موازنة السودان للعام المالي 2022م .. والسباحة عكس التيار

1- مدخل: بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، شهد الاقتصاد السوداني صدمات تضخمية غير مسبوقة خلال العامين الماضيين (2020م – 2021م)، حيث ارتفع متوسط معدل أسعار المستهلك (التضخم) من (50)% في عام 2019م إلى (360)% بنهاية عام 2021م، بعد أن وصل المعدل الشهري (423)% في يوليو من نفس العام، بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء الكورونا، استمرار تعثر عملية الانتقال السياسي، وتنفيذ إصلاحات مالية قاسية بالمقلوب كرفع الدعم وتوجيه العائد نحو الصرف الجاري بدلاً من التنموي كما سنرى لاحقاً، والفشل في تحريك القطاعات الإنتاجية، ارتفاع معدلات التضخم أثر سلباً على أداء الاقتصاد الكلي بتقليصه معدل النمو الحقيقي (نسبة زيادة إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية ناقص معدل التضخم)، الذي تراجع متوسطه من (1,9)% في الأعوام 2016م – 2018م، إلى ناقص (4,4)% في الفترة 2019م – 2021م. إذا اعتبرنا نسبة النمو السكاني المقدرة بحوالي (2,6)%، فهذا يعني أن دخل الفرد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي (جملة قيمة السلع والخدمات المنتجة في عام بالأسعار الثابتة بعد اعتبار التضخم)، تراجع بنسبة سالب (7)% خلال السنوات الثلاث الماضية مقارنة مع سالب (0,7)% خلال نفس الفترة التي سبقت ذلك، ما يؤشر إلى استمرار تمدد معدل الفقر الذي من المتوقع أن يكون قد وصل حالياً إلى ما يقارب (90)% من إجمالي السكان، أيضاً الارتفاع المحموم في حركة الأسعار أثر سلباً على سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية قابلة التحويل، حيث ارتفع متوسط سعر الجنيه مقابل الدولار من (60,5) جنيه في عام 2019م إلى (470) جنيهاً في عام 2021م، في ظل هذه الأوضاع والتحديات الصعبة والمعقدة أصلاً، أتت موازنة 2022م كسابقاتها، سابحة عكس التيار كما سنوضح في التحليل أدناه.

2- مؤشرات الاقتصاد الكلي: بخصوص النمو الاقتصادي، تتوقع الموازنة أن يحقق الاقتصاد الكلي معدل نمو مقداره (1,4)% بنهاية عام 2022م، (جدول1)، مدفوعاً بالنمو الحقيقي المتوقع في قطاعات الزراعة (0,44)%، الصناعة (0,28)%، والخدمات (0,68)% حسب نسب مساهمة تلك القطاعات في نمو إجمالي الناتج المحلي المقدرة كالآتي:- (31,3)%، (20,3)%، و(48,4)% حسب الترتيب، (مشروع الموازنة، صفحة 38).

الجدير بالملاحظة هنا هو أن (1) مستوى النمو الاقتصادي المتوقع يساوي نصف معدل النمو السكاني، ما يعني استمرار تدني دخل الفرد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما سيفاقم من اتساع دائرة الفقر وتأزيم الأوضاع المعيشية؛ و(2) مساهمة قطاع الخدمات في النمو الكلي تساوي تقريباً نصف معدل النمو المتوقع، ما يؤشر إلى استمرار تباطؤ نمو القطاعات الحقيقية، رغم تفاؤل توقعات الموازنة، أما على صعيد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية قابلة التحويل، فلم تقدم الموازنة أي سياسات أو إجراءات محددة للتعامل مع هذا المؤشر المهم غير الحديث عن” تحقيق استقرار سعر الصرف”.. (مشروع الموازنة، صفحة 34)، بهدف تحقيق استقرار اقتصادي!

على صعيد التضخم (غلاء الأسعار)، “يتوقع أن ينخفض متوسط معدل التضخم خلال العام 2022م، ليصل إلى (202،6)% مقارنة مع (357,9)% للعام 2021م (مشروع الموازنة، صفحة 35)، رغم أن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء تشير إلى هبوط متوسط معدل التضخم من (423)% في يوليو 2021م، إلى (260)% بنهاية يناير 2022م، على عكس حركة الأسعار في الأسواق (!)، فمن الواضح أن معدل التضخم المتوقع لا تسنده الحقائق على الأرض، والبيانات المقدمة في الموازنة، والتوقعات المستقبلية لحركة الأسعار محلياً وعالميا، لأن:

(1) انخفاض معدل التضخم المستهدف، وزيادة إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية (79)% لا يتماشيان مع معدل النمو الحقيقي المتوقع (1,4)% إذا اعتبرنا أن النمو الحقيقي يساوي النمو الكلي بالأسعار الجارية ناقص التضخم كما ذكرنا سابقاً.

