بروفيسور حسن مكي بين العام والخاص الجزء الأول
زوجتي هي سر نجاحي.. وأستمع لصلاح ولي ومعاذ ابن البادية
الشيوعيون سموني سمح الزي لعدم هندامي.. وطالبات الأحفاد كن يسخرن من بنطالي الواحد
تفاجأت بإذاعتي في جامعة الخرطوم ولم أخبر أحداً
حوار: فاطمة مبارك
مقدمة :
بروفيسور حسن مكي شخصية عرفت بالتحليل السياسي العميق المدعوم بالتجربة السياسية والعلمية، ظل منذ أمد طويل يحلل قضايا السودان دون أن يكترث الى ما يسببه هذا التحليل من إشكالات لشخصه، كان من الأوائل الذين بادروا بانتقاد الحكومات منذ أن كان طالباً بجامعة الخرطوم كلية الآداب، قسم الفلسفة وكان ثمن هذا الرأي الحر زج به في المعتقلات، كما حدثنا واستمر في الجهر بآرائه الجريئة في عهد نظام الإنقاذ رغم رباط الانتماء الذي كان يربطه بها قبل أن يعلن خروجه من التنظيم في مرحلة لاحقة، بعد ثورة ديسمبر واستئناف المرحلة الانتقالية استمر بروف حسن مكي في تقديم رؤاه وتوقعاته المستندة على معطيات الواقع، على خلفية هذه التجربة العميقة..( اليوم التالي) جلست مع بروفيسور حسن مكي في حوار بين العام والخاص تناول النشأة والميلاد وأبعاد تجربته الأكاديمية والسياسية كما تناول الحوار قضايا الراهن السياسي بالتحليل حاضرها ومستقبلها، تحدث فيه البروف بصراحته المعتادة..
… بماذا تهتم هذه الأيام؟
بعد بلوغ الشخص سن السبعين، يكون مهتماً بصحته ومستقبل أولاده وترتيب أوضاعه، لأنه قد يغادر في أي وقت.
.. كيف يتم هذا الترتيب؟
أهم شيء القول الحسن وجبر الخواطر، بقدر الإمكان لا تغلط على شخص والصبر، والنظر للأمور بموضوعية وحكمة.
.. هل أصبحت تنظر بعد بلوغك السبعين بموضوعية أكثر؟
مؤكد، لأن حياتي كطالب وشاب تختلف عن حياتي الآن
.. حدثنا عن نشأتك، وميلادك؟
ولدت في قلب الحصاحيصا بين الحي الأوسط والسوق، ثم انتقلنا لحي يسمى المايقوما ما زال موجوداً في الحصاحيصا.
،،، كيف كانت علاقتك بالوالد؟
الوالد كان تاجراً، لذلك نصف شبابي قضيته في الدكان يعني (بشوف القروش كل يوم ما زي أولاد الموظفين بشوفوها آخر الشهر)، لكن هذا أدى إلى ردة فعل شديدة.
،،، كيف؟
نشأتي في السوق جعلتني أكره الأسواق.
،،، إلى الآن؟
حتى الآن أبغض مكان لي هو الذهاب للسوق، وإذا معي زوجتي وأولادي، أجلس في القهوة أقرأ الجرائد الى أن ينتهوا من التسوق.
،،، الحصاحيصا كيف كانت آنذاك؟
كانت منطقة عمال.. الحصاحيصا في زمننا كانت فيها المحالج ومحطة القطر والبنطون والتجارة، الإنجليز صمموها على أساس أنها مدينة خدمات، الخدمات الجنسية والأنادي.
،،، تقصد أنها كانت مدينة ساهرة؟
الحصاحيصا الصغيرة وقتها، كانت فيها خمسة بارات، ومسجد واحد، ونحن لأننا كنا نشتري البيبسي والعصير من البارات، تعرفنا على كل أسماء الخمور والخمارات، كن يأتين الى السوق لشراء احتياجاتهن.
،،، ماذا كان يعني لك هذا المشهد؟
الصورة التي شكلها في ذهني حسن البنا ومحمد قطب وسيد قطب وحركة الإخوان، كانت متناقضة جداً مع الواقع الذي كنت أعيشه في الحصاحيصا.
،،، أين برز التناقض؟
كنت أمر بالعاهرات بصورة يومية، وأشاهد النادي والمخمورين الذين يطردوننا بالليل، الواقع كان ممزقاً، لكن أنا أصبحت عندي صورة مثالية غير موجودة على الأرض.
،،، أين تلقيت تعليمك الأولي؟
الأوسط والابتدائي في الحصاحيصا ووالدي لم يكن يرغب في تعليمي.
