بالامس اثناء محاضرة عن بيئة الجريمة سالني احدهم مازحا كم تتوقع عدد القتلى في المظاهرات القادمة ؟! يقصد مظاهرات السادس من ابريل المزمع قيامها بعد ثلاثة ايام ولم اخذ سؤاله ماخذ الجد فاجبته غير ابه
ربما من خمس الى عشرة غير المصابين
ضحكنا سويا وتجاهلنا السؤال والاجابة وانا كالعادة لا اهتم بمشاهد المسرح العبثي
لكن الحديث لفت نظري الى موضوع معقد ومن التابوهات المحرم الخوض فيها على الاقل في السودان لانه في بلاد اخرى جرى نخله و غربلته بشجاعة وهو موضوع الموت في المظاهرات والسؤال الذي يفرد له علم الجريمة مساحة من النقاش في كل الدوائر المهنية “من الذي يغتال المتظاهرين داخل الحشود “؟؟
الا اريد ان اطرح في هذا المقال انطباعا شخصيا او سياسيا بل اتحامل على نفسي الى اقصى درجة لكي اكون موضوعيا ومهنيا وعلى ضوء معرفتي الاكاديمية وخبرتي في مجال علم الجريمة criminology التي نلتها كفاحا وقصدي من هذه الرسالة ان انبه المجتمع والاطراف حكومة ومعارضة ان هناك طرف بين ظهرانيهم يمارس لعبة (الروليت الروسي )ويقتل بصورة عشوائية وبدم بارد واحيانا باستهداف ضحايا لمواصفات معينة يستغلها في الترويج السياسي كل ذلك تحت دخان المظاهرات ولافتات عنف الشرطة ورميها بتهم القتل بالحق او الباطل فكل شي وارد
بكل اسف الدولة عاجزة عن امساك الخيط فهي لا تدري والمعارضة تتعامي عن لغز الموت مصوبة الاتهام نحو الحكومة وكذلك رجل الشارع غير مدرك للطبيعة السوداء في هذا القتل المركب وكل شيء وارد
خلوني اديكم لمحة تاريخية عشان تفكروا في ماهو ممكن وما هو غير ممكن
في المظاهرات في بولندا ورومانيا قبيل سقوط الانظمة الشيوعية وفي المانيا الشرقية قبل سقوط حائط برلين اكتشفت السلطات بعد زمن ان معظم الذين قتلوا في المظاهرات لم تقتلهم الشرطة ولكن قتلوا داخل المظاهرات وبايادي متظاهرين بقصد التهييج وسمي ذلك (اثر الفراشة) الذي ابتدعه عالم الرياضيات اداورد نورتون حيث يحدث الاثر الصغير نتائج مدوية تغير اتجاه الاحداث
السياسيين الانتهازيين قساة القلوب استخدموا هذه الدالة في شغب السياسة من اجل الوصول الى كرسي السلطة وهم يمشون فوق الجثث ليصلوا الى طريق السلطة المسدود وينشدون الاناشيد الثورية في جنازة القتيل
صرح جورج اسكيرز وهو من تولى رئاسة البوليس الالماني الموحد بعد سقوط جدار برلين ١٩٨٩ ان حالات التشريح وشهود العيان وبعض الافادات والاعترافات اثبتت ان ٨٥٪ من حالات القتل في المظاهرات تمت بايادي متظاهرين بشكل منهجي لتصعيد المشاعر العامة ضد السلطة الحاكمة وتم الحصول على اعترافات من مجموعات منظمة يحملون رايات تحمل اسماء عنيفة وموحية بالقتل والعنف مثل (جنود الموت ) soldiers of death و (ملوك الاشتباك) kings of combat وغيرها من رسائل التحريض النفسية التي تشعل رغبة القتل والعنف في نفوس المراهقين والصغار
الغريبة نفس تلك اللافتات بحملها الشباب في شوارع الخرطوم و لايدري احد من الذي جلب الفكرة الى السودان ورتبها بهذا الشكل
قال اسكيرز ((حتى لو كان لذلك اثر سياسي ايجابي او سالب فانه عمل غير اخلاقي وغير انساني وجريمة قتل ))
استخدمت هذه الحيلة السوداء في مناطق كثيرة من العالم.. والسودان ليس استثناء لكن لغرابة الفكرة فان العوام في السودان لايصدقونها وبعض المتعلمين يغضون الطرف عنها (مادام ستسقط الحكومة) ولطيبة السودانيين وعدم لجوئهم تاريخيا للادوات السياسية الفظيعة كالقتل و القتل المضاد لن يصدق رجل الشارع ان متظاهرا يمكن ان يقتل متظاهراً اخر لتنتعش المواكب لكن النقلة السايكوبوليتكال (النفسيسياسية) و المتحورات السلوكية والمتغيرات في عقلية الكثير من الشباب التي احدثتها دعوات الكراهية والحض على العنف ودوس الاخرين وبعض الاعمال المألوفة من العنف والقتل في تواريخ بعض الاحزاب بشكل عام غيرت تركيبة الصراع السياسي في السودان وجلبت ادوات جديدة بعد ثورة ديسمبر ونشرت خطاب الكراهية والبغضاء والموت للاخر حتى تحول القتل الى مشروع منهجي يُكتب في الاشعار ويصفق له الصغار وحصل تطبيع للقتل السياسي المتسلسل serial political killing
فلقد استمع الجميع لامراة بقوة عين في تسجيل مصور وهي تقول انه “( بصراحة ياجماعة المواكب محتاجة دم وبدون دم المواكب ماعندها معنى)”وكلامها ليس مبتورا لكنه ورد اصلا في سياق تفكير سياسي براجماتي ازدهرت اسواقه السوداء وتجارته السرية هذي الايام
حدثني احد القريبين من هذه المراة الغريبة انها سربت الفكرة التي تداولها كثيرون في اجتماع في منزل في امدرمان في حي بانت ناقشوا هذه الفرضية رغم اعتراض بعض العاقلين في ذلك الاجتماع لكن يبدو ان المشروع خرج عن السيطرة والتقطته ايادي اخرى رغم التكتم غير ان المراة اياها لم تكتم السر لسبب غير معلوم !!!