(2) نمو معدل عرض النقود (الكتلة النقدية) المستهدف (22)%، أقل بكثير من نمو الاقتصاد الكلي بالأسعار الجارية، ما يعني أن الموازنة تتوقع ضمنياً معدل تضخم أعلى مما هو مقدر، ما سيؤثر سلباً على معدل النمو الحقيقي المتوقع. (3) من المتوقع – على عكس تفاؤل الموازنة – استمرار الضغوط التضخمية في عام 2022م، بسبب عدم استقرار سعر صرف العملة الوطنية نتيجة للتضخم والتلكؤ في تحريك الاقتصاد الحقيقي (الإنتاج)، وضبط المالية العامة؛ وقف تدفق المساعدات الخارجية وضعف الصادرات؛ الزيادة الهائلة المعلنة والمتوقعة في الضرائب والرسوم على السلع والخدمات المحلية؛ التوسع المتوقع في الإنفاق غير التنموي (الاستهلاك)، خاصة إعلان زيادة فاتورة المواهي والأجور بنسبة (146)% من (310) إلى (761) مليار جنيه؛ ارتفاع الأسعار العالمية (التضخم المستورد)، خاصة بالنسبة للمحروقات والغذاء بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا؛ استمرار التوسع في السحب على المكشوف من البنك المركزي لتمويل الحكومة دون مقابل موارد حقيقية؛ والحراك الشعبي المستمر حالياً وتداعياته على المالية العامة والاستقرار الاقتصادي والسياسي، كل ذلك يؤشر إلى أن عام 2022م قد يشهد صدمات تضخمية لا تقل حدة عن ما شهدنا في العامين الماضيين في ظل استمرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية.

في جانب ميزان المدفوعات، تتوقع الموازنة نمو الصادارات بوتيرة أسرع (17)% من الواردات (10)% في عام 2022م، نتيجة لتوحيد سعر الصرف الرسمي مع الموازي، وبالتالي زيادة الصادرات بمقدار مليار دولار مقابل (0,7) مليار دولار للواردات، ما سيؤدي إلى خفض الميزان التجاري (الفرق بين الصادرات والواردات) من (1,9) إلى (1,6) مليار دولار بنهاية العام (جدول1)، مقابل ذلك من المتوقع أن يشهد الحساب الجاري انخفاضاً حاداً (44)% من واحد مليار دولار في 2021م، إلى (1,8) مليار دولار في 2022م، بسبب تراجع تدفق التحويلات والمنح والقروض الخارجية، ما سيفاقم من الضغوط على الأداء الكلي لميزان المدفوعات (لم تذكر الموازنة عنه شيئاً)، وسعر الصرف، ومستوى معدل التضخم، بالإضافة إلى ذلك، يبقى هناك موطن خطر مهم تجدر الإشارة إليه، فالتحسن المتوقع في أداء الصادرات قد تجاوزته الأحداث على الأرض، لأن سلحفائية البنك المركزي في المحافظة على حركة سعر الصرف الموحد والفهم الخاطئ بأن مزاد النقد الأجنبي (حافز مزة) وليس الاستغلال الأمثل لموارد النقد الأجنبي الشحيحة، أعادت تعددية سعر الصرف مرة أخرى، حيث وصل حالياً الفرق بين سعر الصرف التأشيري (السعر الرسمي)، وسعر صرف السوق الموازي إلى أكثر من (70) جنيهاً، وبين سعر البنوك والسوق الموازي حوالي (40) جنيهاً للدولار في الأسبوع الأول من مارس 2021م! هذا سيضعف قدرة تنافسية الصادرات التي تحسب عائداتها بالسعر التأشيري، ما سيشجع على التلاعب في أسعار الصادرات والواردات بالنقد الأجنبي بهدف الإاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من النقد الأجنبي بالخارج كحماية من فروقات سعر الصرف، ويضعف أداء الميزان التجاري على عكس توقعات الموازنة، وبالتالي الأداء الكلي لميزان المدفوعات، أما الإجراءات الأخيرة التي أعلنها البنك المركزي بإلغاء السعر التأشيري وترك تحديد سعر الصرف للبنوك والصرافات، فهو محاولة يائسة لتجريب المجرب، لأنه تكرار لتجربة الإنقاذ الفاشلة في عام 2018م، عندما تركت آليه تحديد سعر الصرف لاتحاد أصحاب العمل!