،،، لماذا؟
لأنه يريدني للدكان وعندما أصلي به كان يرفع أكفه، ويدعو بعدم نجاحي في المدرسة.
،،، ماذا كنت تفعل أنت؟
كنت أدعو عكس دعوة الوالد، أخي الكبير دخل كلية الطب لذلك قررت أن أكمل تعليمي.
،،، بعد ذلك التحقت بحنتوب أليس كذلك؟
نعم، دخلت حنتوب لكنني صدمت فيها.
،،، ما سبب الصدمة؟
مياهها كانت مالحة أثرت على صحتي، وكنت أذهب للبحر لإحضار ماء شرب.
،،، ما تأثير حنتوب عليك؟
في حنتوب بدأت تتبلور لدي الرؤى السياسية وكانت فيها مكتبة ضخمة.
،،، من هم زملاء الدراسة بحنتوب؟
من الزملاء دكتور مضوي الترابي، وكان يسبقني بسنتين وأخوه، دكتور النور حمد وهو دفعتي، لكن كان في داخلية مختلفة.
،،، بمن كانت تربطك علاقة؟
قرشي محمد علي كان من أشطر الطلاب ومن المداومين على المذاكرة، مرة أتوا إلينا ناس حسن رزق ومحمد علي الأمين في جزيرة حنتوب، وأنا كنت رئيس اتحاد وقرشي مسؤول عن الإخوان وكنت أبحث عن مكان ينامون فيه، فقال لي قرشي: أنا أصلاً بقرأ للصباح وممكن يناموا في أسِرَّتِنا.
،،، هل كنت طالباً مجتهداً؟
أنا أموري كلها كانت تمضي بالتوفيق، لأنني لا أقرأ ولا أجتهد، في حنتوب كان هناك نظام المستويات، مستوى أول وهذا كان فيه قرشي وثاني، نحن كنا في المستوى الثالث، لم أكن أكاديمياً، أكاديميتي كانت المكتبة الحرة وليس المكتبة الأكاديمية.
،،، حتى أيام الامتحانات لا تقرأ؟
نعم
أذكر في إحدى المرات كنا نتأهب للجلوس لامتحان الشهادة، جاءنا في حنتوب محمد عبد الله جار النبي.
،،، ما غرض الزيارة؟
كان يريد أن يجندنا لنذهب للجزيرة أبا والتدرب مع الإمام الهادي ضد الشيوعيين.
،،، هل وافقتم؟
أنا رحبت بالفكرة ولم أكن منزعجاً من تزامن سفرنا للجزيرة أبا مع الامتحانات والموضوع (ما كان فارق معاي)، الصباح ذهبت معه إلى موقف البص، وكنت في اليوم التالي ممتحن.
،،، لماذا لم تذهب للجزيزة أبا؟
بعد الامتحان ما كان في طريقة للسفر لأن موضوع الجزيرة أبا تم.
،،، ماذا حدث بعد ذلك؟
والدي توفي عام 1970م وأصبحت مشغولاً بالدكان، في ذلك الوقت كان يتم إعلان المقبولين لجامعة الخرطوم عبر الراديو، حينما حان وقت الإذاعة فتحت الراديو بغرض معرفة أصدقائي الذين سيتم قبولهم.
،،، وأنت؟
أنا لم أكن متوقع نفسي ولا مهتم، فتحت الراديو على قدر سمعي، لأن البيت كان حزيناً لوفاة الوالد، فكانت المفاجأة أن رقم (19) في كلية الآداب هو حسن مكي، استغربت جداً وأغلقت الراديو ولم أخبر أحداً.
،،، لماذا ألم يكن الخبر مفرحاً بالنسبة لك؟
كانت فرحة لكنها ليست نشوة، بعدها تخلصت من الدكان وذهبت للجامعة ،،، كيف وجدت الأجواء في جامعة الخرطوم؟
أول ما حضرت لجامعة الخرطوم وجدت كبتاً شديداً، مدير الجامعة وقتها ربنا يرحمه منعم محمد عثمان قال لنا الجامعة فيها انحياز كامل لليسار وجاءت الجماعات التقدمية وقالوا كلام قريب من هذا، قالوا، أنا كان حلمي لما جئت للجامعة، أن نكتب ونقرأ ونعمل مظاهرات.
،،، وشرعت في تنفيذ حلمك؟
لم أجد هذه الحكاية في الجامعة، لكن كان عندي أسرة، فكتبت مذكرة لرئيس أسرتي بأحلامي هذه وقال لي سأوصلها للمسؤول.
،،، هل وصلت للمسؤول؟
نعم، بعد أيام هذا المسؤول كان هو المهندس محمود شريف طلب مقابلتي، وحكى لي عن ظروف الجامعة والناس معتقلة آنذاك.
