تمر البلاد هذه الأيام بأزمة خانقة، اختلف المختصون في توصيفها، فبعضهم ما زال يرى أنه بالإمكان التوافق والخروج من حالة الانسداد السياسي التي حلت منذ 25 أكتوبر 2021م بعد انفراد المكون العسكري بالحكم وتسببت في أزمات أمنية واقتصادية حادة، وهؤلاء يعولون على المبادرات والتسويات الداخلية والخارجية وبحسب بعض السياسيين يشهد ملف السودان هذه الأيام حراكاً خارجياً وداخلياً كبيراً ربما يفضي إلى اتفاق جديد بضمانات تعيد الثقة بين المكونين المدني والعسكري، الا أن سياسيين آخرين يستبعدون هذه التوقعات على خلفية أن ما يدور داخلياً وخارجياً لم يستوعب لجان المقاومة التي ظلت في تجديد دائم لدعوة الخروج للشارع وفرض خياراته على الحاكمين ويرون أن هذه الأزمة تشبه لحد كبير ما حدث في عام 2019 في مثل هذه الأيام وتوقعوا أن تنتهي بنتيجة مفصلية قد تؤدي إلى تغيير كبير إذا لم تتعامل معها القيادات الحاكمة بوعي سياسي واقتصادي وأمني يتناسب مع حجم الأزمة، خاصة أن هذه الدعوات تتزامن مع ضائقة اقتصادية كبيرة أثرت بشكل مباشر وواضع على معاش المواطنين وجعلتهم ناغمين من كل الفاعلين في الساحة.
وفي هذا الصدد يقول أحد المراقببن للشأن فضل عدم ذكر اسمه: من يظن أن الأمور ستمضي دون تغيير وإعادة ترتيب سيكون ظنه مخطئاً وغير مطابق للواقع، مشيرا إلى أن أخطر ما في هذا المشهد أن المنظومة الأمنية تتعرض لانتقادات وتحديات على خلفية ما يحدث للمتظاهرين من مظاهر عنف.
نصح وإجراءات:
ما تشهده البلاد هذه أيام من تصعيد شعبي كبير احتجاجاً على غلاء المعيشة وارتفاع أسعار معظم السلع الضرورية، بسبب عوامل داخلية تمثلت في عدم اتفاق القادة السياسيين على حكومة انتقالية تكمل الفترة المحددة وخارجية بسبب إفرازات الحرب الأوكرانية – الروسية، دفع بعض المختصين الى إرسال رسائل مناصحة للفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي عبر وسائل التواصل الاجتماعي طالبوه فيها إلى إدرك البلد قبل فوات الأوان وفي السياق كتب اللواء معز عتباني في صفحته بالفيس في يوم زيارة البرهان للسعودية قائلاً: الأخ البرهان هل وصلت من الرياض أم ليس بعد؛ وعموماً لما ترجع ما تمشى بيتكم، اجمع الأمن والمباحث والمخابرات وشوف البخطط لدمار البلد منو والله ما تجمع حواليك الأقوياء والوطنيين في يومين بس وتعرف البتخطط للبلد دي شنو ما تلم فيها تاني، البلد واقفة ليها يومين والدولار يزيد كل خمس دقائق، ومواد رمضان والله الأثرياء ما يقدروا يشتروها، خلي المساكين الموظفين والعمال والمعلمين والعسكر والضباط أنا بحذرك وبناشدك البلد حتولع في غضون عشرة أيام، لو ما لحقتها وبعدين لما الفأس يقع في الرأس، أوعك تقول اللواء ما نصحني..
وكان رئيس المجلس السيادي الفريق ركن عبد الفتاح البرهان قد زار الأسبوع الماضي يوغندا والسعودية وتوقف في طريق عودته من يوغندا في جوبا عاصمة حكومة الجنوب وتساءل حينها المحللون عن أغراض الزيارتين وفي هذا التوقيت الدقيق، لكن بدا واضحاً أن أجندت الزيارات تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية وربما الأمنية المتفاقمة بالبلاد ويؤكد ذلك ما نشر في بعض المواقع الإخبارية حول دعم سعودي للسودان، أدى إلى تراجع الدولار أمام الجنيه السوداني، كما أن بنك السودان المركزي اتخذ إجراءات، أسهمت في تراجع الدولار أمام الجنيه السوداني.
