#عجائب_الزمن_القحتي
أقرعوا الجنيه… الدولار ملحوق
قال:
عاد الدولار يبرطع من جديد.
قلت:
لابد أن شيئا أهاجه حتى هرب…فالدولار رزين عاقل لا يبرطع ألا بسبب.
قال:
وما السبب ؟
قلت:
جيش عرمرم من الجنيهات يطارده ؟
قال:
تريد أن تقول أن الجنيه هو الذي يرفع الدولار وليس الدولار هو من يخفض الجنيه.
قلت:
هذا بالضبط ما أريد أن أقوله وهو إنفلات جيوش الجنيه من عقالها هي سبب أنفلات سعر الدولار.
قال:
وكيف ذلك؟
قلت:
الدولار في بلده محض عملة للتبادل ولكنه ههنا سلعة للبيع والشراء … ويصدق عليها قانون توازن العرض والطلب.
فإذا قل المعروض وزاد الطلب أرتفع سعر الدولار …وإذا قل الطلب قل سعر الدولار ….ولو زاد المعروض منه قل سعره فلماذا يزيد سعر الدولار ؟
قال:
لماذا يزيد؟
قلت:
من الجيد أن تسأل …. أولا يزيد لأن الطلب زاد على الدولار.
قال :
ولماذا زاد الطلب ؟
قلت:
لأن الجنيهات التي كان تبادله تضاعفت بالطباعةبلا عد ولا عداد أضعافا مضاعفة .
قال:
وكيف ذلك؟
قلت :
قلت إيرادات الحكومة عن مصروفاتها فذهبت تطبع ورقا لا يقابله سلع ولا خدمات حقيقية… وذهب هذا الورق بالمليارات إلى أيدي الناس فذهبوا يتنافسون به على المعروض من السلع ومن بينها الدولار أفلا تزيد السلع ويزيد الدولار ؟
قال:
نعم تزيد فالوضع هنا مثل صالة دلالة مغلقة وبداخلها متنافسون فكل ما زاد المال في جيوبهم زاد سعر المعروض في الدلالة من معروضات وكلما قل المال قل السعر.
قلت:
هذا بالضبط ما يحدث وهناك سبب آخر.
قال:
وما هو؟
قلت:
الناس تشتري الدولار لشراء سلع آخرى فهو عملة ورقية لا قيمة لها في ذاتها.
لكن عندما تقل قيمة الجنية بكثرة المطبوع منه يفقد الثقة به فيذهب الناس لشراء الدولار ليحفظ القيمة لهم وذلك أنهم يعلمون أنهم سوف يستبدلون به جنيهات أكثر في المستقبل.
قال:
هذه هي المشكلة فما هو الحل؟
قلت:
لن يجدي أن يتحدث البنك المركزي عن تعويم كامل للجنيه فهو في هذه الحال كمن قال فيه الشاعر
ألقاه في اليم موثوقا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
قال:
ومن الحل أذا؟
قلت:
أتباع سياسة جريئة مسنودة بترتيبات محسوبة لإعادة السيطرة على سعر الصرف من خلال( التعويم تحت السيطرة )والذي يسمى بالتعويم المدار . وفي ذات الوقت مناهضة وترويض الفئة الباغية التي تضارب في العملات للاسترباح ولو على حساب استقرار الاقتصاد الوطني وعلي حساب حصول المواطن البسيط على السلع الضرورية بأسعار معقولة . وكان لابد من حزمة سياسات مالية ونقدية وأمنية في آن واحد . فالمالية تهدف لخفض مصروفات الحكومة و النقدية تمنع الطبع بلا مقابل والأمنية تراقب حركة الأموال النقدية و المصرفية لتضرب على يد المضاربين
وهي ذات الحزمة التي يتحدث الناس عنها ولا ينفذونها . فوزارة المالية عليها اتباع سياسة مالية تقشفية مع أحلال الواردات وزيادة الصادرات . وتشجيع الاستثمار ذا العائد السريع . وبنك السودان عليه أن يحصل على موارد تمكنه من إعادة القبض على زمام المبادرة من خلال الحصول على الذهب . ولو أمكن بتوفير وسادة من النقد الأجنبى تمكنه من التدخل وإدارة سعر الصرف بعد تعويمه . ولا أظن أن وعود الودائع قد تصدق. فالبنك لابد له أن يكون أغنى أغنياء البلد ويكون نصيبه من الدولارات والذهب هو الأكثر فذلك يمكنه من النزول بالدولار تدرجاً نحو الوضع الاعتيادي الذي يعود فيه عرض العملات الأجنبية طبيعياً .
قال:
لكن المضاربين لن يتوقفوا ؟
قلت :
بل سيتوقفون.
