د. زهير السراج
وضح بما لا يدع مجالا للشك أن السلطة الانقلابية فشلت فشلا ذريعا فى ادارة شؤون الدولة وهى فى حيرة من امرها ماذا تفعل، والاجابة باختصار هى ان تعلن باسرع ما يتيسر تنحيها عن الحكم قبل ان يحدث الانهيار الكامل ويكون طريق العودة قد اغلق تماما أمامهم. الحل الوحيد أن يعلنوا انهم اخطأوا فى انقلابهم الذى يسمونه اجراءات تصحيحية، ولم نر فيها تصحيحا واحدا بل خرابا مستمرا منذ تاريخ الانقلاب المشؤوم فى 25 اكتوبر 2021 الذى عاد بالسودان الى الوراء واعاد عزله عن المجتمع الدولى، وتوالت عليه المحن بدءا من ايقاف المنح والمساعدات والقروض، ثم فرض عقوبات على شخصيات اعتبارية فى الدولة من بينها شرطة الاحتياطى المركزى والسلسلة مستمرة.
كما وضح ان الشعب مُصر اصرارا لا يتزعزع على نضاله من اجل اقتلاع السلطة الانقلابية والرمى بها فى مزبلة التاريخ، ويكفى دليلا على ذلك يوما امس واول امس اللذان صارت فيهما الخرطوم ومدن السودان بكاملها فى قبضة الثوار والمتاريس، دعك مما سبق من مليونيات ومواكب حاشدة ونضالات تُكتب بمداد من ذهب وتُعلَّق على كعبة التاريخ، واليوم مليونية اخرى وبعد الغد مليونية وكل يوم مليونية الى ان يسقط الانقلابيون، لا روسيا ستنقذهم ولا مثلث الشر العربى الذى بدا يبحث فى خيارات اخرى غيرهم وكأن السودان دولة تابعة له، وهو يعلم تمام العلم ولكنه يتغابى، بان الشعب السودانى ليس كاى شعب اخر من شعوب المنطقة يمكن ان يتنازل عن ثورته وحريته وكرامته ولو وضعوا الشمس على يمينه والقمر على يساره، دعك من تسليط الانقلابيين عليه لاستخدام القمع والقوة المفرطة وادوات القتل لارهابه وتخويفه حتى يتنازل عن مطالبه.
لا تنازل ولا تفاوض ولا شراكة. هذا هو الشعار المرفوع، ومن الافضل للانقلابيين وسادتهم واذنابهم ان يفهموه ويعلموا ان الشعب لن يتنازل عنه، بل سيُنزله على ارض الواقع كل يوم فى ميادين وشوارع واحياء الخرطوم وكل مدن واحياء السودان الاخرى حتى يسقط الانقلابيون، او يسلموا السلطة لاهلها ويستعدوا للمحاسبة عن الجرائم والاخطاء التى ارتكبوها، بدءا من مذبحة فض الاعتصام مرورا بالانقلاب على الثورة، وانتهاءا بكل نفس ازهقوها وكل اسرة قتلوها بالاسى والحزن، وكل متظاهر مسالم اصابوه بالاذى، وكل مواطن برئ اودعوه السجون والمعتقلات بدون ذنب، فضلا عن الاخطاء والخطايا والمفاسد والانتهاكات الاخرى.
لقد تساءلت من قبل، وأتـساءل مرة اخرى .. ماذا يريد العسكر منا، ولماذا يصرون على ان يكونوا هم دائما الحكام واصحاب اليد العليا علينا، يتحكمون فينا ويفعلون بنا ما يريدون ويضعون كل خيرات البلاد تحت ارادتهم وفى جيوبهم، ليظل السودان بلد فقيرا بائسا يتكفف الدول والسلاطين اعطوه او منعوه، بينما وهبه الله من الثروات ما يمكن ان يجعله اغنى الاغنياء، ويكفى دليلا على ذلك الاراضى الخصبة الشاسعة والثروة الحيوانية الضخمة والانهار العذبة التى يحسدها عليه الكثيرون؟!
لماذا يجتهد العسكر منذ الاستقلال على وضعنا فى مؤخرة العالم، تمزقنا الحروب، يقتلنا الفقر وتحيط بنا الكوارث من كل جانب، ثم يتهموننا بعد كل ذلك بالخيانة والعمالة، فمن هو الخائن والعميل، الذى يُفقرها ويُمزقها ويقتل أهلها، ام انه المقتول والجائع والمظلوم؟!
من الذى يحتكر السلطة والثروة ويحرم منها الجميع، هل هم ابناء الشعب الذين يُقتلون كل يوم برصاص العسكر بدون اى جرم اقترفوه، ام العسكر الذين فرَّطوا فى اجزاء عزيزة من الوطن واضاعوا الجنوب، ووقفوا عاجزين عن استعادة حلايب ووضعوا ثروت السودان فى جيوبهم بدون ان يستفيد الوطن منها بشئ، بل يزداد كل يوم فقرا ومرضا ووجعا، بينما يرفل العسكر فى النعيم، وليتهم كانوا اقوياء يملكون قرارهم ويرفعون هاماتهم بين رؤساء العالم، ولكنهم للاسف أسود علينا وعلى الآخرين نعام!
اتركونا فى حالنا وعودوا الى ثكناتكم، دعونا ننقذ بلدنا من الهاوية التى سقط فيها بفضل عبقريتكم وغرامكم بالسلطة والتسلط والجبروت، وانقيادكم للخارج. كفانا هوانا وارتزاقا وجوعا وتخلفا وفقرا، نريد ان نبنى بلدنا ونعيش فيه احرارا مثل بقية احرار العالم، ولو بشق تمرة وحسوة ماء!
صحيفة التحرير