والذي يعتقد من الحكومة او المعارضة ان كل الذين ماتوا في المظاهرات قتلهم طرف ثالث هو ساذج والذي يعتقد ان الشرطة هي القاتل الحصري هو اكثر سذاجة و يساهم في هذه التصفيات المزدوجة بالنكران في الحالة الاولى وبالتعامي في الحالة الثانية مما يتيح لعصابة القتل الاستمرار في حصاد الارواح وزيادة اعداد الموتى وسترون ذلك قريبا
لقد وصل هوس العنف الى درجة ان يقبل صبي على قتل عقيد في الشرطة و يقوم اخرون من الصبية بسحل عسكري وجره وقتله في الشارع العام وهو يهتفون (اكتلوا العفن )!! هذا لايحدث في اي دولة في العالم فالشرطي حصانة العنف المشروع في معظم الحالات واضعاف ارادة الشرطي في الدفاع عن نفسه وتقديره الحالة الظرفية اضعاف للامن المجتمعي كله وخطر عليكم جميعا بغض النظر عن الملابسات والتطورات السياسية في البلاد
القاعدة الامنية في العالم انه اي شخص يرفع حجر ليضرب به شرطي يطلق عليه الشرطي النار دون ان يتلفت يمنة او يسرة الامريكان يطبقوها بحذافيرها لاقل سبب فحياة الشرطي مهمة لحياة المجتمع
احصاءات الواشنطن بوست في فترة بعينها بلغت فيها حوادث القتل بواسطة الشرطة الف قتيل اما البريطانيون فحدث ولاحرج يكن مراجعة الاحصاءات في مصادرها فلو البوليس توجس من اي شخص رأى انه انه يهدد حياته او حياة غيره يطلق عليه الرصاص لا يبالي
الحجر ممكن ان يقتل ويهشم الراس ممكن ان يعمل نزيف وارتجاج في المخ وهو في علم الجريمة (اداة قاتلة) ولا توجد مظاهرات سلمية في العالم يحمل فيه المتظاهرون حجارة وسكاكين ويحملون انواع من قنابل الغاز !!! ويحطمون الشوارع اعرف ان هذا الكلام ممنوع في الوقت الراهن بسبب التفكير القطيعي والتأليب الذي سيرتد علينا جميعا لكن على العقل الجمعي ان يتحرر من هذا الخوف ويخرج من هذا النفق الى مرحلة عقلانية يرى فيها هذه الاشياء بوضوح اكثر من اجل سلامته واستقراره لا من اجل وصل زيد او عبيد لكراسي الحكم الدوارة والتي يجلس عليها احد اكثر مما كتب له في اللوح المحفوظ
اخيرا
لا احتاج ان اعيد السؤال المازح الذي ابتدرت بها هذا الرسالة لكن اذا اغمضنا اعيننا حكومة او معارضة فهنالك طرف ثالث يستثمر هذا التغافل و سيكون في قلب هذه المظاهرات ليرفع وتيرة الموت خاصة بعد التهويش والتحشيد للمظاهرات القادمة والتي يعتقد انها الفرصة الاخيرة ليرمي فيها بكل اوراق القتل مما يضاعف عدد القتلي ظانا انها الوسيلة السودانية الوحيدة لاسقاط نظام هش
كما قالت زرقاء اليمامة ارى شجرا يسير فانا ارى الموتى اماني يتساقطون
وستبدي لك الايام ماكنت جاهلا
الهاشمي الفاضل
استاذ علم الجريمة
كراتشي ٣- ابريل ٢٠٢٢
اللهم أنعم على بلدنا السودان في هذا الشهر الكريم بالامن والأمان والرخاء والاستقرار ويكفينا شر البلاء وإلغلاء والوباء