3- المالية العامة: “تعتبر موازنة 2022م، الأكثر تحدياً في تاريخ البلاد لاعتمادها كلياً على الموارد الذاتية”، (مشروع الموازنة، صفحة 20)، لكن للأسف، أتت تقديرات موازنة 2022م دون مستوى التحدي المذكور، حيث بُنيت تلك التقديرات على اعتمادات وليس على الأداء الفعلي الضعيف لموازنة 2021م المعدلة (جدول2)، ما يقلل كثيراً من مصداقية وواقعية تلك التقديرات. رغم ذلك، تتوقع الموازنة زيادة الإيرادات الكلية بدون العون الخارجي غير الإنساني بنسبة (34)% لتصل إلى (3,326) مليار جنيه بنهاية 2022م، من (2,475) مليار جنيه في عام 2021م.

بخصوص الإيرادات الضريبية التي تمثل (58)% من إجمالي الإيرادات، فمن المتوقع أن ترتفع بنسبة (145)%، (60% الضرائب على السلع والخدمات و21% الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية)، أما الضرائب على الأرباح والمكاسب الرأسمالية فقد تم تقديرها بحوالي (18)% (351) مليار جنيه، من الإيرادات الضريبية، ما يعني أن (81)% من إيرادات الضرائب المتوقعة من ضرائب مباشرة على المستهلك، بالنسبة للإيرادات غير الضريبية التي تمثل (42)% من إجمالي الإيرادات، فالزيادة الكبيرة (64)% في تقديراتها تعود إلى توقع ارتفاع حاد في دخل الملكية (100)%، من (200) مليار جنيه في 2021م، إلى (400) مليار جنيه في 2022م، ومبيعات النفط المحلي (140)% من (333) مليار جنيه في 2021م، إلى (735) مليار جنيه في 2022م، مع عدم توقع أي مساعدات انتقالية من دولة جنوب السودان (مشروع الموازنة، جدول 8، صفحة 38، وتضريبات الكاتب)، لكن من الواضح أن الزيادة الهائلة المتوقعة في الإيرادات غير الضريبية هي الأخرى غير واقعية، إذ أنها لم تراعِ مخاطر هشاشة الأوضاع الاقتصادية والسياسية المحلية والدولية التي ذكرناها.

فيما يتعلق بمساهمة القطاعات في إجمالي إيرادات القطاعات المقدرة بمبلغ (3,326) مليار جنيه، (جدول3)، تتوقع الموازنة أن يساهم القطاع المتنوع وقطاع الدفاع والأمن والشرطة بنسبة (64)% في إجمالي تلك الإيرادات: (41)% (1,346) مليار جنيه من القطاع الأول، (23)% (763) مليار جنيه من القطاع الثاني. أيضاً. الجدير بالملاحظة هنا أن (98)% من مساهمة قطاع الأمن والشرطة يتوقع أن تأتي من إيرادات الإدارة العامة للجمارك و(0,4)% (13) مليار جنيه من قطاع الشرطة، و(12,5) مليون فقط من وزارة الدفاع، دون توقع أي مساهمة في الإيرادات العامة من قوات الدعم السريع وجهاز المخابرات العامة!.. لكن ما يدعو للاستغراب حقاً أن قطاع الشرطة وحده يفترض أن يتحصل على (644) مليار جنيه فقط من التجديد السنوي لإقامات الأجانب، الذين تقدر وزارة الداخلية عددهم بأربعة ملايين، تبلغ تكلفة تجديد إقامة الواحد منهم (160) ألف جنيه حسب المستندات بطرفنا، أما القطاع المتنوع، فمن المتوقع أن تأتي (90)% مساهمته من عائدات النفط (735) مليار جنيه = (46)%، وأرباح وفوائض الهيئات والشركات الحكومية (391) مليار جنيه = (30)%، ورسم عبور وخدمات صادر نفط دولة جنوب السودان (182) مليار جنيه = (14)%، (مشروع الموازنة، صفحات 61، 67، و70، وتضريبات الكاتب).

