لا أميل للتوقعات لأنها تدخل في باب التنبؤ، والمثل يقول المتنبي إما أن يكون “نبياً أو غبياً” وحاشا لله لا هذا ولا ذاك، ولكن كل الشواهد الماثلة أمامنا من شظف في العيش وغلاء في أسعار السلع الغذائية والخدمات وضعف وتأخُّر مرتبات العاملين في الدولة مقابل ارتفاع جنوني للاحتياجات المعيشية اليومية للأُسر وتدني قيمة الجنيه وارتفاع نسبة التدخُّل وضعف الصادر وقلة الإنتاج، جعلت الغلاء فاحشاً وتجاوز قدرة المُواطنين على الاحتمال بنا على الشواهد عاليه، فإن الظروف باتت مهيأة تماماً لاندلاع ثورة الجياع.
لوقت قريب كنت استبعد أن تكون الأسباب الحقيقية لثورة ديسمبر المجيدة هي الأزمة الاقتصادية التي ضربت أواخر عهد الرئيس “البشير” نتيجة السيطرة على عقولنا بواسطة الآلة الإعلامية المُوجّهة التي تتحدّث عن أنّ الثورة السودانية ثورة وعي وقد تمّت سواقة الجميع “بالخلا وركّبونا الكركابة”.
تقارير منظمات الأمم المتحدة ذات المصداقية تتحدّث عن نقص في الغذاء سيضرب العالم ومنطقة الشرق الأوسط، السودان وشمال أفريقيا خاصة على حافة “ثورات الجوع” والسبب في ذلك الحكومات المُستبدّة، وحكومة السودان الانتقالية المعطوبة لجأت للحلول السهلة وحمّلت المواطنين النتائج المترتبة على رفع الدعم عن السلع الغذائية الأساسية ورفع الدعم عن المحروقات! في مُحاولة لسد العجز الناتج عن رفع رواتب الموظفين ودفع فاتورة تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام! والانبطاح الحكومي لاشتراطات صندوق النقد الدولي ذات الآثار الاقتصادية والاجتماعية الخطرة على مُستقبل البلد وأمنه.
عامة، السّاسة لا يرون أن الثورات لا تقوم من أجل لقمة العيش في استخفاف بثورة الجياع، بعد الثورة المجيدة باتَ الخطاب الحكومي بائساً، وباتت الضغوط الاقتصادية ضاغطة والأوضاع مُزرية، من المفارقات العجيبة أنّ قِوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي لا يريدون احتجاجات شعبية تعبر عن قضايا المُواطنين الحياتية إلا وفق أجندتهم السياسية، فهم حتى الآن يرفضون بأن التظاهر يجب أن لا يكون بسبب الجوع، ثورة الجياع سيقودها سُكّان أطراف المُدن هم وحدهم المنكوبون بالحروب والمنكوون بنار ارتفاع قيمة السلع والشباب غير المؤدلجين أو المُنتمين لتنظيمات سياسية.
صحيفة الصيحة