“النفسيَّة الجماعيَّة لفئةٍ ما ليست هي مجموع النفسيَّات الفرديَّة لأعضائها، فالجماعة ليست محصلة لمجموع الأفراد”.. غوستاف لوبون..!
هنالك مفارقة سياسية طريفة مفادها أن فجوةً جيليةً ما قد باتت تعصف باتساق المواقف بين سياقين مهمين في معظم – إن لم يكن كل – الأحزاب السياسية في هذا السودان. سياق القيادة بأقوالها وأفعالها ومواقفها السياسية المعلنة، وسياق فئة شباب الأحزاب، برفضها واستنكارها لمواقف قياداتها، واحتجاجها وحراكها الثوري المختلف..!
ولأن المفارقة تكمن في أن الرافضين لمواقف تلك القيادات كانوا ولا يزالون أعضاءً في أحزابها، يثور السؤال عن الكيفية التي تدور بها دوائر القرار في داخل الأحزاب السياسية. وكيف ولماذا يحتفظ الشباب بعضويتهم في كيانات حزبية لا تأخذ بمشورتهم في قراراتها ومواقفها التي تمثلهم، وبالتالي فهم يتمرّدون على تلك القرارات ويثورون على تلك المواقف، ومع ذلك تحفظ لهم تلك الكيانات الحزبية حقهم في العضوية والتمرد في آنٍ معاً..!
الإجابة البسيطة، السهلة، الممتنعة – بعيداً عن الحراك الديمقراطي داخل أسوار تلك الأحزاب من عدمه – تقول إن ثورة هؤلاء الشباب هي ثورة جيلية – عامة وعارمة – على مفاهيم باتوا يرونها بالية، وأطر صاروا يشكون ضيقها على مقاييس رؤاهم، وأطروحات ما عادت تستوعب طرائق تفكيرهم. وبالتالي فإن العامل الرئيس والحاسم في ابتعادهم أو اقترابهم من أي كيان هو إيمانهم بعقائدهم الشبابية، التي باتت تَبُزُّ – في قوة انتمائهم إليها – أصالة الولاء الحزبي نفسه..!
لا مناص إذن من الحوار مع الشباب بلغة عصرهم، وتقديم الخطاب الذي يناسب زمانهم. بل وأزيد على ذلك بعض ما قال به المستشرق الفرنسي “غوستاف لوبون” في كتابه “سيكولوجية الجماهير”، “لكي نقنع الجماهير ينبغي أولاً أن نفهم العواطف الجياشة التي تتحكّم في صدورها، فدور القادة الكبار يكمن في بث الإيمان الذي هو أهم القوى البشرية وأقواها”..!
وقد بَثَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – الإيمان بحنكة الشباب في أمَّته، عندما نزع لواء الأنصار من “سعد بن عبادة” في فتح مكة، وأعطاه لولده “قيس بن سعد”، بعد أن أثار “سعد” حفيظة قريش بقوله “اليومَ يومُ المَلحمة، اليوم ذَلَّتْ قريشٌ وخابَتْ”. فاستلم “قيس” الراية من أبيه، ووقف في نفس المقام، وقال “اليومَ يومُ المَرحمة، اليوم طابَتْ قريشٌ وعَزَّت”..!
لن تجد في هموم أولئك الكبار المسيطرين مكاناً لمعاناة شابٍ عاطل، أدى فروضه الأكاديمية كما يجب، ثم وجد نفسه في عراء سوق العمل، يواجه إشكالات الفشل والضياع، وعوضاً عن العمل في مجال تخصصه الأكاديمي قد يُصبح بائع طعمية أو سائق ركشة..!
كلما تحدثنا عن هذه الثورة نسَبنا الفضل في اندلاعها لهؤلاء الشباب، وأثنينا على وعي هذا الجيل “الراكب راس”. حسناً ها هو ذات الجيل الذي رَكِبَ رأسه في شأنٍ وطنيٍ جلل – وقدَّم الشهداء والجرحى – يركَبُ ذات الرأس في شأنٍ سياسي يَخصُه. المسألة في جوهرها “هول باكيج”، وهي بذلك لا تقبل القسمة رأياً، أو الضرب عرضاً، أو الطرح أرضاً..!
ثُم أن كل فشل سياسي له رَدَّة فعل شعبية، مُسَاوية له في القوة ومُعاكِسة له في الاتجاه. اردُموا هذه الفجوة الجيلية، والتفتوا لقضاياهم، أو دَعُوهم وشأنَهم..!
صحيفة الصيحة