جثامين موتانا بالقاهرة، بين مطرقة (العريفي) وسندان ندرة توفر مدافن

صلاح غريبة

تأثرت، عندما عرفت أن رسوم تكملة إجراءات استخراج الأوراق والتراخيص والإجراءات الخاصة بتسفير جثامين الموتى السودانيين بمصر؛ وتشمل الغسل والتكفين وتكاليف استخراج شهادة الوفاة، ونقل الجثمان إلى قرية البضائع بمطار القاهرة الدولي، استعداداً لتسفيره للخرطوم، من مواطنينا القادمين للعلاج أو المقيمين أو حتى من يحملون بطاقة اللجوء من المفوضية؛ عبر المتعهد الوحيد الذي نعرفه، وتقر به قنصليتنا بالقاهرة، والمعروف بالـ(لعريفي)، بأن تلكم الرسوم، قفزت من مبلغ ثلاثة آلاف جنيه مصري إلى مبالغ خرافية، تتراوح ما بين خمسة إلى سبعة آلاف جنيه مصري، (حسب روايات البعض)، بسبب الزيادات التي طرأت على خدمات الجثامين من إجراءات التعقيم وخلافه، بسبب مستجدات جائحة كورونا.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا (العريفي) بالذات، هو المتعهد الوحيد، وليس هنالك خيارات أخرى، وبخاصة خيارات وطنية سودانية.
ثم، لماذا لا تراقب سفارتنا بالقاهرة، هذه الرسوم، وتتدخل في تقنياتها أو تخفيضها، مع العريفي نفسه، لظروف الوفاة المفاجئة وبالإضافة إلى تذاكر عودة مرافقي المريض وخاصة وهم في أغلب الأحيان، أكثر من شخص، بجانب مصاريف السفر الأخرى، وحسابات العلاج المتأخرة.
من الملاحظات التي نشاهدها في أغلب الحالات، قدوم المريض للعلاج، وكما ذكر لي دكتور بمعهد ناصر للأورام، “وهم في الرمق الأخير، واستشراء المرض، وتفشيه بصورة تعتبر لنا كأطباء، بأنه مطلوب منا، بذل الكثير من الجهد للعلاج، وفي حالات الإخفاق، ترجع “صناديق الموتى للخرطوم”.
ونذكر بأن حضور المريض السوداني وبحكم عاداتنا الطيبة وغير المنطقية ومعه العديد من المرافقين، وينضم لهم لاحقاً عدد آخر من الموجودين بالقاهرة، وعندما يحدث أمر الله، يحدث الارتباك والانزعاج، فالكل يود السفر مع الجثمان في نفس الطائرة، ويرفض السفر عبر خطوط طيران أخرى، أو تأخير السفر، وبالتالي يكون هنالك تعثر في مصاريف شراء تذاكر العودة أحياناً لبعض هؤلاء المرافقين، وأيضاً تتعثر الحجوزات.
أقدم الشكر أجزله لوكلاء حجوزات ومكاتب الخطوط الجوية الوطنية الثلاثة، السودانية وتاركو وشركة بدر، لنقلهم الجثامين مجاناً، وللتجاوب في توفير حجوزات مستعجلة لمرافقي الجثمان، مع أنه تتعثر أحياناً حجوزات المرافقين، أو أن يكون عدد الجثامين أكثر من العدد المحدد لكل سفرية، بحسب الإجراءات الفنية خاصة بشركات الطيران، مع إصرار أهل المرحوم على تسفير الجثمان بأي حال من الأحوال في أسرع وقت إكراماً للميت، وكل الملاحظات أعلاه تزعج أحياناً مكاتب الخطوط الجوية بالقاهرة.
