(1)
التجارب السياسية في السودان أثبتت بما لا يدعُ مجالاً للشك أنه ما من جهة تستطيع إقصاء الآخرين مهما أوتيت من قوة، قد تتوفر لأي جهة ما أسباب القوة والسلطة والمال والنفوذ وتستطيع التحكم وعزل الآخرين لبعض الوقت ولكنها ستظل عاجزة عن الاستمرار في عزل وإبعاد الآخرين…. بطبيعة الأوضاع في السودان ستظل سياسة الإقصاء والعزل سياسة فاشلة ومردودها أسوأ وكل التجارب اثبتت ذلك… كل القوى التي حاولت الإقصاء ارتد السهم على نحرها ويستعصى عليها الأمر فتعود مخبتة مذعورة تبحث عن التوافق والتصالح مع الآخرين… يحدث هذا منذ الاستقلال ولا يزال، في حكومات الائتلاف التي تلت خروج المستعمر، وفي نظام نميري الذي اضطر للمصالحة الوطنية عام 77 بعد انفراد بالحكم وتنكيل بالخصوم السياسييين، وفي نظام الإنقاذ الذي اشتط في الإقصاء وإضعاف الخصوم بشق صفوفهم، ثم عاد وارخى قبضته وطفق يبحث عن المصالحات والحد الأدنى من التوافق الوطني لكن للأسف غلب على مساعيه التوافقية الجانب التاكتيكي، وعدم الجدية…
(2)
دعوة رئيس مجلس السيادة للتوافق الوطني والحوار لم تكن بدعاً من سابقاتها، فكلما سعت جهة من الجهات أو حزب من الأحزاب أو مجموعة إلى إقصاء الآخرين وعزلهم اصطدمت بحقيقة ثابتة وهي استحالة الاستمرار في الإقصاء والانفراد بالسلطة، لأن هذا السودان ثبت جلياً استحالة إدارة دفته أحادياً… نعلم يقيناً أنه ليس أمام البرهان إلا دعوة كل القوى السياسية لإيجاد الحد الأدنى من التوافق الوطني، وليعلم الجميع علم اليقين أن دعوة التوافق الوطني لا تصلح للتاكتيك السياسي والمناورات والمراوغة لأن من مشوا في هذا الدرب خاب مساعهم لأن هناك من الوعي والتجارب ما هو كفيل بتمييز المناورة السياسية وكسب الوقت من العمل المخلص والجاد لإنقاذ البلاد.
(3)
الحديث أيضاً عن إقصاء العسكر عن المشهد هو أيضاً حديث مجاف للواقع الذي تشكل بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية التي شهد عليها العالم، فهناك وثيقة دستورية تم الاتفاق حولها، ورغم عيوبها الكثيرة ستظل هي المرجعية الآن على الأقل، إبعاد أي طرف من أطراف الوثيقة هو خرق لها ولذلك اعتبرنا إجراءات 25 أكتوبر انقلاباً على الشركاء وخرقاً للوثيقة، وبناءً على هذا الخرق مدّ المؤتمر الوطني المحلول لسانه طويلاً واعتبر أن الوثيقة لاغية بعد 25 اكتوبر ليجد مدخلاً لإلغاء قرار حله، ومع ذلك اعتبر رئيسه قرارات 25 أكتوبر إجراءً لتصحيح مسار الثورة في تناقض واضح وسياسة ميكافيلية يحسد عليها.
(4)
صحيفة اللنتباهة