في ندوة بعنوان (المنهجية الأولى حول تأثير نظم الحكم في السودان على العلاقات العسكرية المدنية) نظمتها رئاسة هيئة الأركان بأكاديمية نميري العسكرية، دعا خبراء عسكريون الى ضرورة خروج المؤسسة العسكرية من المعادلة السياسية.
هذه الدعوة تظهر ان العسكر قد وصلوا إلى حقيقة جوهرية خلاصتها أن العلاقة بين المواطنين والجيش تدهورت إلى درجة خطيرة وغير مسبوقة ولم تحدث منذ استقلال السودان، وان استمرار هيمنة الجنرالات على السلطة بالقزة باسم الجيش، سوف يفاقم هذا التدهور ويقود البلاد إلى قطيعة كاملة شاملة بين الشعب وجيشه.
سواء كانت هذه الدعوة مقصودة لذاتها او مجرد ( طق حنك) من العسكريين لكسب الزمن وادعاء الموضوعية، إلا أن وصول خبراء عسكريين إلى خلاصة ان الجيش يجب أن يخرج من السياسة واعلان ذلك، هو في حد ذاته دليل على نجاح الشارع الثوري المدني في هز المؤسسة العسكرية ودفعها إلى اجراء مراجعات حول دور الجيش ووظيفته.
يعلم السادة الخبراء العسكريون ان العسكريين حكموا السودان منذ الاستقلال لفترة تجاوزت ال ٥٤ عاما، بينما حكمه المدنيون لمدة ١١ عاما فقط، ورغم ان العسكريين جاءوا إلى السلطة بتمهيد من الاحزاب السياسية، الا ان الحكم في نهاية الأمر تحول إلى حكم عسكري، أصبح للجيش عبره حضور سياسي وايدولوجي، للدرجة التي تحولت معها مؤسسة الجيش نفسها إلى مؤسسة سياسية في عهد المخلوع عمر البشير، واصبحت ثكنات ضباط الجيش تشبه ثكنات أعضاء حزب المؤتمر الوطني، هذا التاريخ قاد إلى هذا الانحدار الذي نعايشه اليوم من استعلاء عسكري واستيلاء بالقوة على السلطة بواسطة جنرالات الجيش وكأن السلطة ملك للجيش ومن حقوقه الطبيعية.
نعلم ان هذه الدعوة التي انطلقت من هذه الندوة سيرفضها الجنرال البرهان ومجموعته الانقلابية، وربما قادتهم كما هي عادتهم إلى معاقبة هؤلاء الخبراء بالفصل او الإحالة إلى المعاش، ولكنها تبقى دليل على أن أي دراسة موضوعية لحال الجيش السوداني وما وصل اليه من تردي وكره في قلوب المواطنين نتيجة لممارسة السلطة الانقلابية، سوف تقود حتما إلى الدعوة بالفم المليان إلى خروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين والعودة للثكنات.
الحكم المدني قادم مهما تأخر، والمستقبل سيحمل في طياته خروجا ابديا للجيش من السياسة. يرونه بعيدا ونراه رأي العين.
يوسف السندي
صحيفة التحرير