ينتشر الآلاف من السودانيين أغلبهم من الشباب، في الصحراء وبين الجبال، بحثاً عن الذهب الذي ينقبون عنه بطرق تقليدية، وسط ظروف بيئية عالية الخطورة غالباً ما تكلفهم حياتهم.
وتعتبر ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر إضافة إلى جنوب وغرب كردفان، هي المناطق الأكثر إنتاجا للذهب، حيث ينتشر فيها آلاف المنقبين بحثاً عن المعدن النفيس، بطرق تقليدية تعتمد على الحفر بالأيدي وتكسير الحجارة وطحنها ثم غسلها بوساطة مادة الزئبق عالية الخطورة قبل حرقها لاستخلاص الذهب.
ويقول منقبون تقليديون إنهم يواجهون مصاعب خطيرة أثناء عملية التنقيب، بسبب هشاشة الأرض التي كثيرا ما تنهار وتنتهي بموت الكثير منهم تحت الأنقاض، إضافة إلى انقطاع الأكسجين داخل البئر بسبب حرق المعدّنين للصخور بغرض تفتيتها.
وقال حامد صالح، أحد المنقبين التقليدين عن الذهب في منطقة دلقو في الولاية الشمالية، لـ“إرم نيوز“ إن ”أبرز المخاطر التي تواجه المعدنين الأهليين هي انهيارات الآبار والتعامل مع مادة الزئبق“.
وأوضح صالح أن انهيار الآبار دائما ما يكون بسبب تداخل الحفر حيث يوجد في المنجم أكثر من بئر يفصل بينهما مساحات لا تزيد عن متر، وإن البعض يقوم بحفر هذه المساحات الفاصلة بين الآبار ما يؤدي إلى انهيارها“.
وأضاف أنه ”قبل أيام انهارت بئر كان بداخلها خمسة أشخاص أدت إلى مقتلهم جميعاً، وذلك بعد أن قام البعض بقطع ما يعرف بحواف البئر أثناء تتبعهم لعرق الذهب“.
وعن طريقة التعدين والتنقيب التقليدي عن الذهب، أوضح أنه ”تبدأ بحفر الأرض واستخراج الحجارة التي يشتبه وجود المعدن داخلها، ثم تجميعها داخل جوالات والذهاب بها إلى مطاحن بعيدة عن المناجم، وعقب ذلك يتم غسل التراب المطحون بمادة الزئبق التي يتعامل معها المنقب بيده مباشرة، قبل أن تصل المرحلة الأخيرة وهي حرق الذهب المستخلص، وهنا يتعامل المنقب للمرة الثانية مباشرة مع المادة السامة عبر استنشاق الدخان“.
وأفاد بأنها ”لا توجد أي وسائل حماية للمعدنين من مخاطر الزئبق او انهيارات الآبار، ولا حتى إرشادات أو توجيهات من وزارة المعادن أو الصحة حول طريقة الاستخدام الأمثل لهذه المادة السامة“، لافتا إلى ”وقائع محزنة واجهها معدنون انتهت بموتهم بصورة مأساوية، منهم من فقد الأكسجين داخل الآبار ومات اختناقا، وآخرون تهدمت عليهم الآبار“.
وأشار صالح إلى أنه ”قبل عام مضى، كنت شاهداً على حادثة مأساوية، حينما دخل 3 معدنين داخل بئر تحت إحدى الجبال في الولاية الشمالية، لكنهم لم يخرجوا بعد مرور خمس ساعات، فلحق بهم شخصان ولم يخرجا أيضا، حينها علمت أنهم فقدوا الأكسجين في الداخل فاستنفرنا الجميع وبعد 12 ساعة تمكنا من إخراج جثامينهم“.
متطلبات السلامة
وحسب مسؤول في وزارة المعادن السودانية، فإن نسبة الالتزام بمتطلبات البيئة والسلامة من قبل شركات التعدين، تساوي صفرا فيما يتعلق بـ“التعدين الصغير والاستكشاف“، مقراً بضعف الرقابة الإدارية على البيئة بأسواق التعدين التقليدي، وأن الوزارة تراقب عمل الشركات لكنها لا تتابع عمل التعدين التقليدي.
وقال المسؤول لـ“إرم نيوز“، إنه ”خلال الثلاثة شهور الماضية لقي نحو 30 شخصاً مصرعهم تحت الأنقاض بعد ان انهارت عليهم آبار التعدين، في ولاية جنوب كردفان“، موضحا أن ”80% من عمليات استخراج الذهب في البلاد، تتم بوساطة التعدين التقليدي الذي يستخدم وسائل خطرة على حياة المدنيين.
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور حبيب فضل المولى، أن ”التعدين التقليدي واحد من أهم الحرف الاقتصادية في السودان، لكنه لا يحظى باهتمام من الدولة لتطويره وتقليل مخاطر السلامة التي تواجه الذين يعملون فيه“.
وقال المولى لـ“إرم نيوز“ إن ”أكثر من ثلاثة ملايين سوداني يعملون في القطاع التقليدي للذهب ينتشرون في مناطق نائية أكثرها صحراوية تقل فيها فرص الحياة، وإن أكثر المخاطر في هذا القطاع هي التعامل المباشر للمعدنين مع المواد الكيميائية لاستخلاص الذهب عبر مواد الزئبق والسيانيد السامتين“.
وأشار إلى أن ”الإنتاج الأكبر للذهب يأتي عبر التعدين التقليدي حسب إحصائيات رسمية، لكن أغلبه يباع في السوق السوداء ويهرب دون ان تستفيد منه الدولة، لأنها لا توجد بورصة للذهب في السودان كما أن بنك السودان ليست له رقابة على الأسواق“.