قالت الزوجة الخواجية لزوجها قبل النوم:
إن روسيا دولة سيئة جداً، لماذا تتدخل في رغبة أوكرانيا في الانضمام لحلف النيتو؟ هذا قرار يخص أوكرانيا ولها فيه كامل الحرية وليس لروسيا حق التدخل فيه ، إلّا إذا كانت تريد اختلاق مبرر لغزو أوكرانيا.
لم يقل الزوج شيئاً. فقط ذهب للمطبخ وأخذ سكيناً ووضعها بجانبه في السرير، ثم قال لزوجه: فلننم الآن.
نظرت له الزوجة بعينين تفضحان خوفها وقالت له: تَبّاً ، ما هذا الذي تفعله (What the heck are you doing) ننام بجانب سكين!!!
قال الزوج: لا تقلقي، دعينا نَنَمْ. هذا إضافة إلى أن النوم بجانب سكين أمرٌ لا يعنيك، إنها حريتي في أن أفعل ما شاء!!!
قالت الزوجة: كيف أنام وأنت تنام معي ومعك سكين؟؟ ربما تطعنني بها صدفةً!!!
رد عليها زوجها قائلاً: حسناً يا سيدتي، فإذا كنت لا تثقين حتى بزوجك، كيف تتوقعين أن تثق روسيا بأوكرانيا؟؟ إن نومي بسكين لمثل انضمام أوكرانيا لحلف النيتو بالنسبة لروسيا!!!
وقبل أن أُبيِّن مناسبة الحوار الذي أوردته أعلاه، أُذكّر بأن خير من أوضح صلة الدولة بالقَوّة والعنف هو عالم الاجتماع العملاق الألماني ماكس ڤبر Max Veber في 1919 (سبقه لكن بإشارات أقرب للعموم توماس هوبز ثم الفقيه القانوني Jurist / الفيلسوف السياسي الفرنسي جين بودين). وبفضل ماكس ڤبر استقر تعريف الدولة بأنها: ” الكيان الذي يحتكر حصراً الشرعية لاستخدام القوة (العنف) في إطار صلاحياتها القانونية (أرضها)”، وما دام هذا حق محتكراً للدولة، فهذا يعني انتفاء صفة الدولة عنها إذا شاركتها أي جهة أخرى في هذا الاحتكار، لأن النتيجة ستكون فوضى ضاربة بأطنابها.
ما دعاني لأن أُورد حوار الخواجة مع زوجته هو أنني وجدت فيه تجسيداً لكثير من العلاقة الجارية الآن بين الدعم السريع والحركات المسلحة من ناحية والقوات المسلحة السودانية من ناحية أخرى . و سأشرح هذا بصورة أوضح أدناه . ولنتذكر أن جهاز الأمن كان يسيطر على الدعم السريع، ثم جعل البشير قانوناً خاصاً بالدعم السريع ، ووضعه تحت إشرافه كقائد للجيش، وظلت تلك حدود الدعم السريع إلى يوم 11 أبريل 2019. وللحقيقة فقد كان سَنّ قانون خاصٍ بالدعم السريع خطأ لأنه أعطاه كينونة، وعلمت أن كبار القادة بالجيش ابتداءً – بعبد الرحيم محمد حسين – لم يرضوا ذلك كون قواته غير مؤهلة فنياً، ولكن البشير أفادهم وطمأنهم أنه لن يتركه يتجاوز حدوده المرسومة.
وقبل هذا التاريخ عمل الجيش بمعاونة الدعم السريع بالقضاء على كل الحركات المسلحة، عدا جيبين صغيرين انحصر فيهما وجود حركة الحلو في كاودا، وعقار في النيل الأزرق. أما عبد الواحد فقد تحول إلى ظاهرة صوتية تنطلق من باريس تسخر منها حتى الخارجية الفرنسية (وهذه معلومة مؤكدة عندي).
وبعد الثورة المصنوعة فوجئنا بتلك القوة غير المؤهلة فنياً – كما قال عبد الرحيم محمد حسين وقادة آخرون – مع قائدها محمد حمدان دقلو تتبوأُ مكاناً عَلِيّاً، ويصبح دقلو نائباً لرأس البلاد!!