تسويات ومبادرات
وفي خضم هذه الأزمات المعقدة التي تعيشها البلاد كثر الحديث عن وجود تسوية تقوم بها دول إقليمية ولم يستبعد سياسيون أن يكون اللقاء الثلاثي الذي عقد الأسبوع الماضي بمدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية الذي ضم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد والإسرائيلي قد تناول قضية السودان والبحث عن تسوية جديدة في إطار السعي لوجود حل سياسي.
وكما أن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان كان قد تطرق في حوار أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط خلال زيارته للسعودية للأزمة السياسية السودانية وقال بحسب الصحيفة: ليس أمام القوى السياسية خيارات كثيرة للحلول، إما نتوافق أو ننتظر حتى انطلاق الانتخابات، وأضاف: متى ما جلست القوى السياسية معاً ووصلت الى تفاهم وتوافق بينها، حينها سنعلن استعدادنا للجلوس والتفاهم ونقدم كل ما يعينها من قبل المكون العسكري، مبيناً أن مقترح الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أكثر مقبولية لكثير من شرائح المجتمع السوداني، ما يعني أنه يمكن الاجتماع حولها والدفع بها نحو رؤية شاملة للأزمة، وتتزامن هذه التصريحات مع حديث عن تسويات وتفعيل للمبادرة المشتركة الموحدة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي تعمل داخلياً في ذات الإطار، إضافة إلى أخبار غير رسمية تحدثت عن سفر شخصيات حزبية الى كل من الإمارات ومصر لإنجاح هذه التسويات، بينما ظلت قيادات هذه الأحزاب تنفي سفر منسوبيها وبين النفي والإثبات يبقى السؤال: هل تملك المبادرات والتسويات الجارية داخلياً وخارجياً مفاتيح حل الأزمة السودانية أم إن الأزمة تمضي نحو الانفجار وهل توجد مبادرات وتسويات فاعلة أم إن الأمر ما زال يقف عند محطة إطلاقها دون المضي نحو خطوات عملية تبدأ بطرح الرؤى وتشرع في طرح التفاصيل لابتدار النقاش حولها؟..
كلام عام :
من جانبه أكد الصحفي المعروف رئيس تحرير صحيفة الأيام محجوب محمد صالح لـ(اليوم التالي) أن الوضع ما زال على تعقيده، ويقول: لم نر مبادرات فيها مقترحات محددة، وما يدور فيه قدر كبير من الكلام العام حول الوفاق الوطني ويعتقد محجوب أن هذا لن يقود إلى تقدم، ويضيف أن الموجود مجرد حث للذات للوصول لوفاق، ولفت محجوب كمثال إلى أن مبادرة السيد محمد عثمان الميرغني التي أطلقها الأسبوع المنصرم ليس فيها مشروع مقدم أو نقاط محددة يدعو فيها أطراف الأزمة للتنازل، ويرى أن المبادرة لا بد أن تحتوي على تفاصيل يتناقش الناس حولها ويبدون آراءهم، ويؤكد عدم وجود مبادرة الآن تحتوي على أشياء محددة من أي طرف من الأطراف، مبيناً أن كلهم يريدون حمل الأطراف للوصول لوفاق ويهربون من تقديم مقترح محدد، واعتبر أن الأطراف الإقليمية والدولية تتحرك حسب مصالحها عندما يكون الموقف الداخلي ضعيفاً، ولكن لا يمكن أن يكون الحل حسب رغبات الآخرين، ونوه الى أن القتل والانفلات الأمني وارتفاع الأسعار يتأثر منه السودان والآن الأسعار والوضع السياسي والمقاومة في تصعيد وإذا تركناه يتصاعد سنصل لمرحلة الانفجار.
حالة ارتباك:
القيادي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بشرى الصائم يرى أن البلد في حالة ارتباك ويضيف: الكل مرتبك العسكريون والمدنيون، ولا أحد يريد اتخاذ خطوة وعاجزين عن الحل، وتساءل: لا أدري ماذا ينتظرون بعد أن أكدت المبادرات الخارجية أن الحل لا بد أن يأتي من السودانيين أنفسهم، وأشار في حديثه لـ(اليوم التالي) الى أن تفاقم الأزمة الاقتصادية أدى إلى تعقيد المشكلة وزيادة المشهد إرباكاً، والكل عاجز أيضاً عن حلها، ولفت إلى عدم انشغال الشعب بمن يحكم بقدر ما أصبح مشغولاً بالأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، ولم يستبعد الصائم أن يؤدي هذا الوضع الى انقلاب أو انهيار الدولة، لكنه عاد ورجح حدوث الانهيار على ضوء تعقيدات الموقف، وأبدى بشرى عدم تفاؤله بمحاولات التوفيق بين العسكريين والمدنيين وقال: حتى إذا نجحت ستواجه بالأزمات الحقيقية السياسية والاقتصادية، وأكد الصائم وجود حراك بين الخرطوم والقاهرة والإمارات يسعى لعمل تسوية، إضافة المبادرة الموحدة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وبحسب الصائم أن هذه المساعي ستصطدم بالأزمة الاقتصادية والسياسية ممثلة في رفض الشارع لهذه التسويات.