في جانب المصروفات، تشمل أولويات الانفاق بحسب الموازنة “ضبط وترشيد الإنفاق العام وترتيب الأولويات بالتركيز على القطاعات الإنتاجية” (مشروع الموازنة، صفحة 26)، في الواقع التقديرات القطاعية المضمنة في الموازنة – باستثناء قطاع الزراعة – تؤشر إلى عكس ذلك، فإذا نظرنا إلى إجمالي التقديرات القطاعية المضمنة في الموازنة جدول (3)، نجد أن أربعة بنود فقط ممثلة في دعم السلع الإستراتيجية (931) مليار جنيه، تعويضات العاملين (779) مليار جنيه، شراء السلع والخدمات (459) مليار جنيه، وتحويلات الولايات (477) مليار جنيه تستحوذ على (72)% من تلك التقديرات، مقارنة مع (10)% (373) مليار جنيه، للتنمية القومية جدول (4)، بالإضافة إلى ذلك تتوقع الموازنة زيادة الانفاق غير التنموي (التشغيلي)، بنسبة (38)%، أكثر من ضعف نسبة الزيادة (18)% المتوقعة في الصرف التنموي!.. رغم ذلك فيحمد للموازنة ولو من الناحية الرمزية، مضاعفة حصة التنمية القومية في إجمالي الانفاق القطاعي من (5)% في عام 2021م، إلى (10)% في 2022م، رغم الأداء البائس للصرف التنموي في 2021م جداول (2 – 4).

أما توزيع إجمالي تقديرات المصروفات على القطاعات جدول (3) وتضريبات الكاتب، فيؤشر على ابتلاع القطاع المتنوع (66)%، وقطاع الدفاع والأمن والشرطة (16)%، بما في ذلك قوات الدعم السريع (102) مليار جنيه، (82)% من إجمالي انفاق القطاعات المستهدف (3,691) مليار جنيه، مقارنة مع (4,4)% للقطاع السيادي، (6,5)% فقط لقطاعات الزراعة – بشقيها النباتي والحيواني – الصناعة والتجارة، النقل والبنى التحتية، الصحة، والتعليم، ما يدل على عكس فقه أسبقيات الانفاق المعلنة، وبينما حافظت قطاعات الصناعة والنقل والبنى التحتية والإداري والاجتماعي على مستوى حصصها في عام 2021م في موازنة 2022م، تراجعت حصص قطاعات الدفاع والأمن والشرطة، والصحة، والتعليم بنسب (29)% و(23)% و(53)% حسب الترتيب، مع ملاحظة الزيادة الكبيرة في حصة القطاع الزراعي من (1,2)% في 2021م إلى (2,4)% في 2022م، والتي تُعزى إلى الزيادة المقدرة في حصة القطاع في اعتمادات التنمية القومية من (14)% في عام 2021م إلى (25)% في 2022م، جدول (3 – 4)، ما يعتبر خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح، رغم ذلك يبقى أن اعتمادات المنظومة الأمنية (577) مليار جنيه تفوق بنسبة (111)% إجمالي اعتمادات قطاع الزراعة، الصناعة، النقل والبنى التحتية، الصحة، والتعليم مجتمعة (274) مليار جنيه، جدول (3).

بالنسبة لتوزيع تقديرات التنمية القومية على القطاعات ذات الأهمية والأسبقية الاقتصادية والاجتماعية، لا بد من ملاحظة الزيادة المقدرة في حصة الزراعة (4,4)% في عام 2021م إلى (29,6)% في 2022م جدول (4)، مع محافظة القطاع الصناعي على حصته في العامين المذكورين، لكن إذا اعتبرنا تحويلات التنمية للولايات (102) مليار جنيه، ونصيب القطاع الزراعي فيها (2,5) مليار جنيه، فإننا نجد انخفاضاً كبيراً في حصة القطاع الزراعي في إجمالي تقديرات التنمية القومية والولائية (475) مليار جنيه من (25)% إلى (20)% للأسف، من الملاحظ أيضاً التراجع الكبير في حصص قطاعات الطرق والجسور والنقل (51)%، الإداري والاجتماعي (88)%، التعليم (83)%، والصحة (51)%، ما يؤشر مرة أخرى إلى التناقض بين الأرقام المستهدفة وتوجه السياسات الاقتصادية والمالية المعلنة في الموازنة وضرورة تعزيز الإنفاق التنموي مستقبلاً بالتركيز على القطاعات الإنتاجية والخدمية المهمة لتقوية البعد الإنتاجي والاجتماعي في الانفاق العام.