ثم جاءت مفاوضات جوبا، وفيها فضح تقرير فريق الأمم المتحدة خيانة دقلو الذي (تآمر) مع الحركات المسلحة للعمل ضد ” الجلابة “. وفي مفاوضات جوبا وكذلك المفاوضات مع الحلو في كاودا وعبد الواحد ظهرت مؤامرة حمدوك واليساريين والعلمانيين مع شركائهم الغربيين ( بحضور ممثلي سفاراتهم وديفيد بزلي ) ضد السودان الذي تعرفونه. وسعت كل الأطراف اليسارية والغربية لترجيح كفة الحركات المسلحة لأن تقويتها سيساعدهم في تنفيذ خطتهم لتفكيك الجيش . وعلى هامش هذا الموضوع أُفيد أن سياسياً جنوبياً أفادني أن أكثر أعضاء الوفد الحكومي تشدداً لفرض العلمانية في السودان كان خالد عمر ( المشهور بخالد سلك ) . وللحقيقة ففي مشاهد المفاوضات مع الحركات المسلحة اتضحت جليةً وطنية الفريق الكباشي الذي لم يرض شروط الحلو بفرض العلمانية، ولم يقبل شروط الحركات ومطالبها المتضخمة.
وكانت نتيجة المفاوضات إحياء موات الحركات المسلحة التي كان البشير قد أحالها إلى لافتات وقيادات تجوب العواصم ، بلا وجود فعلى قوي على الأرض في السودان، وهكذا كان اتفاق جوبا “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”
تابع السودانيون نشاط الحركات وهي توزع استمارات العضوية وتبيعها أنّى شاءت، وتابعوا بيع الزي العسكري وشارات الرتب العسكرية، ولكلٍ ثمنه. فعلت الحركات كل هذا لأنها أرادت أن تُضخّم حجمها وقوتها بعد أن فرضت (بدعم من حميدتي) على المفاوضين عدم الحق في التحري والتدقيق في حقيقة العضوية والانتماء إليها!!!
وبعدها أخذت الحركات التي أُطلق عليها حركات الكفاح المُسلح – وهي التي كانت تقتل جنود الجيش بالأمس – تتدفق على الخرطوم ولم يسألها أحد من أين لها مئات سيارات الدفع الرباعي بعد أن كانت لا تملك شيئاً. وغصّت بهم العاصمة وأظهروا في الأرض الفساد والسلب والنهب، ولا حسيب!!! بالطبع من حقهم أن يدخلوا الخرطوم وسواها لكن بلا أسلحة يُذهبون بها هيبة الدولة . وكما أن للأحزاب اليسارية والمسماة أربعة طويلة سادة بالخارج ، فلحمدوك سيد .
أما الدعم السريع فتموضع في 17 مواضع ومعسكرات بما في ذلك القيادة والقصر والإذاعة، واتخذ لَهُ استخبارات تعتقل من تشاء، وسجوناً وصار يتعدى حتى على ضباط الجيش، وسال من شعره الذهب وجرت الأموال كالأنهار من تحته، وأصبح يرشي ويشتري ذمماً كثيرة. أما قائده وأخوه فأصبحوا يفاوضون الدول ويعقدون الاتفاقيات ويمنحون القواعد العسكرية!!! ومُكِّنوا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وهكذا خلقت كل هذه القوى حالة اللا دولة Statelessness التي نرزح تحت نَيرِهَا. وطبيعي لدى مشاركة قوى أخرى الدولة في احتكار القوة أن تؤول الدولة إلى لا دولة ، ونحن الآن بلا دولة. ومن كان يُحس بوجودها فَلْيَدُلّني على مظانّها . ومما قاد لتمدد حميدتي قراران خاطئان اتخذهما البرهان أولهما إضعاف جهاز الأمن وثانيهما حل هيئة العمليات المختصة في الإرهاب وحرب المدن .
والحال كذلك فعلى الجيش أن يعدل هذا الميل، وأن يقوم بعملية ترصيص لعجلات الدولة، بكل السُبُل المُمكنة . ونفيد هنا أن بعض علماء الفقه الدستوري يُقدّمون حُسن سير دولاب الدولة على العدالة ، لإستحالة تحقيق العدالة إن لم يَسِر دولاب الدولة . على الجيش أن يستعيد الدولة بالحُسني ، فإن أبوا إلّا المُنازلة ، فليستعد الجيش لمواجهة من يبغي ، والله يقول ” فقاتلوا التي تبغي “، وقد تُزهقُ الروح ُتفدي بعضَ أرواحِ ، فهذا ضربٌ من القصاص الذي فيه حياة.
من المستحيل والخطير أن تنام الدولة في فراش واحد مع حميدتي وشركائه بسكاكينهم الطويلة.
♦️دكتور ياسر أبّشر عبد المجيد
———————————
9 مارس 2022