قال:
كيف؟
قلت:
يحدث إحجام من البائعين الصغار أو الكبار كما يتوقف المفلس أو الاقل مالا عندما يتنافس مع الوافر مالا …كما في مثال الدلالة الذي ذكرته انت . وبذلك يعود الطلب إلى الوضع الاعتيادي الذي يتمثل في الاحتياجات الحقيقية (غير الاحتكارية) للعملات الأجنبية.
قال:
وأن يتمكن البنك من الحصول على مبالغ كبيرة من الدولار أو كميات من الذهب.
قلت:
السعر المدار يعني مداراة السوق ومجاراتها .
قال:
تعني رفع السعر بواسطة البنك .
قلت:
نعم
قال:
ولكن البنك المركزي ترك تحديد السعر للمصارف.
قلت:
هذا خطأ كبير
قال:
ولماذا هو خطأ؟
قل:
لأن المصارف نفسها يمكن ان تدخل سوق المضاربة… وقد حدث هذا بالفعل فاليوم رفع أحد البنوك سعر الدولار الى ما فوق سعر السوق الأسود .
قال:
وما الحل.
قلت:
يتحمل بنك السودان مسؤوليته لكن من خلال تأسيس مجلس للسعر التأشيري العادل يشارك فيه كل أصحاب المصلحة من بائعين ومشترين ومستوردين ومصدرين. ويمضي في سياسة المزادات للدولار.
قال:
وهل سيجدي ذلك؟
قلت:
نعم يجدي
فبنك السودان المركزى لابد له من ترك حالة الحذر المفرط في تحديد السعر التأشيري وعليه عدم إختيار مساحة وسطى بين خيارين فأن مثل هذه المساحة لا وجود لها. فعليه محاولة السيطرة على عجلة القيادة لكن أيضا عليه الإعتراف بتوازن الحقيقي و تحديد تسعير تأشيري يشارك فيه جميع أصحاب المصلحة …. لكن ربما أولى المعالجات لتمكين بنك السودان من السيطرة على مقود القيادة هى المعالجة الذهبية .
قال :
ماذا تقصد بالمعالجة الذهبية؟
قلت:
عنيت بها شراء كل الذهب المستخرج بسعر مجزىء يتفق عليه مع المنتجين يناسب السعر العالمى للذهب وذلك من خلال قيام مجلس للذهب يضم الحكومة والقطاع الخاص وكبار المنتجين وممثلى التعدين الأهلى لتحديد سعر الشراء وتوفير الظروف الأنسب لتطوير الانتاج والحؤول دون التهريب الواسع لمعدن ناضب. وفى مرحلة أخرى تطوير المجلس إلى بورصة للذهب بعد إستقرار الأسعار.كذلك يمكن إحتذاء التجربة التركية فى سك جنيهات ذهبية وتوفيرها فى الاسواق لتكون وعاء للقيمة يطمئن إليه من يريد حفظ قيمة مدخراته. كذلك يمكن إعتماد صكوك الجنية الذهبى لتضمن لحاملها استبدال الصك بسعر الذهب العالمى فى يوم الصرف وبذلك يمكن توفير ملاذات آمنة لمن يريد الدولار مخزنا للقيمة وهؤلاء هم العدد الأعظم من الفئة التى تهجم على الدولار ليس لشراء السلع أو للإستيراد وإنما لحفظ قيمة النقود وقد أتسع عدد هؤلاء بالتوسع فى السيولة بالجنيه السودانى بسبب الطباعة العشوائية.
قال:
وهل ستنجح هذه المقترحات ؟
قلت:
لاشك أن هذه الحلول هى أقوى المحفزات لتحقيق الاستقرار لكن أمورا أخرى تتعلق بالسيطرة على حجم السيولة فى الاقتصادية تظل ذات أهمية تكميلية.كذلك فإن تقليص المستوردات من خلال توسيع قائمة السلع الممنوع إستيرادهامؤقتاً حل غير مرغوب لكنه ربما يكون مطلوب لمرحلة وإن كان مثل الدواء المر لطائفة من المستهلكين وللوزارة المالية لما له من أثر على تقليص عائدات الجمارك ولكنك فى عالم اقتصاد الندرة لن توفر شيئا حتى تقتطعه من جزء ما من الغطاء الاقتصادى.
ولا شك عندى أنه إذا أتبعت هذه السياسات بالجرأة المطلوبة فإنه هنالك تفاؤل عظيم بنجاح هذه السياسة (سياسة التعويم المدار) .
قال:
وهل ستكفي هذه السياسات لايجاد الحل؟
قلت:
هي أفضل ما يمكن أن يوصي به الخبير ولكن كل سياسة تحتاج إلى مناخ استقرار لكسب ثقة الناس فاذا ظلت البلاد بلا حكومة أو بحكومات تفكك اليوم وتركب غدا لتفكك اليوم الذي يليه فقل على كل سياسة راشدة سلام.
أمين حسن عمر