أن إصدار عدد من لجان المقاومة مواثيق تهدف للوصول لاتفاق وطني يشكل أرضية سياسية، قضية ديمقراطيا يجب أن يكون مرحب بها من الجميع. و أي مجموعة تعتقد أنها تستطيع أن تقدم مشروعا سياسيا، و تعتبره مشروعا يمكن أن يخرج البلاد من المأزق السياسي الذي تعيش فيه، تعتبر فكرة صائبة: و يجب تشجيعها. لكن يصبح السؤال ما هو الهدف من المواثيق؟ أو بمعنى أصح؛ ما هي المنصة التي تنطلق منها المجموعة التى تريد إصدار المواثيق. هل هي تريد بالميثاق أن تفتح حوارا بين القوى السياسية لكي تقرب المسافات بينها لكي تصل لتوافق وطني؟ أم هي تريد أن تطرح نفسها كقوى سياسية جديدة في الساحة تقدم رؤيتها لحل أزمات السودان؟ أو هي مجموعة تعبر عن خط سياسي أيديولوجي محدد، و تريد أن تدخل من خلاله لعملية الاستقطاب الحادة الجارية في البلاد.
رغم الأراء المطروحة حول مسألة المواثيق. إلا أنها استطاعت أن تفتح نفجات عديدة للحوار، بطريق مباشر أو غير مباشر، و من خلال تحليلها و تفكيكها للمواثيق و إبداء الرأي. و النقد يعتبر قاعدة أساسية للثقافة الديمقراطية، و المنهج النقدي الهدف منه أن يشرح الميثاق و يقرأ بصوت عال أهداف المواثيق و توجهاتها السياسية، و في نفس الوقت يجب قرأة المصطلحات المضمنة في المواثيق. و يجب على الذين أصدروا المواثيق أن تكون صدورهم واسعة و أذهانهم مفتوحة للأراء الأخرى. و الميثاق يمثل رؤية المجموعة التي طرحته، و بالتالي تريد أن تجذب له مجموعات أخرى. و مادام هو مطروح للحوار و معرض للحزف و الإضافة بهدف تطويره، يجب عليها أن تقبل الحوار بصدر رحب، و أيضا يجب على المجموعة التأكد أن الذين سوف يقدمون لعملية النقد يربما نطلقون من أرضية فكرية مخالفة، و في ختام الحوار أن الميثاق سوف يمثل الحد الأدنى للذين سوف يوقعون عليه.
لكن الملاحظ: أن بعض المواثيق تحمل العديد من الشروط التي تحصر الحوار على الميثاق و التوقيع عليه على بعض القوى التي تعتقد إنها ثورية، رغم أنها لم تحدد المعيار على الثورية….! باعتبار أن العملية الثورية نفسها مصطلح مختلف عليه فكريا في مراحل تطوره، لأنه يتعارض مع عملية البناء و النهضة. أن الحوار يمثل الأداة الجوهرية التي تنتج الثقافة الديمقراطية، و معول عليه الكثير لكن يجب أن تكون المنصة التي ينطلق منها هي منصة وطنية، لتحقيق مقاصد وطنية بعيدا عن أي شبهات. لكن السؤال كيف تستطيع لجان المقامة التي أصدرت مواثيق أن تؤكد أن الفترة الانتقالية هي الفترة التي سوف تؤسس لعملية البناء الديمقراطي و يجب التوافق عليها سياسيا بعيدا عن شروط الإملاء و الإقصاء مادام الهدف عملية التحول الديمقراطي الذي يحتاج لأكبر قطاع جماهيري في المجتمع؟ و كيف تستطيع المواءمة بين الحوار و اللاءات الثلاث المطروحة داخل المواثيق. و معروف أن أدوات الديمقراطية لفض الخلافات و النزاعات بين القوى السياسية هي الحوار و التفاوض و أي ألية أخرى سوف تتعارض مع الديمقراطية.
لا اريد أن أدخل في نقد المواثيق من خلال تفكيكها لمعرفة وجهتها. لكن إذا أخذنا فقرة من أحد المواثيق تقول الفقرة ” تشكل هياكل الحكم تحت إشراف و رقابة لجان المقاومة و قوى الثورة المتوافقة علي مع وجهة هذا الميثاق.” هذه الفقرة تؤكد أن الجهة التي أصدرت الميثاق و رفاقها الآخرين هم وحدهم يقع عليهم عبء مراقبة تشكيل هياكل الحكم من أين أخذت هذه السلطة؟ رغم أن الميثاق مطروح للحوار..! هذه الفقرة تؤكد أن الميثاق يستهدف قوى بعينها و ليس كل القوى السياسية في البلاد، فالحوار مشروط أن حق الرقابة مكفول على القوى المتوافقة على الميثاق. مثل هذه الشروط تحد من عملية الحوار و نقد الميثاق بل تجعل الآخرين أيضا يصدرون ما يتوافقون عليه.
كان المأمل أن تقدم لجان المقاومة مواثيق تساعد الجميع على المشاركة في حوار سياسي يهدف الوصول لتوافق وطني حول كيف انجاز مهام الفترة الانتقالية، و تخرج البلاد من أزماتها التي أثرت تأثيرا سالبا على معاش الناس و الخدمات، و تهدد حتى وحدة السودان. أن الجميع مطالب بالخروج من الآطر المغلقة إلي البناءات المفتوحة حيث يصبح الحوار هو الطريق للحل، فالعقل السياسي الإبداعي للأسف الشديد معطل بسبب التخندق في المصالح الحزبية و الشخصية، لذلك لا يرى الجميع الوطن بكل اتساعه. و كما قلت سابقا أن خيارات المصالح الضيقة دائما تكون على حساب القضايا الوطنية العظيمة. نسأل الله حسن البصيرة.
زين العابدين صالح عبدالرحمن
صحيفة التحرير