نعم د. جبريل ابراهيم مستهدف: أكثر من مدخل

(1) هذه حالة معتادة، إصدار وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي بيانات لنفي إشاعات وما يقال عنه تسريبات تستهدف د. جبريل إبراهيم وزير المالية (رئيس حركة العدل والمساواة)، وآخر بيان وزارة المالية أمس السبت ٢ أبريل ٢٠٢٢م حول شراء القمح وحديثها عما أسمته (حملات ممنهجة ورخيصة)..

وبالتأكيد هناك أكثر من سبب لإستهداف د. جبريل:
وأولها وأهمها – في رأي – هو نقل حركة مسلحة إلى منظومة سياسية وحزب واسع ومؤثر في الساحة، وهذا فوق كونه يؤكد إيجابية إتفاق جوبا للسلام (أكتوبر ٢٠٢٠م)، فإنه سحب للبساط من حركات مسلحة أخرى، أصبحت مظلة لقوي سياسية بالداخل ، تحرس مشروعات هذه القوى بالسلاح وتسعى لتحقيق أجندتها بشروط إذعان تفاوضية تحت راية (القضايا الوطنية)، وهذا جانب يحظي بدعم خلايا داخلية ومجموعات ضغط خارجية وصلات خارجية متشعبة وواسعة.. ومع سعيهم لإفشال الإتفاق بكلياته، فإن إستهداف جزء ورمز منه بالحريق غاية وهدف .. وإن لم يتحقق ذلك فالإكتفاء ببث التيئس والإحباط من إتفاقات السلام وإبقاء حمل السلاح خياراَ قائماً..

والسبب الثاني : هو ما تمثله شخصية د. جبريل إبراهيم، فهو إسلامي، وترأس يوماً ما إتحاد الطلاب المسلمين بجامعة ميجي بطوكيو اليابان أثناء تحضيره للدراسات العليا، وهو ابن هامش ولد بقرية الطينة شمال دارفور ودرس بالفاشر ودخل جامعة الخرطوم، وغالب قوي اليسار السودانية تظن ان مثل هذه المناصب حكر لمجموعات نخبة الخرطوم ٢ وامدرمان القديمة وبحري، ومع كل إدعاءات البروليتاريا، فإن هذه القوى ذات طبيعية إقصائية وإنكفائية.. ولذلك فإن هذه الخلايا تنشط لإستهداف د. جبريل ممثلاً لهذه الخيارات..

والسبب الثالث هو الراهن السياسي، ومع غياب شخصية ذات بروز بعد قرارات البرهان إزاحة بعض اطراف قوي الحرية والتغيير من السلطة التنفيذية في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، ومع ان أكثر من تيار سياسي وظف قدراته السياسية لإسقاط تلك الحكومة ومن ابرزهم الحزب الشيوعي الذي أعلن صراحة سعيه لإسقاط تلك الحكومة الفاشلة والظالمة، إلا صرفها بقرار من قائد الجيش فتح باباً آخرا..

وهذا هو السبب الرابع، وهو إضعاف المؤسسة العسكرية ومحاربة خياراتها ، ففي إضعافها تقوية لحركات مسلحة ، وفى إضعافها نسف لإستقرار البلاد وأمنها ووحدتها، وقوة قرارها، وبعض خيارات قوي الداخل وأجندة الخارج تصر علي مشروعها الفكري والسياسي ولو أدى لتفتيت البلاد (طوبة طوبة) أو كما قالوا..