،،، ما الخطة التي اتبعتها بعد ذلك؟
بدأنا الحركة من داخل الجامعة كان من روادها محمود شريف وعلي عثمان وتصاعدت وتم تحرير الجامعة من الجبهات التقدمية، وعملنا اتحاد على طريقة الحر المباشر.
،،، هل كان مناسباً حينها؟
أعتقد أن التمثيل النسبي كان أنسب للجامعة لأن الحر المباشر يعطي تنظيم واحد كامل الاتحاد ناس الحكومة وقتها أرادوا أن يكسبونا لأننا نمثل الاتحاد.
،،، ماذا فعلوا لكم؟
نظموا لنا رحلة شملت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، لنعرف كيف تعمل الاتحادات في تناسق مع إدارات الجامعات.
،،، كيف تعاملتم مع هذه الرحلة؟
نحن اعتبرنا هذه فرصة للاستعداد الى شعبان لإسقاط الحكومة
،،، من كان معكم من السياسيين؟
في هذا الوقت كان في بريطانيا الشريف حسين الهندي يبحث عن نصراء وعمر نور الدائم، حسن الترابي وعملنا اجتماعاً هناك..
،،، ما هي الشخصيات التي كانت حضوراً؟
حضره محمد عثمان مكي وشخصي من الطلاب وعباس برشم، من الجبهة الوطنية لحزب الأمة والتجاني سراج رحمه الله، وكان فيه من السياسيين الشريف حسين الهندي وعثمان خالد مضوي والترابي، وعمر نور الدائم رحمهم الله، وأذكر أننا كنا أخذنا معنا بلحاً من السودان، وعثمان خالد أحضر الدجاج كنتاكي وكنت لأول مرة أسمع به، فهجمنا على الكنتاكي لكن الهندي لم يأكل معنا.
،،، ما سبب امتناعه عن تناول الدجاج؟
قال أنا يهمني هذا البلح أشتم فيه رائحة السودان، ووضعه في جيب البدلة، ولم يأت إلينا بعربة وكان من أغنى الناس.
،،، على ماذا اتفقتم في الاجتماع؟
اتفقنا على ثورة شعبان الثورة التي استمرت وأجهضت وأتينا للسودان لشعبان وبعدها دخلنا السجن وطلعنا منه عاقلين شوية (يقولها ضاحكا)
،،، حدثنا عن هواياتك؟
القراءة والكتابة، الآن عندي (25) كتاب مطبوع وسر النجاح يعود إلى الزوجة، التوافق العائلي مهم جداً.
،، هل تقوم زوجتك بكل أعباء المنزل؟
بالنسبة لي لا أعاني من أي مشكلة فيما يخص شؤون البيت ولا أقوم بشراء العيش والخضار واللحمة ولا أقود العربة الا أكون (زهجان)، أنا متفرغ تماماً لمكتبتي
،،، كيف تزوجت؟
لما تخرجت من الجامعة لم يكن العمل ممكناً لأننا في القائمة السوداء، لذلك اشتغلت متفرغاً في الحركة الإسلامية.
،،، أين كانت البداية؟
في البداية ذهبت لجنوب السودان وأسست الشعب ومن ثم ذهبت لدارفور وأسست شعب العمل.
وبعد أن أسست مكاتب الحركة في الجنوب ودارفور، أصبحت مسؤولاً عن مكتب الطلبة في الجامعات، وأسندوا لي مسؤولية جامعة الفرع (النيلين حالياً).
،،، كيف وجدت جامعة الفرع؟
وأنا لم أراها قبل ذلك، وأخذت أبحث عنها ولما وجدتها صدمت.
،،، لماذا؟
وجدتها مزدحمة ليس كجامعة الخرطوم، بعد ذلك تعرفت على الموجودين المحبوب عبد السلام وآخرين، وفي النهاية نجحت الحكاية واستلموا الاتحاد،
،،، نعود الى لقائك بزوجتك هويدا أين كان؟
أذكر أن بطاقتي ضاعت مني في الجامعة فأتتني هويدا وقالت لي هذه بطاقتك فقلت لها نعم، بعد ذلك اشتغل زملاء في توصيل الرسالة بيني وبينها، منهم عماد حسين (التصنيع الحربي)، ومحمد كبير، (توفي رحمه الله) إلى أن وصلنا مرحلة الخطوبة والزواج.
