قالت وزير ة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون؛ في الفترة الآولي للرئيس باراك أوباما، و في أحدي زيارتها لمنطقة الشرق الأوسط، أثناء ثورات الربيع العربي، أن الإدارة الإمريكية سوف تدعم مراكز البحوث التطبيقة لكي تصنع أجهزة اتصال (موبايلات ذكية) لا تخضع للرقابة من قبل أجهزة الأمن و لا تتأُثر برقابة الانترنيت في تلك الدول، و المقولة تشير لدعم الإدارة لثورات الربيع العربي.
السؤال: هل كانت هيلاري كلينتون تتوقع أن وسائل الاتصال الاجتماعي سوف لا تلعب دورا في عمليات التعبئة و الحشد فقط، بل سوف تبدأ في محاصرة العقل السياسي التقليدي في المجتمعات التي تحكم بنظم شمولية؟ و أن المجتمعات في المنطقة سوف تعاني من حالة مخاض سياسي يستمر طويلا، لكي يتخلق فيها عقل جديد قادر على تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية؟
أن مقولة هيلاري كلينتون تؤكد أن هناك عقل يخضع الظواهر و الأحداث التي تقع في المجتمعات للدراسة و البحث، و هناك عقل أخر لا يتعامل مع الظواهر إلا باعتبارها أحداث عابرة لا تترك أثرا في المجتمع. أن الأزمة السياسية التي يعيشها السودان ليست أزمة في حدود مؤيد للانقلاب، و أخر رافض له. لآن السودانيين جميعا رافضين الانقلاب، حتى الذين صنعوه رفضوا أن يطلقوا عليه انقلاب، مما يؤكد أن الانقلاب أصبح عملا مرفوضا و غير مقبول. و أدي إلي تعقيد الأزمة أكثر، مما صعب على العقل السياسي التقليدي فهمه و كيفية التعامل مع الانقلاب بالصورة التي تحدث فيه أختراقا، و السبب يعود أن العقل السياسي سوداني التقليدي لم يستطيع أن يتعامل مع المسائل المعقدة. و العقل التقليدي هو العقل المنمط على ثقافة واحدة لا يستطيع تجاوزها.
مثالا لذلك: أن ثقافة الجودية في السودان التي كانت تتعامل بها الإدارة الأهلية، و المجتمعات الريفية لمعالجة قضايا اجتماعية و خلافات و نزاعات تقع داخل هذه المجتمعات. يريد العقل السياسي التقليدي أن ينقل هذه الثقافة للحقل السياسي، لذلك أخرجها في شكل مبادرات و وثائق تتخذ ذات المنحى في تسهيل حل القضايا السياسية المعقدة. و الجودية الجديدة ثقافة لا تتناسب مع المجتمعات المنفتحة التي غذاها التطور التكنولوجي (وسائل الاتصال الاجتماعي) الذي دفع قطاع عريض من الأجيال الجديدة للمشاركة بآرائهم في العمل السياسي، إلي جانب أكتساب معارف جديدة و نظم جديدة و أفكار جديدة، هذه ألأشياء المكتسبة جعلتهم متمردين على الثقافة السياسية التقليدية.الأمر الذي جعل المبادرات لا تستطيع أن تحدث تغييرا في الواقع بالصورة التي تكون جاذبة للأجيال الجديدة. و العقل التقليدي قد ظهر بصورة كبيرة في ظاهرة المبادرات الدائرة الآن في المجتمع و الساحة السياسية، باعتبارها ثقافة تقليدية ناجحت في فترات سابقة و ماتزال مستمرة، الأمر الذي يؤكد أن العقل التقليدي أصبح محاصرا تماما. و ظهر بشكل جلي بعد التوقيع في وثيقة المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة. حيث بدأت الأحزاب التقليدية تتملص من توقيع مسؤوليها، حيث صدر بيان من حزب الأمة القومي يقول ” أن توقيع رئيس الحزب المكلف كانت بمبادرة منه على أعتقاد أنها تجميع لكل المبادرات في الساحة السياسية دون الخوض في تفاصيلها والتي لا تتسق ورؤى حزب الأمة القومي، و التي وردت بخريطة الطريق المجازة من قبل حزب الأمة” و هذه ليست المرة الأولى يوقع فيها اللواء فضل الله برمة لمناصرة عمل سياسي، و بعده تصدر بيانات من الحزب تنفي علم الحزب بها، الأمر الذي يربك العمل السياسي و تكراره سوف يفقد الثقة في الحزب. و أيضا قال مكتب الميرغني لم يبعثوا أحدا للتوقيع، و أيضا قال كمال عمر الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي أن الميثاق يكرس لحكم العسكر لذلك رفضوا التوقيع.
في الجانب الأخر من المشهد السياسي: نجد أن الحزب الشيوعي يتحكم في خروج الشارع دون منازع، و سيظل الزملاء حريصين على استمرار التظاهرات لكي يؤكدوا سيطرتهم، و لكن الزملاء لم يقدموا مشروعا سياسيا، كأن المبتغى عندهم فقط حركة الجماهير في الشارع، فالعقل الذي فطم على المعارضة لا يستطيع أن يتجاوزها للبناء، هم أيضا يمثلون الجانب الأخر للعقل التقليدي، أن يفرض حصارا على القوى السياسية، و يشل قدرتها حتى لا تستطيع أن تتحرك في مساحات إلا إذا سمح الزملاء بذلك، كل حالات التردد و عدم التفكير خارج السياق التقليدي يرجع لحالة حصار الزملاء لهم. رغم أن الزملاء يعلمون يقينا أنهم لا يستطيعون أنجاز شيء إلا من خلال الواجهات فقط، أما كحزب مرفضين حتى من خلال المشاركين في هذه المسيرات اليومية. و يرجع ذلك لتصنيف الأجيال الجديد أنه حزب تقليدي مشروعه الفكري قد أندثر تماما و أصبح تاريخ حتى روسيا التي كانت تقوده اليوم لم تعود تتذكره إلا باعتبارها كانت أحدى القطبين في القرن الماضي.
و قوى الحرية و التغيير رغم محاولات أختراقها للشارع لكسب قطاع من لجان المقاومة، لكنها فشلت في أن يكون لها أثر واضحا في الشارع يعزز مكانتها، و هذا يعود لأنها فشلت أن تجعل من نفسها قوى تستطيع أن تقدم برنامجا جاذبا لقطاعات جماهيرية، الأمر الذي جعلها تنظر للواقع بعين و الأخرى لما يفعله الزملاء. الآن ربطت نفسها بمقولة أصبحت مرددة عند كل قيادات الحرية و التغيير لابد من أن يرحل الانقلاب…! السؤال كيف يرحل الانقلاب؟ و من هي الجهة التي يجب أن تستلم مفاتيح السلطة من العسكر؟ لا تجد جوابا و البعض الأخر ما تزال ذاكرتهم مرتبطة بالسلطة. و من غرائب الأشياء أن العسكر يهددون المدنيين بالانتخابات. نسأل الله حسن البصيرة.
زين العابدين صالح عبدالرحمن
صحيفة التحرير