في مجال الدعم، واضح أن هناك تخبطاً وعشوائية وعدم جدية في سياسة الدعم، فحسب الموازنة من ضمن السياسات والإجراءات التي تم تنفيذها في موازنة 2021م، “رفع الدعم عن البنزين والجازولين كلياً وبيع المنتجات الأخرى بسعر التكلفة عدا الفيرنس وغاز الطبخ” (مشروع الموازنة، صفحة 6)، لكن في صفحة (5) تذكر الموازنة أن ضمن التحديات التي واجهت تنفيذ موازنة 2021م، “الزيادة في حجم دعم السلع خاصة القمح، الدواء، الكهرباء، والمواد البترولية”! لكن كيف يمكن أن يرفع الدعم ويصبح أساس البيع سعر التكلفة، ويعود الدعم من الشباك ليرتفع بالنسبة للسلع الإستراتيجية المذكورة بنسبة (7)% من (867) مليار جنيه في 2021م إلى (931) مليار جنيه في 2022م (الموازنة صفحتي 43 و45)، وبنسبة (12)% من (951) مليار جنيه في 2021م، إلى (1,066) مليار جنيه في 2022م، إذا أضفنا بقية بنود الدعم الرئيسية الأخرى: الأدوية المنقذة للحياة (83) مليار جنيه، مؤسسات التعليم العالي (37) مليار جنيه، والأسر الفقيرة (15) مليار جنيه.، صحيح أن الزيادة في دعم السلع الإستراتيجية تعزى أساساً للارتفاع غير المسبوق في دعم الكهرباء من (308) مليارات جنيه في 2021م، إلى (735) مليار جنيه في 2022م، علماً بأن هذا القطاع لا مساهمة له في الإيرادات العامة، مع توقع انخفاض دعم المحروقات من (204) مليارات جنيه في 2021م، إلى (60) مليار جنيه، والقمح من (204) مليارات جنيه إلى (17) مليار جنيه، والدواء من (150) مليار جنيه إلى (119) مليار جنيه، رغم ذلك فعودة الدعم بالحجم غير المسبوق في موازنة 2022م، بعد الحديث عن رفعه كلياً في عام 2021م، يعني أن الدعم ما زال يمثل تحدياً أساسياً لمسار المالية العامة، ما يدعو إلى ضرورة إيجاد رؤية وإرادة وسياسات جادة للتحول من دعم الاستهلاك إلى دعم الإنتاج كأولوية قصوى.

بخصوص العجز الكلي في الموازنة (إجمالي الإيرادات القومية والمنح ناقص إجمالي الانفاق بشقيه التشغيلي والتنموي، زائداً صافي اقتناء الأصول المالية)، فمن المتوقع أن يرتفع من (270) مليار جنيه في عام 2021م إلى (374) مليار جنيه في عام 2022م، بنسبة (39)% بناءً على اعتمادات 2021م، وبنسبة (672)% إذا أخذنا في الاعتبار الأداء الفعلي/ التقديري لموازنة 2021م، (الموازنة صفحتي 47 – 48)، تتوقع الموازنة تمويل (64)% (241) مليار جنيه، من العجز بالسحب على المشكوف، أي طبع نقود دون موارد حقيقية في المقابل من الجهاز المصرفي (بنك السودان)، (19)% (70) مليار جنيه من الضمانات، (10)% (40) مليار جنيه من مستندات خزانة، (5)% (17) مليار جنيه من إصدار الصكوك الاستثمارية الحكومية، و(2)% (6) مليارات جنيه من شهادات المشاركة. استمرار اتساع العجز الكلي ومعه زيادة الاعتماد على التمويل بالمكشوف نتيجة للتوسع في الانفاق غير التنموي، سيظل مصدراً أساسياً لغلاء الأسعار وتضييق الحيز المالي المفترض أن يتاح لتمويل القطاع الخاص.

4- في الختام: بناءً على التحليل أعلاه لميزانية 2022م، فيمكن القول – على أحسن تقدير – إنها هشة في تقديراتها وأسبقياتها وخالية من رؤية ومنظومة أهداف كمية وسياسات وإجراءات محددة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية المتأزمة أصلاً، ما يجعل إنزالها إلى أرض الواقع ضرباً من ضروب الخيال، لذلك على الحكومة أن تبحث عن خيارات وخطط وحلول بديلة لمواجهة الأسوأ في المرحلة القادمة، خاصةً في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة، في هذا الإطار لا بد من وضع حزمة من السياسات والإجراءات لضبط المالية العام، وإعادة ترتيب أولويات الانفاق العام، بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات هيكلية ومؤسسية لتحسين بيئة الاستثمار والإنتاج تنفذ بالتزامن بهدف تركيز وتوسيع وتنويع القاعدة الاقتصادية لخلق فرص العمل، خاصة للشباب، ولخفض معدلات التضخم والبطالة والفقر.

بقلم: د.التجاني الطيب إبراهيم
اليوم التالي

Exit mobile version