اعتصام القيادة كان أرضا للرداءة، للسماجة، لمحبي الشهرة، للموضة واستعراض الأزياء، للبطولات الوهمية، للأكاذيب، للجهل، للقبح

اعتصام القيادة رمز مناسب لثورة ديسمبر، متسق مع شروطها أشد الاتساق. لقد مثل الاعتصام كرنفالا عظيما للسياسة السائلة، صار مثل الحفل الكبير للاستعراض تحت أضواء الكاميرات. مع إدعاء لمثاليات زائفة مفرغة من كل مضمون.

كان الاعتصام أرضا للرداءة، للسماجة، لمحبي الشهرة، للموضة واستعراض الأزياء، للبطولات الوهمية، للأكاذيب، للجهل، للقبح. لقد صار الاعتصام (أرض النمط الليبرالي) بعد العولمة. وقد كان الاعتصام بنيويا ضد الفكر، وضد الرصانة، وضد العقل، وضد الانتماء. والأهم أنه كان ضد الاستماع والتقبل والتنوع والنقاش.

كانت هناك قوة خفية تدفع الإنسان ليكون مهرجا، راقصا، لعوبا. وبطريقة ما كانت منصة الاعتصام تنطق بالأكاذيب السياسة الحمقاء، تلك هي الشعبوية الليبرالية بأم عينها.

كانت هتافات مثل: “يا أخوانا الشاي، الشاي بي جاي” تعكس الرداءة الجمالية، وأغاني الفنان ماو وأشعار الأمريكية المضحكة مروة تعكس ذوقا فنيا منحطا.

إن الاعتصام وثقافته انعكاس لشروط قوية في المجتمع المعاصر، شروط نابعة من العولمة، والكاميرا أهم أداة مادية لتلك الشروط، فكان الرقص هو الجوهري. الرقص بكل شيء حتى بالدماء والتضحيات.

الحوار هناك غير ممكن فالهتاف يملأ الأرجاء، وبالتالي فتحرير الخلاف الذي يثري الفكر غير ممكن. إن الشعبوية الليبرالية المنحطة حالة غير واعية، ولا تفهم معنى الوطن ولا الهوية ولا السيادة. والاعتصام ظاهرة تسمى في علم الاجتماع المعاصر بظاهرة (محتجي الساحات). كان الاعتصام حالة من حالات مجتمعات (ألوان قوس قزح) كدلالة لقبول كل شيء. وتلك هي دلالة وثيقة على غياب البديل، والأخطر هي إشارة للتصالح مع حالة اللابديل والسيولة المطلقة. وهذا النقد غير شخصي، بل هو وصف بسيط لظاهرة لها شروط قوة وذات طبيعة عمومية.

في المقابل فإن كل انتظام اليوم تحت شروط تتجاوز حالة اللابديل، واللانتماء، واللاموقف، هو انتظام وتجمع مختلف جوهريا وبنيويا عن حالة الاعتصام. لذا فإن ما هو مهم حقا للفضاء السياسي لبلادنا أن نرى تكتلات وتجمعات ممن يجمعهم برنامج وانتماء وهوية، يمينا أو يسارا، وبذلك سنكسر صنم الشعبوية الليبرالية الغبي الهتافي الذي صنعته الشروط الثقافية لديسمبر.

هشام الشواني

Exit mobile version