(2)
والحقيقة ان الحملة ضد د. جبريل إبراهيم لم تنطلق من فراغ، بل تأسست على قاعدة من نقاط ضعف في مواقف حركته السياسية وفي قراراته التنفيذية، وأحاول ان أشير لبعضها في أكثر من إشارة :

أولاً : لم تطرح حركة العدل والمساواة برنامجاً سياسياً خاصاً بها، وكنت قد انتقدت بداية تولي د. جبريل وزارة المالية موافقته على قرار تعويم الجنيه السوداني في فبراير ٢٠٢١م، وقلت ان الحركة بإعتبارها محسوبة على التيار الإسلامي وذات قاعدة من الهامش سايرت د. حمدوك في تلك القرارات مع ان تلك السياسة خصم على المواطن والفئات الضعيفة..
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل ساير الفريق أول عبدالفتاح البرهان في قراراته أكتوبر ٢٠٢١م، دون أن يكون له رأي واضح ومسنود بالحجج والبراهين، وانحصرت ادواره في محطة الوساطة من دار لآخر..

ولعل صمت الحركة من تعسف مجموعة قوى الحرية والتغيير وتوظيف السلطة في البطش والظلم والتمكين ، خصم كثيراً من رصيدها بإعتبارها ساعية وباحثة عن العدل والمساواة..
ومن الإشارات المهمة، إفتقار الحركة للحساسية السياسية، وإلتقاط السوانح، فقد سكتت الحركة أمام حملة كبرى أستهدفت قضايا الدين والتشريع، ولم تتقدم بطرح رأيها بوضوح، ولعل من المناسب هنا، أن (الوجدان الإيماني الشعبي) أكبر من أي قوي سياسية، وقد ظلت قوي اليسار تزدري هذا الشعور التديني على اساس ان ذلك دعم للحركة الإسلامية وهذا خطأ في الحسابات والقراءة الموضوعية وشواهد التاريخ والتجارب ، صحيح للحركة الإسلامية قدرة على إدارة هذا المكون الشعبي، ولكنها جزء من دائرة واسعة، لقد بدأ د. جبريل اول ايام عودته للبلاد في الإقتراب من تلك الدائرة دون إختراق واضح..

َوإنطلاقاً من هذه النقطة، نأتي على الإشارة الأخيرة، وهو إنفتاح حركة العدل والمساواة كحزب سياسي ، على المجتمع السوداني وقطاعاته وفئاته وقضاياه.. لقد قنعت بغنيمة المشاركة السياسية.. أو على الأقل هذا الراهن..

(3)
فرطت حركة العدل والمساواة في عدة فرص سياسية:
وأولها : إبداء الإنحياز لقضايا الشارع في أمر المعاش وقضايا الهوية الدينية والوطنية، بما لا يحتمل التأويلات البعيدة أو مواقف الضبابية..

وثانيها: بناء تحالفات وطنية وحشد مجموعة إتفاق جوبا للسلام ومجموعات ذات تأثير في الساحة السياسية والوطنية وقوي الرفض المناطقية وتبني قضاياهم العادلة وطرح مشروع وطني متكامل..

وثالثها: توظيف قدرات الحركة و أجهزتها في بندين: وسائط التواصل الاجتماعي ومجموعات الضغط الخارجية من منظمات وجماعات، الأولى لتأسيس وبناء صورة ذهنية عن اطروحات الحركة والجانب الثاني لدعم إتفاق السلام والإستقرار فى السودان..

لقد تميزت حركة العدل والمساواة في السابق بوضوح خطها السياسي وخطابها وبرنامجها، وهو أمر تضاءل مع حالة الإنتقال من حركة مسلحة إلى حزب سياسي، وإن لم تتدارك ذلك فإن بيانات وزارة المالية لن تزيل حالة الإلتباس أو غاشيات الإستهداف..

نقول ذلك، لإن حالة د. جبريل إبراهيم، هي نسخة مكررة من حملات الإستهداف لشخصيات وقادة ورموز دينية وسياسية ومجتمعية، سواء أتفقنا حولهم أو إختلفنا، فإن غاية البعض (تفتيت) و (تفكيك) السودان كوطن وأرض وإختطاف المشهد السياسي السوداني..

د. إبراهيم الصديق على
٣ أبريل ٢٠٢٢م..

Exit mobile version