منى أبو زيد تكتب : في التظاهر بالعمل..!

“أفضل حكومة هي تلك الذي يوجد فيها أقل عدد من الأشخاص عديمي الفائدة”.. فولتير..!

من الطرائف العالمية في تاريخ شؤون وشجون السلطة التنفيذية – والعهدة على “شينخوا” – أن السلطات الصينية قد أوقفت – ذات قرار – خمسة مسؤولين من ذوي المناصب الرفيعة عن العمل، بعد أن ضبطوا متلبسين بجنحة النوم العميق المصحوب بالغطيط، في أثناء حضورهم مؤتمراً عبر الفيديو يُناقش أنجح الطرق للقضاء على الكسل في أثناء ساعات العمل. لا عجب إذن بشأن ما وصلت إليه بلادهم من مكان ومكانة..!

أما إحدى طرائفنا المحلية فتقول – في ذات الصدد – إنّ مسؤولاً رفيع المستوى قرر زيارة إحدى البقاع في بلادنا، فطلب المسؤول الأول من المهندس الأول إنشاء طريق مسفلت وبسرعة البرق، وعندما احتج المهندس بعكسية العلاقة بين السرعة والتنفيذ حسب المواصفات، قيل له إن المواصفات لا تهم، بل إنجاز العمل. مبعث الطرافة أن الطريق المذكور لا يزال يمد لسانه لسكان المنطقة – أما هم فلا يزالون يسيرون فوق مزالقه ومهالكه بالبركة – شأن مُعظم مشاريع و”مشروعات” العمل العام في بلادنا..!

الطريق إيّاه مجرد عينة من أجسام هلاميةشتى، تتخلق وتنمو في أطوار محدودة لخدمة مُناسبات مُوسمية يتم فيها إهدار المال العام في التظاهر بالعمل “تظاهر السلطة الأدنى أمام السلطة الأعلى بالعمل والإنجاز على حساب الكفاءة المهنية والترشيد الحكومي”..!

والآن صحّح لي إذا أخطأت، رغم انتصار الثورة لا توجد – حتى اليوم – استراتيجية محددة لمحاربة العطالة في السودان رغم كثرة الحديث عن خُطط توظيف الشباب. لا تظهر – حتى الآن– أي علامات فارقة في مُستوى المعيشة رغم كثرة الحديث عن مشاريع مُحاربة الفقر. لا تبرز – حتى الساعة – أي اختلافات ملموسة على خارطة الأداء التنفيذي رغم كثرة الحديث عن تدابير التخطيط والمحاسبة..!

أما تنازع الاختصاص فهو المشجب المفضل للقائمين على معظم مشاريع التنمية في السودان، والنتيجة منصرفات أكثر ومنجزات أقل، ناهيك عن تكاثر المستوظفين المتظاهرين بالعمل على حساب العاطلين “القادرين على العمل، الراغبين فيه، الباحثين عنه دُون جدوى”..!

أي حديث عن تفاقم ظاهرة التظاهر بالعمل – في بلادنا – لا ينبغي أن يكون بمعزل عن تفكيك البُعد الأخلاقي، ومن ثم تحليل أسباب الخلل بناءً على التشخيص النفسي والاجتماعي للظاهرة، قبل وصف الدواء القانوني والإداري الناجع..!

والنزاهة في تفكيك المتغيرات التي تطرأ على المحكوم تقتضي الإشارة إلى ارتباطها المُباشر بمسلك الحاكم وسلوك السلطة التنفيذية التي تتولى قيادة هذا المجتمع وتدبير شؤونه بما يفترض فيه الخير والمنفعة. فالأخلاق المُوجّهة للسلوك العام لا تنفصل أبداً عن كل ذلك، وعليه فإنّ مثالب القيادات هي الباعث الرئيسي على تبدل غايات وأخلاقيات مجتمعات العمل العام وتفاقم أخطائها السلوكية..!

التظاهر بالعمل في ساحات العمل العام هو الوجه الآخر للتظاهر بالإنجاز في ميادين العمل السياسي، والإصلاح الحقيقي يتطلّب نفض العدة القديمة وإصلاح المنهج.. فهل – يا تُرى – من مُذَّكر..؟!

صحيفة الصيحة

Exit mobile version