،،، عرفنا على أبنائك وبمن تأثروا؟
كبيرهم متزوج وأب لطفلين ويعمل بإحدى شركات التعدين الذهب، الثاني تخرج من جامعة الخرطوم إدارة أعمال ويعمل في تركيا، ابنتي متزوجة وأم لطفلة وتعمل طبيبة ببريطانيا، والثالث أيضاً في بريطانيا، والأخير تخرج من كلية الهندسة جامعة الخرطوم واختار مجالاً أنا شجعته عليه.
،،، أي مجال؟
أبدى رغبته في العمل كمزارع وذهب لمنطقة باسندة التي تبعد (160) كيلو من القضارف على حدود الحبشة، زرع أفدنة عباد شمس وسمسم، لكنه خسر خسارة كبيرة، ومصر أن يمضي في نفس الاتجاه، من خلال هذه المقابلة هذه رسالة للحكومة، هناك خمسة عوامل كانت ضده.
،،، ما هي؟
مدخلات الإنتاج مثل الجازولين والسماد، توتر العلاقات مع إثيوبيا أدى إلى انعدام العمالة، وبسبب الكورونا والانشغال بالأوضاع السياسية البنك الزراعي لم يتعامل معهم، ولولا مساندتنا له كان سيدخل السجن لأن الناس الذين تعاملوا مع البنك الزراعي ومولهم سيكون خسروا نفس الخسارة، هو لم يأخذ من البنك الزراعي، تمويله كان عائلياً الآن هو هناك لأنه يريد تقليل الخسارة.
،،، أكلتك المفضلة؟
أنا لا أحب الصواني (وبقول لزوجتي ما تكتري الحاجات) السلطة ضرورية ومعها صحن آخر، الآن في هذا العمر أصبحت لا أميل للعيش، أرز وشوربة بالنسبة لي الوجبة الأساسية إذا لم توجد، أفضل أن تناول مفروكة وقراصة.
،،، هل تحب الشعر؟
حاولت أحب الشعر وغلبني، لكن أحب القراءة وفي القراءة سير الأعلام النبلاء، والقادة السياسيين والروايات.
،،، هل لديك موهبة في كتابة الرواية؟
حاولت أكتب رواية وفشلت فشلاً ذريعاً، لكنني ناجح في المقال السياسي، وطلابي كلهم تخصصاتهم في القرن الأفريقي.
،،، الى من من الفنانين تفضل الاستماع؟
هذه ليست وجبة أساسية بالنسبة لي، لكن كانت لدي شوية معرفة بالمرحوم الكابلي وكذلك محمد ميرغني، وفي صغري كنت أستمع لعثمان حسين
،،، والآن؟
الآن أفتح الواتساب أجد ابن أخ صلاح ابن البادية معاذ وأستمع له وأستمع كذلك لصلاح ولي، تعجبني حركاته أثناء الغناء.
،،، حدث غير مسار حياتك؟
السجن، ضرب تطرف العقل، أنا سجنت مع معظم السياسيين السودانيين، أنا والترابي وعثمان جاد الله ومبارك الفاضل كنا في غرفة واحدة، مع أبو حسبو وأحمد زين العابدين.
،،، ماذا عن أصحاب المهن الأخرى الذين قابلتهم في السجن؟
معظم الرأسماليين السياسيين وتجار الشيكات النشاليين المحتاليين كلهم مررنا عليهم في السجن وعرفنا من خلال السجن المجتمع السوداني.
ومن السياسيين الذين تعاملت معهم ولم أكن أعرف أنهم متدينون وجدتهم متدينين جداً، أحمد خير شغل منصب وزير خارجية وكان يصلي مائة ركعة في الليلة، وعبد الحميد صالح كان (يصحيني عشان أمسك) له القرآن ويحرص على قراءة الراتب وأحمد زين العابدين رحمه الله قرأ معي إحياء علوم الدين، من الصحفيين كان معي بشير محمد سعيد.
،،، ما علاقتك بكرة القدم؟
في الحصاحيصا عام 1970 كنت أشجع الهلال، لكن الآن
أنظر الى الكرة أحياناً، ما أكثر من دقيقة، خاصة إذا كنت أقرأ في كتاب معقد أو أراجع في رسالة دكتوراة مليئة بالأخطاء.
،،، هل كانت تربطك علاقتة بالمرأة في الجامعة؟
جامعتنا كانت جامعة ذكورية، لكن الآن يوجد عدد مقدر، من النساء في الجامعات، محاضرات ودارسات.
،،، يعني ليست لديك مشكلة في التعامل معها؟
أنا ليست لدي عقدة من المرأة وإن كان نشأت في مجتمع ذكوري، كنا إخوان، أختنا كانت ومتزوجة ليست معنا، الواحد لم يكتشف المرأة إلا طالبة معه في جامعة الخرطوم.
حوار: فاطمة مبارك
اليوم التالي