمرحلة الأولى، أو المشاورات الأولية، والذي نشرته في فبراير الماضي في تقرير متاح للجميع تحت عنوان “ورقة تلخيصية/ مشاورات حول عملية سياسية للسودان عملية شاملة بين السودانيين حول المضي قدما نحو الديمقراطية والسلام” ويضيف.صحيح أن السودان منذ فجر إستقلاله شهد العديد من عمليات التشاور السياسي أبرزها مؤتمر جوبا في العام 1947، مؤتمر المائدة المستديرة في 1965، مؤتمرات قوى إنتفاضة أبريل في مدينة ودمدني في الثمانينيات، مؤتمرات التجمع الوطني الديمقراطي في أسمرا 1995 وفي مصوّع 2000، المؤتمرات والسمنارات التي ظلت تنظمها جامعة الخرطوم والجامعات والمؤسسات البحثية الأخرى، مؤتمرات الحوار والتفاوض بين القوى المعارضة ونظام الإنقاذ والتي تمخضت عنها عدة إتفاقات، منها: إتفاق الخرطوم للسلام 1997، وإتفاق السلام الشامل 2005، وإتفاقية القاهرة 2005، وإتفاقية أبوجا 2006، وإتفاقية الشرق 2006، وإتفاقية الدوحة 2011، ثم مؤتمر الحوار الوطني 2016 وأردف إنشاء آلية رصد تكون بمثابة ضامن وطني يتولى مسؤولية الرقابة وضمان الشمول وعدم الإقصاء والمساءلة للمكلفين بمسؤوليات مؤسسيه أضف إلى ذلك، المؤتمرات التخصصية العديدة، كالمؤتمر الاقتصادي القومي، ومؤتمرات الحكم المحلي، وغير ذلك من عمليات التشاور السياسي.. لكن، في اعتقادي أن عملية التشاور السياسي التي نظمتها “يونيتامس” خلال خمسة أسابيع ولخصتها في التقرير المشار إليه أعلاه، هي عملية سياسية غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، وذلك من حيث المنهج العلمي الذي اتبع في عملية التشاور وفي تحليل النتائج، ثم في تلخيص كل ذلك في التقرير الختامي للمرحلة الأولى، والذي سلط الضوء على الإهتمامات الرئيسية لأصحاب المصلحة مثلما وفر أساسا جيدا لمزيد من التفكير حول مستقبل العملية السياسية في البلاد. أيضا العملية غير مسبوقة من حيث الشمول الواسع للمشاورات والتي شارك فيها الأحزاب السياسية، والرسميون في الحكومة، والعسكريون في القوات النظامية، والحركات المسلحة، والمجتمع المدني، والمجموعات النسائية والمجموعات المدافعة عن حقوق المرأة، ولجان المقاومة، والمنظمات الشبابية، وقادة الطرق الصوفية، ورجال الأعمال، ومجموعات الرحل، والمغتربين، وغيرعم. وفي هذا الصدد، يقول التقرير إن “يونيتامس” أجرت عمليات التشاور السياسي من خلال أكثر من 110 اجتماعات حضرها حوالي 800 شخص ثلثهم من النساء، كما أنها قامت بتحليل أكثر من 80 إقتراحا مكتوبا.
ونوهت إلى أن العملية التشاورية لم تنحصر في الخرطوم فقط، وإنما شملت كل ولايات السودان الأخرى. وعلى الرغم من أن المجموعات المشاركة في العملية التشاورية، بحسب ما جاء في التقرير، هم السودانيون المنتظمون في منظمات وأحزاب ولجان وكيانات أخرى مختلفة، لكن هذا لا يقلل من الأهمية الكبيرة لما أنجز، ففي النهاية فإن صناع الأحداث ومحركي المسارات المختلفة هم المجموعات المنتظمة في هذه الكيانات. أما القضايا موضوع التشاور، فيلخصها التقرير في: الأولويات الملحة وإجراءات التهدئة، حال ومستقبل الوثيقة الدستورية الموقعة في 2019، العلاقة بين المدنيين والعسكريين، أجهزة ومؤسسات الفترة الإنتقالية من مجلس سيادة ومجلس وزراء ومجلس تشريعي ومفوضيات قومية مستقلة، مستقبل إتفاق سلام جوبا، إصلاح القطاع الأمني ومستقبله، حقوق المرأة ومشاركتها، العدالة الإنتقالية، صناعة الدستور، الإنتخابات، الجدول الزمني الواقعي لاستكمال الفترة الإنتقالية، دور الجهات الدولية الفاعلة والمتفاعلة مع قضايا السودان، إضافة إلى إقتراح ملامح الخطوات التالية وفق ترتيب محتمل للأولويات يقترح التقرير أن يكون: أولا، معالجة موضوع العلاقة بين المدنيين والعسكريين. ثانيا، العمل على تشكيل حكومة إنتقالية متوافق عليها تتولى توجيه مسار البلاد خلال ما تبقى من الفترة الإنتقالية، وتتصدى للعديد من التحديات وأهمها التحديات الاقتصادية وتداعياتها الخطيرة. ثالثا، الحاجة إلى التوافق حول كيفية تشكيل المجلس التشريعي بحيث يعكس قدرا أكبر من الشمول والتنوع. رابعا، بحث المقترحات الخاصة بوضع خارطة طريق جديدة بشأن التوقيتات والتسلسل والانجازات الأساسية لقضايا الإنتقال، على أن تتضمن خارطة الطريق إنشاء آلية رصد تكون بمثابة ضامن وطني يتولى مسؤولية الرقابة وضمان الشمول وعدم الإقصاء والمساءلة للمكلفين بمسؤوليات مؤسسيه، كما يمكن لخارطة الطريق أن تتضمن دور المجتمع الدولي في دعم العملية الإنتقالية من حيث تعبئة الموارد وتقديم المساعدات الفنية وآليات الرقابة.
تعمد مقصود
في السياق ذاته قال القيادي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي مجدي عبدالقيوم (كنب) إن مهمة البعثة لا تنحصر على قضايا معينة بل دعم الانتقال بشكل كامل وفي ذلك يأتي دورها السياسي وفي الأساس تعرف بالبعثة السياسية للامم المتحدة لدعم الانتقال والتحول الديمقراطي ، وقال كنب لـ(الجريدة) من الواضح أن حصر الحكومة لمطالبها من البعثة في هذا النحو هدفه محاصرتها وتقليل دورها خاصة وأنها بدأت في مرحلة المشاورات الثانية من الحوار وأضاف الحكومة الانقلابية لا يروق لها ذلك لأنها على قناعة راسخة بأن انضمام الاتحاد الافريقي والايقاد للبعثة السياسية يعني أن المعياد قد آن لانطلاقة تفاوض ينهي الحالة الانقلابية الحالية ويعيد السلطة للمدنيين.
أشرف عبدالعزيز
صحيفة الجريدة