قلنا إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا هي حرب أمن قومي لروسيا التي تقع أوكرانيا في حدودها مباشرة، ومن الجانب الآخر تجاور أوكرانيا دول الاتحاد الأوروبي والتي تسعى لضمّها للناتو، لتجعل الناتو في خصر روسيا مباشرةً.
ولروسيا مصالح أخرى في أوكرانيا، حيث أن ثلث سكانها يتحدثون الروسية، وهم عرقياً سلاف، وأوكرانيا تدخل الحرب بالوكالة لأمريكا وأوروبا، والصراع بين روسيا وأمريكا له تاريخٌ طويلٌ، وأهم مواجهة كانت في أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، حيث بدأت روسيا في إقامة مواقع لإطلاق صواريخ سوفيتية على بُعد 90 ميلاً من ساحل الولايات المتحدة الأمريكية، وكان سبب التوتر بين كوبا والولايات المتحدة، وهو إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس الكوبي باتيستا بثورة مسلحة قادها الرئيس فيدل كاسترو في عام 1959م، وفيدل كاسترو لم يكن شيوعياً، ووقف مع الاتحاد السوفيتي لما لم يجد دعماً من الرئيس ايزنهاور، حيث وجد التأييد والمساندة من الرئيس خروتشوف.
وهذا النزاع دنا من قيام حرب عالمية ثالثة لولا حكمة الرئيس خروتشوف وحل الأزمة دبلوماسياً.
واضحٌ أن الحرب التي تجرى الآن بين روسيا وأوكرانيا هي حرب إرادات، مقصود منها تسابق نحو قيادة العالم، وتشكيل تحالفات عالمية جديدة على قرار تحالفات الحرب الباردة التي كانت بين المعسكرين الشرقي والغربي.
والدليل على ذلك، تصريح الصين في أنها لن تتردد في مساعدة روسيا إذا طلبت ذلك، خاصةً وأنّ قضية تايوان حاضرة في هذا الصراع، حيث إن تايوان صينية وتقع في حاضنة الولايات المتحدة الأمريكية وتوفر لها الحماية من الصين.
وتسعى الصين الآن لضم تايوان إليها كما حدث ذلك لمنطقة هونج كونج وجزيرة مكاوة المحتلة من البرتغال.
وأرجعت الصين ذلك باتفاقية بعد تسعين عاماً،
وكذلك يتوقع دخول الهند أو باكستان في التحالف الجديد وكلاهما دولتان نوويتان. أيضاً ستكون كوريا الشمالية في هذا التحالف، خاصةً وأنّ لديها عداءً مستفحلاً مع أمريكا، وأيضاً تملك سلاحاً نووياً، وهي في صراع دائم مع كوريا الجنوبية واليابان، ويتوقع دخول إيران في هذا التحالف، بجانب الإمارات المتحدة (القندول الذي شنقل الريكة في العالم العربي)، وقطعاً سوريا.
وطبعاً سيكون هنالك دورٌ كبيرٌ للمليشيات الإيرانية من حزب الله والحوثيين إذا نشب صراعٌ خارج أوكرانيا.
ومن خلال هذا الصراع قد تفكر تركيا في إعادة الدول التي كانت تتبع للدولة العثمانية والمنتشرة فيها اللغة التركية رغم عضويتها في الناتو، وكذلك ستكون فنزويلا ضمن الحلف الروسي، خاصّةً وأنّها دولة نفطية وهي ستكون مسمار جحا الروسي في أمريكا الجنوبية..!
أما في أفريقيا متوقع انضمام عدد مهول من دولها لهذ التحالف، وخاصة التي حدثت فيها انقلابات عسكرية في الفترة الأخيرة، وكذلك أغلب الدول الفرنكوفونية.
إذن أمر الحرب في أوكرانيا لن ينتهي دون حدوث تغيير كبير في خارطة أحلاف العالم، وقد يتطوّر الأمر الى حرب عالمية ثالثة حال أن الغرب تهوّر ودخل في عمل مباشر مع روسيا في أوكرانيا، حال توسعت الحرب لتشمل دولاً في أوروبا كما حدث في بولندا في الحرب العالمية الثانية.
إذن هذه الحرب هي حرب تعيد النظام العالمي لمرحلة جديدة، وتصفّر العداد، خاصة وأن قبضة الدولار في طريقها الى الانهيار والآن بدأت، حيث بدأ اليوان في الصعود.
إنها حرب تشكيل العالم بعد أن سيطرت أمريكا على العالم كشرطي، فهي إمبراطورية سادت لا بد أن تبيد، لأنّ كل من علا هبط.
صحيفة الصيحة