إعادت ثقة:
فيما يعتقد رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي محمد المهدي أن مبادرة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي تدل على أن السودانيين وصلوا الى مرحلة البحث عن مخرج، وأصدقاء السودان مشفقون على الواقع السوداني لذلك يتحركون في العالم والإقليم للوصول لتسوية تخرج البلاد من الأزمة التي تسبب فيها الانقلاب العسكري، وهذا دليل إحساس الناس بخطورة الموقف وضرورة البحث عن مخرج، لكنه أشار إلى وجود إشكالية تتعلق بموضوع الثقة بين المكونيين المدني والعسكري على خلفية أن الطرف الذي يحمل القوة انقلب على الطرف المدني، وشدد المهدي في إفادته لـ(اليوم التالي) على ضرورة وجود تعهدات من الطرف الآخر وطرف ثالث يكون بمثابة مسهل وضامن لما يتفقون عليه وأضاف: لذلك جاءت أهمية العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهما ينشطان في الوصول لاتفاق ينهي الأزمة ويستأنف الفترة الانتقالية.. وأبدى رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة تفاؤله في وصولها الى نهايات قريباً تنهي الأزمة وتمكن السودانيين من مواصلة الفترة الانتقالية، إذا خلصت النوايا، مذكراً بأن حزب الأمة القومي طرح مشروعاً هو الأكثر جدية وإحاطة والتقى كل الأطراف وسلمهم المشروع ومبعوث الأمم المتحدة في السودان استصحب رؤية حزب الأمة، واختتم حديثه بقوله: نحن نفضل الحل السوداني – السوداني ومرحب بمساعدات أصدقائنا في الإقليم والعالم.
التدخلات الخارجية وفرص الحل:
القيادي بقوى الحرية والتغيير عضو التجمع الاتحادي أحمد حضرة يقول لـ(اليوم التالي): لا يمكن أن ننكر التدخلات الخارجية في الوضع المتأزم الآن بالبلد، ويعتبر أن المعنيين والضالعين في هذه الملفات لاستيراد الحلول الخارجية هم العسكر الانقلابيين وليس القوى السياسية وجزم حضرة بأنها لن تكون الحلول المرضية التي يقبل بها الشارع الثوري الرافض للانقلابيين وللتدخلات الخارجية السافرة.
ويرى عضو التجمع المعارض أن الحل قد يكون موجوداً وإن بدا الوضع متأزماً بدرجة كبيرة؛ لكن لابد أن يكون بإرادة وموافقة الشعب بالكامل لن تفرض حلول إجبارية إطلاقاً داعمة لبقاء الانقلاب واستمرار مصالح منسوبي النظام السابق.
وقطع بعدم سفر أي وفد من الحرية والتغيير للخارج، وإنما التقت القوى بالمبعوثين الذين حضروا للبلاد وقدمت رؤيتها، وأبدى أسفه لضيق فرص الحلول والبلاد تقترب من ذكرى الثورة العظيمة التي غدر بها الانقلابيون وأدخلوا البلاد في هذا النفق المظلم.
التسويات مرفوضة:
المحلل السياسي دكتورة تماضر الطيب ترى أن حل الأزمة السياسية يكمن في عودة العسكر للثكنات خاصة بعد فشلهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتحقيق السلام، ودعت تماضر الى خروج العسكر نهائياً من المشهد السياسي، وتفرغهم لأدوارهم المتعلقة بالحماية وتأمين الحدود، وأشارت إلى أن مسألة التسويات أصبحت مرفوضة من قبل الشارع لذلك من الصعب فرضها عن طريق الجلوس مع المؤسسة العسكرية، وتوقعت أن تمضي الأمور نحو تحقيق أهداف الثورة عبر اللاءات الثلاث.
الخرطوم: فاطمة مبارك
صحيفة اليوم التالي