عندما يكون هناك شيئا ما أو أمرا ما معتل ومعلول، ويتم معالجة علته واعتلاله على حساب آخر هو أيضا معتل ومعلول بل أكثر اعتلالا، يقول السودانيون عن مثل هذه المعالجة المعطوبة (جبر دا في كسر دا)، وهذا ما فعلته حكومة الانقلاب لمعالجة موازنتها المعلولة والمعجزة بل الكسيحة، اذ عمدت لجبر ضرر موازنتها في كسر المواطن الذي هو أصلا مكسور ومدشدش وراقد سلطة، فحملته سداد العجز الكبير في موازنتها، بالزيادات المتتالية في أسعار الوقود والغاز والدواء والكهرباء، وما ترتب على ذلك من زيادات مستمرة في كل أسعار السلع والخدمات، فحين تلفت الانقلابيون يمنة ويسرى وحاروا في ايجاد موارد لموازنتهم الوهمية، بعد أن تسببوا بانقلابهم المشؤوم في حرمان البلاد من دعومات ومنح وقروض معتبرة، غير أن يهجموا على طريقة الهمباتة على جيب المواطن المسكين، فأصبح المواطن المسكين يستقبل على رأس كل ساعة سيل الزيادات المتدفق والمنهمر بلا توقف، لتحشو به الحكومة خزانتها الخاوية، فأورثته الشقاء والحالة (الشلش) و(التعب والأكل الكعب إن وجد) كما يقول الساخرون، وهذا وأيم الحق وضع مختل دينا ودنيا لا تجوز معه أية دعاوى متنطعة، تتذرع بسياسة التحرير الاقتصادي التي تقضي بأن ترفع الدولة يدها عن دعم الخدمات فتترك أمرها لآليات السوق، دون أي سند أو دعم اجتماعي يخفف ولو القليل من حمل المواطن الثقيل، فحتى برنامج (ثمرات) أطاحه الانقلاب.. ومن جشع الحكومة الانقلابية وطمعها أنها لم ترأف بالمواطنين بما يمكنها فعله ويخفف على الناس هونا ما، فالمعلوم أن ارتفاع أسعار الوقود بشقيه بنزين وجازولين، كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت وتؤدي الى الارتفاع المهول في أسعار كل السلع والخدمات، وكان كذلك سببا في صعود معدلات التضخم الى تلك النسب القياسية غير المسبوقة، ولو انخفضت أسعار الوقود باجراء معادلة حسابية توفق بين أسعار الوقود المنتج محليا رخيص التكلفة والوقود المستورد عالي التكلفة، وبالدارجي (عمل مشايلة)، فالمؤكد أن ذلك سيؤدي الى خفض الاسعار وبالتالي خفض التضخم، علما بأن مصفاة الجيلي تنتج النسبة الغالبة من احتياجات البلاد من البنزين ونسبة معقولة من الجازولين، ونصف احتياجات البلاد من الغاز، فاذا ما تم مثل هذا الاجراء مع تشديد الرقابة على منافذ التوزيع لمنع تسربه الى أيدي السماسرة وتجار الأزمات والمهربين، فالمؤكد أن هذا الاجراء سيعين على ضبط الأسعار وكبح انفلاتها بما يؤدي الي رفع قدر من المعاناة التي أثقلت كاهل المواطنين، ولا يعلم سوى الله علام الغيوب الى أي مدى ستستمر والى أية درجة ستتطور هذه الفواجع وإلى أي مآل ستدفع بحال الناس، ومما يحز كثيرا في النفس بما تؤكده وقائع عديدة مؤسفة ومحزنة تقف دليلاً دامغا على لا مبالاة الانقلابيين بتحسين حياة الناس والتخفيف عنهم، هو اندفاعهم المحموم في تطبيق سياسات رفع الدعم وتسليع الخدمات وحرصهم على (تأمين انقلابهم) بالصرف البذخي والسخي على أدوات القمع والقتل صرف من لا يخشى الفقر ولا يعنيه في شئ أمر الفقراء..
صحيفة الجريدة