انفلات الأسواق .. إفرازات سياسة التحرير الاقتصادي

تزايدت وتيرة فوضى انفلات الأسعار بالأسواق هذه الأيام، نسبة لعدم ثبات سعر الصرف في البلاد، في وقت تواجه فيه الأسر السودانية موجة عاتية من غلاء الأسعار، هذا ما تؤكده حالة العرض والطلب خاصة في السلع الأساسية التي تمثل ركيزة المستهلك من حيث الأولويات، ومن ضمن أبرز السلع التي عمتها موجة الغلاء سلعة السكر، حيث ققز سعر الجوال إلى (23) ألف جنيه بدلاً عن (16) ألف جنيه، فيما زادت أسعار زيوت الطعام، فبلغ سعر الكريستال صباح صغيرة (1800) جنيه، أما بقية السلع الاستهلاكية فهي ما تزال في حالة من التذبذب واللا استقرار في الأسعار، وبحسب حديث مختصين وخبراء اقتصاديين أن الحكومة لا تستطيع وضع أي لمسات للوصول إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية التي كانت سبباً في التغيير الذي أبعد نظام الإنقاذ من سدة الحكم.
صعوبة المرحلة
كما أن الحكومة تدرك تماماً أهمية وصعوبة المرحلة وما تجابهها من تحديات اقتصادية، فضلاً عن أنها تمثل أكبر دافع للحراك الثوري الذي ما زال مستمراً في شوارع العاصمة وبعض مدن البلاد، لطالما كانت الأصوات والوقفات الاحتجاجية تنادي بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية من فترة لأخرى، ويعتبر منذ سنوات وإلى تاريخه ما يزال الاقتصاد متأثراً جراء بعض الاخفاقات التي حدثت في السابق، علاوة على تصاعد أسعار الصرف وارتفاع معدل التضخم.

التحرير الاقتصادي
وربما قادت هذه التبعات إلى الحديث حول ضرورة مراجعة سياسة تحرير الأسعار التي تطبقها الحكومة منذ سنوات، ورغم ورود مطالبات صريحة لمراجعة هذه السياسة، إلا أن الحكومة لم تصدر رد فعلي رسمي حولها، وبسبب انتهاج الحكومة لهذه السياسة سيطرت فئة قليلة من التجار والرأسمالية على مفاصل العمل التجاري، وتفشت الممارسات الاحتكارية في السلع الرئيسية مثل السكر والأسمنت ومواد البناء ونسبة لا يستهان بها من قطاعات الاستيراد والتصدير، وتمثلت أبرز تبعات سياسة تحرير الأسعار في خروج الدولة كلياً من السوق.

حل المشكل
فيما يرى المحلل الاقتصادي، الدكتور عبد الله الرمادي أن سياسات التحرير الاقتصادي هي السبب في كل ما يعانيه الاقتصاد من تردي طوال السنوات الماضية، ويقترح في تصريح لـ(اليوم التالي) ضرورة إلغاء سياسة التحرير لمعالجة المعضلة التي يعاني منها الاقتصاد القومي منذ عقود من الزمان، قاطعاً بأن إلغاءها يعتبر خطوة لبداية حل المشكل الاقتصادي ككل، وقال إن مشكلة الاقتصاد السوداني نشأت بموجب إجراء تم بناء على سياسة التحرير وهو الخصخصة، لافتاً إلى أن ذلك أدى لإفقاد الحكومة مؤسسات منتجة وحيوية مثل الخطوط الجوية السودانية سودانير، والخطوط البحرية، والسكك الحديدية، والنقل النهري وحل التعاونيات التي كانت توفر السلع للمستهلكين في الأحياء ومواقع العمل بأسعار زهيدة، وتمكين فئات قليلة من التجار من السيطرة والتحكم في الأسعار.

الجمعيات التعاونية
فيما يرى المحلل الاقتصادي محمد النيل عبر حديثه لـ(اليوم التالي) أن سياسة التحرير الاقتصادي أفقدت الحكومة مؤسسات منتجة وحيوية كانت مهمتها ضمان حصول المواطنين على السلع بطريقة مبسطة كما أدت إلى إلغاء عمل الجمعيات التعاونية، وأكد أن حل الجمعيات التعاونية التي كانت توفر السلع للمستهلكين في الأحياء ومواقع العمل بأسعار زهيدة ومعقولة أثر على معيشة الناس، وأوضح هذا الأمر فتح الباب أمام مجموعة من التجار للتحكم في الأسواق وبحسب أمزجتهم وأهوائهم – هذا على حد تعبيره.

الخرطوم: علي وقيع الله
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version