منى أبوزيد تكتب : حدث دراماتيكي..!

“الدراما هي الحياة بعد إزالة الأحداث المملة”.. ألفريد هتشكوك..!

الفقر والثراء، والخير والشر – في معظم أحوال الدراما المصرية – متلازمات يصير المرء منها وإليها بتطرف دون أن يدخل المنطقة الرمادية الوسطى بين حدود الأبيض والِأسود. دموع البطلة تغرق الشاشة عندما تكتشف ثبوت تهمة التهرّب الضريبي على البطل، فينهار العالم وتتبدد الأحلام لأنّ شريك العمر مجرم خطير بحسب النهج الرسالي المتطرف الذي يتبناه المسلسل..!

ثلاثون حلقة من الشر المحض والرفض القاطع لزواج ابن الذوات من الجميلة، بنت الحارة، ثمّ تحوّل متطرف لمواقف الحماة الشريرة في الحلقة الأخيرة، ونهاية سعيدة تعاقب الثري الفاسد بالفقر أو السجن أو الموت، وتكافئ الفقير الشريف بتحقق أحلام الثراء..!

بينما واقع البشر يقول إنّ الخير والشر والفساد والفضيلة يمتزجان بنسب مختلفة داخل النفوس، وما ذلك التفاوت في سلوك البشر الخطائين إلا نتاج تلك الخلطة الواقعية. وليس صحيحاً أنّ حقيقة الإنسان إمّا خير محض أو شر محض، بل بعض من هذا وشيء من ذاك..!

هذا ما أراد أن يثبته الكاتب الإسباني خوان جويتيسولو “الكاتب الحر، الذي رفض قبل فترة جائزة القذافي العالمية للأدباء” حينما انتقد المسلسلات المصرية – على خلفية احتفائه بالثورة المصرية – واتهمها بتخدير ذكاء وحساسية الشعوب العربية، وتغذية خيال الفقراء والمتسولين بحلم الحياة الأفضل على حساب طبيعة الواقع..!

لكن التطرُّف الذي هو واقع الشعوب العربية – أبداً – ولسان حال معظم الشعوب العربية بعد اندلاع الثورات، قد يغري بقراءة ثانية لحكايات الدراما المصرية التي كانت متهمة ذات يوم بالمشاركة في الفساد، شأنها شأن كل ما كان ينتمي إلى النظام الأسبق في مصر..!

الرحالة ابن بطوطة عندما زار مصر قال إنّ العجلة فيها تدور وتدور، رغم استبداد العسكر وأنين الشعب “بها ما شئت من عالم وجاهل وجاد وهازل” أوليس هذا هو حال دراما أهلها؟. أحداث وتداعيات الثورة نفسها تقول إنّ شعب مصر هو الشعب الوحيد الذي يشبه مسلسلاته..!

هذا هو بالضبط مناخ الحلقات الأخيرة في مسلسل الثورة المصرية. تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك كان الحدث “الماستر سين” واعتقال أفراد أسرته على ذمة التحقيق كان أول مشهد في الحلقة الأخيرة التي انتهت إلى الحكم ببراءة كل المتهمين من جميع التهم وتحويلها بقدرة قادر إلى كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين حاكماً سابقاً كان أو محكوماً..!

أمّا نحن فيبدو أن شروط التماهي الدرامي مع حال مسلسلاتنا هو أكثر بُعداً واختلافاً وتعقيداً، ناهيك عن التماهي السياسي، لذا فنحن لا نزال – حكومةً قابضة ومعارضةً تائهة وشعباً ثائراً على الضِّدين – مستمرين بالتفرج على أحداث ومسلسلات مصر، متكئين على الأرائك، بانتظار جودو ما، أو “ود دكين” ما، أو لعلها “دهباية”. من يدري، الله وحده أعلم..!

صحيفة الصيحة

Exit mobile version