تواصل معي الكثيرون من أفراد الجالية بمصر، كما أن بعض مجموعات وسائط الإعلام الجديد، تناولت الموضوع من عدة زوايا، وأهمها ضرورة إقامة دار مناسبات للجالية السودانية بالقاهرة وبخاصة في منطقة الدقي لتكون قريبة من موقع السفارة، وأن تكون هذه الدار لأحزان وأفراح أبناء الجالية وفق ضوابط معينة وبرسوم زهيدة تغطي مصاريف إدارية مع ضرورة طرح الموضوع على المحسنين من أبناء الجالية خاصة رجال الأعمال ومنسوبي المنظمات الدولية والإقليمية السودانيين، ورجالات الخير.
مقترح آخر بضرورة الاستعانة بالمتاح من دار مناسبات موجودة حالياً ذكرت بالاسم، ويتطلب الأمر مخاطبة السفارة لتلك الجهات مع ضرورة تكوين مجلس أمناء خيري يتبع له صندوق خيري تحت الإشراف الإداري من السفارة.
والجزء الثاني من ذات الموضوع المهم، هو البحث عن توفير الفرص لمقابر تتسع لجسد المتوفي بالقاهرة، لستر ودفن الجثامين إكراماً للميت، وتخفيف المصاريف عن أهل المتوفى، خاصة للمقيمين، بدلاً عن نقلها الى الخرطوم؛ وهذا الأمر لاحظته وسط كثير من الجاليات السودانية بالخارج، بخلاف مصر.
فقد عشت أكثر من ثلاثين عاماً بالسعودية، ومررت بتجربة ستر العديد من جثامين أفراد الأسرة والأهل والأصدقاء وعموم السودانيين بالرياض وجدة وبريدة، في مقابر معروفة، ولم أسمع أن جثماناً ما تم تسفيره من السعودية للدفن بالوطن، فكل الأراضي موطناً للدفن والستر، ويمكن للجهات الشرعية والإفتاء، مناقشة الأمر في ذلك وطرحه والدعوة له، بجانب الإعلام، لتسهيل الأمر على أسرة المتوفب وإكرام الميت.
وبالفعل نشتكي من قلة المدافن المخصصة للمواطنين السودانيين بالقاهرة، وفي هذه السانحة أشكر الإخوة في جالية السادس من أكتوبر وعلى رأسهم الأستاذ محمد أحمد أبو بسام، والذي يجاهد في توفير مدافن للمواطنين السودانيين في تلك المقابر، وكذلك الإخوة في الجبل الأصفر وعين شمس والعاشر من رمضان، رغم أن مقابر ومدافن السودانيين المملوكة للجالية بها أحياناً بعض إشكاليات الانتزاع، وتحويلها لمنافع أخرى..
الشكر لرجل البر والإنسانية “عمو جمال” والذي قام مؤخراً ومن حر ماله، بشراء مساحة من الأرض في مقابر السادس من أكتوبر لتكون رهن الجالية السودانية، وقد اطلعت على بعض الصور لها، وهي عبارة عن مبنى جيد البناء، ومحفورة شرعياً، بصورة جيدة وبها حراسة مشددة وبوابة خاصة، بجانب الكثير من التجارب من رجال الخير والبر السودانيين بمصر.
لكن أطلب من سفارتنا مواصلة الجهد في توفير مساحة أرض في المدافن على الطرق السريعة، وخاصة في صحراء السادس من أكتوبر، وطرق الفيوم والسويس، وكل الاتجاهات الأخرى خارج المدينة، فنحن جالية تزيد عن سبعة ملايين سوداني عرضة لأمر الله في الوفاة والدفن بمصر.
علمت بأن للسفارة مساحة أرض في العاشر من رمضان، ونأمل من الإخوة في تلكم المناطق، إيضاح الأمر، والى أي مرحلة وصلنا.
وفي مقالتي القادمة سيكون حديثي عن وجود السودانيين في مناطق مساكن عثمان المتاخمة لمقابر السادس من أكتوبر، وخاصة وجود أسر سودانية في مساحات أسوار وبوابات المقابر “يتسولون”، مع تغاضينا عن موضوع أنهم حملة بطاقات لجوء أو أي تصنيفات أخرى.

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version