صدعنا بالحديث في الأيام الماضية من بعض المتحدثين، سيما من كان لهم ارتباط بحكومة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير السابقة، باعتبار أنها فرص ضاعت، وسار المتحدثون قدماً في إلقاء اللوم على القرارات التي اتخذها رئيس المكون العسكري في الحكومة؛ باعتباره المسؤول عن ضياع هذه الفرص التمويلية الضخمة، حد وصفهم، وأننا سوف نقع في أزمة مالية حادة بسببها، وكيفما كانت التوقعات والنتائج.
قام البعض بحساب المليارات من الدولارات (في الهواء) المجدوَلة من المؤسسات المالية الغربية التي أنشئت بعد اتفاقية بريتون وودز في الأربعينات من القرن الماضي، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من الصناديق والأندية المالية الممولة.
هذه الأموال في الحقيقة كانت مجرد (وعود بالتمويل) للحكومة، ولكن يتحكم الممول في البنود والكيفية التي سوف ينزل بها تمويله، بينها من اختار دعم منظمات المجتمع المدني، وآخرون للتدريب ورفع القدرات، وبعضها للغوث وغيرها، ولم تتقدم جهة بوضوح للدعم المباشر لموازنة الدولة السنوية وفق بنودها المعروفة مثل الفصل الأول أو بنود التسيير والتنمية وغيرها، فقد نأت في وعودها عن الدعم المباشر لخزينة الدولة، فوق أنه ظل مجرد وعد.
الحقيقة التي لن تبارح تاريخنا أننا وقت الحوجة الماسة، عندما كان يقف الشعب في صفوف الخبز والوقود والغاز وتقطع الكهرباء لأكثر من ست ساعات في اليوم، أجبرتنا حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عبر نواب في الكونغرس؛ يدعون اليوم أنهم منحازون لمصلحة الشعب السوداني ورفاهيته، قاموا بربط رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب (الامريكية) بدفع تعويض لأسر ضحايا هجمات لا يد للشعب السوداني من بعيد ولا قريب فيها، فدفعنا جزية وغرامة قدرها 335 مليون دولار كانت على الأقل سترفع موازنة الحكومة وتعالج بعض احتياجاتها الراهنة وتقلل، من جهة، من استدانة وزارة المالية من البنك المركزي حينها؛ حتى لا تزيد من معدلات التضخم وبالتالي تقلل القوة الشرائية لعملتنا الوطنية، على أي حال دفعنا ثمن حريتنا من دم قلبنا، والأنكأ والمرير أن الإجراءات المالية والتحويلات إلى السودان مباشرة مازالت غير سالكة، فدفعنا لهم (راح شمار في مرقة) والألفة العالمي لايمكن أن نشكوه لأي جهة.
لا يجب أن نعود مواطني بلادنا على الإغاثة او المساعدات المالية ونلطم خدودنا اذا ما تسبب أي قرار سياسي داخلي في تعطيله، فدولة تعتمد على الإعانات لن يكون لها أي قيمة في النظام العالمي، فالصين مثلاً قامت قيادتها الحديثة ممثلة في ديينغ شياو بينغ وغيره بتبني مشروع نهضوي، ووضع سياسات أخرجت الملايين من براثن الفقر وأدخلتهم لدائرة الإنتاج الصناعي والزراعي والتكنولوجيا، وأيضاً حكومة الإمارات ممثلة في الشيخ زايد قد صمم برامج في السابق انتشلت الآلاف من مزارعي النخيل العرب من دوائر الفقر، فانتظار الغوث والمساعدات سوف يبطئ عجلة الإنتاج، وبالتالي تتلاشي آمال التنمية والإعمار والتي تقوم بعدم تحقيق الاكتفاء، وتتم من فوائض أرباحنا، فاستغربت لقيادات ائتلافات وأحزاب سياسية يلعنون حظهم بفقدان البلاد للمساعدات ولا يكلفون أنفسهم بدعم مشروعات الإنتاج؛ بل لايملكون تصوراً لها كيف تتم عندما كانوا في السلطة.
إن الذي يريد مساعدة السودان؛ اعتقد عبر الشراكات الإنتاجية في القطاع الخاص أو الحكومي؛ القطاعات المنتجة المتعددة في الزراعة الحيوانية والنباتية والتعدين والطاقة الكهرباء والغاز والبترول وتطوير الموانئ والطرق والمطارات والانضمام للاتفاقيات الإقليمية بالتجارة الحرة أو عقد اتفاقات للتجارة الحرة وابتدارها مع الدول التي تنشط حركة التجارة بيننا وبينهم.
إن من يلعن حظه في فقدان مساعدات الغرب؛ عليه أن يسأل نفسه ماذا ابتدر من تسهيلات في وضع قوانين للاستثمار والصناعة والسعي لتوفير العمالة المحترفة بتدريبها وتأهيلها؛ وغيرها من إجراءات تقدم التحفيزات وتسهل الإجراءات؛ لتشجيع الاستثمارات المحلية بالعمل وتجذب الخارجية منها لسوقنا الداخلي؟ على الأقل هذا دور الحكومة التي يجب أن تندب حظها إذا قطع لها الطريق من تنفيذ برامج مثل هذه.
على هؤلاء أن يخبرونا؛ أي مساعدات قدمتها هذه المؤسسات المالية الغربية وقامت بتطوير دولة أو ساعدتها على النهضة ؟ أستطيع من خلال تتبعي لها أن أقول إن كل أو أغلب تجاربها كانت فاشلة تماماً ، لأنها بدلاً أن تساعد البلدان المفقرة بسياساتها؛ الغير متكافئة قامت في دولها بتوسيع شقة الفوارق بين طبقات مواطنيها فانظر للفوارق في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا بين الطبقات التي تتباعد كل ما أصبح صباح، وبالمقابل انظر إلى دولة مثل الصين والإمارات والسعودية كيف قاموا بانتشال الملايين والآلاف من مواطنيهم من دوائر الفقر إلى مرحلة الرفاه! فاتباع طريق الناجحين أفضل لنا من بأي حال، وعلينا الصبر وتعليم مواطنينا الصبر على أي مشروع نقوم به من أجل الإصلاحات الاقتصادية وإزالة التشوهات، والصبر على نقل مجتمعاتنا من نمط الاقتصاد التقليدي إلى الحديث، وبالتالي سياسياً سوف لن تسمح بمصادرة القرار الوطني لصالح أي جهة، حينها سيكون العلاقة والتعامل معنا بندية في المجال الدولي والإقليمي، وهذا ليس بمشروع صعب غير أنه ضروري، فطلب المساعدات أو انتظارها سوف يضعف موقفنا ويجلب لنا المن والأذى.
الدار البيضاء
31 مارس 2022م
صحيفة اليوم التالي