تلقيت تعليمي في عصر كان فيه شعار المدرسين وأولياء الأمور هو “العلم يرفعهم والضرب ينفعهم”، وأؤكد في هذا الصدد ان الضرب الذي أصابني في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة لم ينفعني في شيء، بل جعلني شديد النفور من مادة الرياضيات، وكانت على أيامنا اسمها “الحساب”، وارتبط اسمها في عقولنا بالمحاسبة والعقاب، وكان جدول الضرب هو الاختراع الذي أعطى المدرسين ذريعة لضربنا كما الإبل الشاردة، وفي المدرسة الوسطى كنا في شمال السودان النوبي نتعرض للعقاب البدني ب”تهمة” التحدث باللغة النوبية، ولهذا كنا نتسلح بما يسمى البردعة بأن نضع حول أردافنا “حشوات قماش” تمتص الضربات (وفي بدايات ظهور البلاستيك استخدم صاحبنا قطعة سميكة منها بردعة ومع نزول كل ضربة كنت تسمع “دلللل” فقال له المدرس: الليلة حشوتك بُنْقُز، وذات مرة قفشني مدرس وأنا اتبادل الحديث مع زميل بالنوبية فقرر لي عقوبة فقلت له: هرام عليكي..وشرحت له إنني كنت أروي تفاصيل حلم كانت وقائعه بالنوبية، فصاح المدرس: برضو ممنوع تحلم بالرطانة.. ثم ضحك وأسقط عني العقوبة)
في المغرب ألقت معلمة بتلميذ صغير عبر نافذة الطابق الثاني من المدرسة، وأخرى كوت أيدي التلاميذ بالنار، وفي زيمبابوي كشف التحقيق أن معلمة كانت أحيانا تجلد التلميذ الواحد 100 جلدة، ثم قررت أن تعطي التلاميذ خيار الخضوع للجلد أو “رضع اللبن”، وبداهة فإن معظم التلاميذ كانوا يفضلون الرضاعة من المعلمة على تلقي الضربات، وتخيل ان ابنتك عادت من المدرسة ووضعت أمامها طعام الغداء فقالت: شكرا ما أقدر آكل… اتغديت لبن طازج في المدرسة، وبعد سين وجيم تعرف أنها رضعت من ثدي المعلمة!! كيف تتصرف؟ تكتب الى وزارة التربية لتقول لها إن البنت فُطمت قبل سبع او عشر سنوات؟ تقول ان بنتك لا تتعاطى إلا اللبن المبستر؟
الشاهد في تلك الحكاية هو ان كثيرين في الدول النامية يختارون “التدريس” (وهي مهنة طاردة)، وهم يفتقرون الى أخلاق المهنة، وفي منطقتنا يتعرض التلاميذ للعقاب الجسماني والعنف اللفظي: يا حمار.. يا ثور.. يا بغل! ومعظمنا يتذكر مدرسا واحدا أو أكثر كان محله الطبيعي شرطة الاحتياطي المركزي او الدعم السريع بسبب قسوته المفرطة، بل نعرف زملاء هجروا مقاعد الدراسة هربا من العقاب القاسي
جعفر عباس