د. هيثم محمد : هناك أسباب كانت تعرقل قيام بورصة الذهب في السودان
د. ناجي مصطفى : لهذه الأسباب (…) أستبعد أن تحل البورصة مشكلة المعدن.
مزمل الضي : تأسيس بورصة الذهب في السودان قفزة اقتصادية لمنتجي الذهب
د. فاتح عثمان : البورصة تحتاج لتواصل مع الشبكة المصرفية الدولية والبنوك العالمية
قال خبراء في الاقتصاد إن خطوة إنشاء بورصة الذهب في السودان تتطلب مجلس إدارة بخبرات كافية لوضع صياغة فنية للذهب والعقود، و وجود كميات معتبرة من الذهب المتداول، وأضافوا بأن إنشاء البورصة قفزة اقتصادية ولمنتجي الذهب، وأكدوا بأن البورصة تنهي تماماً التهريب إذا كانت حقيقية، وأشاروا إلى أن الحكومة ليس لها استعداد لاستخراج الذهب، موضحين بأنها تعتمد على الشركات الخاصة والتعدين الأهلي في استخراج الذهب.
ويأتي ذلك استجابة لقرار اتخذته الحكومة الانتقالية في وقت سابق، بإنشاء بورصة للذهب والمحصولات الزراعية ضمن مساعٍ للسيطرة على الموارد المهمة والاستفادة من عائداتها.
وطوال السنوات الماضية، كان شراء الذهب وتصديره مسموحاً به للقطاع الخاص، وحاولت الحكومة البائدة في آخر أيامها احتكاره لبنك السودان المركزي، لكنها تراجعت عن الخطوة وحررته.
ويسهم قطاع التعدين التقليدي غير المنظم؛ بنحو 75% من إنتاج السودان السنوي من الذهب، ويعمل به 2 مليون شخص، طبقاً للإحصاءات الرسمية.
بينما يسهم القطاع المنظم بنحو 25% من إجمالي الإنتاج، حيث يبلغ عدد الشركات العاملة بقطاع الذهب في السودان 361 شركة، منها 149 شركة امتياز و152 شركة تعدين صغيرة و48 شركة لمخلفات التعدين.
ويقدر الإنتاج السنوي للذهب في السودان من القطاعين المنظم والتقليدي، بأكثر من 100 طن، بما تفوق قيمته 5 مليارات دولار، ولا يصدر من هذه الكمية سوى 25 طناً عبر القنوات الرسمية، بسبب تعرضه لعمليات تهريب واسعة.
لوائح وقواعد
ويتساءل الباحث والاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي عن كيفية إنشاء البورصة وهل ستكون في صورة كيان مؤسسي حكومي شبه ذاتي التنظيم، أو بورصة خاصة أو شركة مساهمة سودانية مع بورصات أجنبية، أو كيان “شركة” تضم شركاء من بورصات إقليمية ودولية، وقال في حديثه ل”اليوم التالي” إن أبرز المتطلبات لإنشاء تلك البورصة، هي مجلس إدارة يمتلك خبرات كافية لوضع صياغة فنية للذهب والعقود، إضافة إلى الاستعانة بشركة إدارة لديها خبرات سابقة فى بورصات الذهب حول العالم لإنشاء بورصة سودانية متخصصة بالذهب وإدارتها بكفاءة فى فترتها الأولى، إلى جانب توفير تدريب خارجى للعاملين ورفع كفاءتهم، معتقداً أن هذا ما كان يعرقل قيام بورصة الذهب في السودان ونجاح التجربة، وطالب بضرورة وجود كميات معتبرة من الذهب المتداول، مع وجود عدد مقدر من الفاعلين في البورصة وتوفر إطارٍ قانوني واضح، مع وجود اللوائح والقواعد التي تحكم التداول والتسوية والمقاصة و وسائل مراقبة الامتثال للقواعد وإنفاذها وبيئة تنظيمية.
إنتاج وتهريب
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، مزمل الضي عباس، إن إنشاء بورصة للذهب في السودان خطوة في الاتجاه الصحيح، وبرر ذلك لأن معظم ذهب السودان يتم إنتاجه بكمية مهولة في مناطق مختلفة من شمال السودان وغربه وكردفان وغيره، مبيناً أن معظم هذا الإنتاج يهرب، مضيفاً أنه في العام 2019 كانت كمية الذهب 43 طناً والمصدر منها 21 طناً فقط، وتساءل أين ذهب بقية الإنتاج ؟، ويزيد بأن نسبة مساهمة إجمال الصادرات 26 مليون دولار، بينما عائد الصادرات لا يزيد عن 900 مليون دولار.
عقوبات مفروضة
ويشير مزمل إلى أن تأسيس بورصة الذهب في السودان يساعد كثيراً ، معتبراً أنها قفزة اقتصادية وقفزة لمنتجي الذهب، وبرر ذلك بأن الأسعار في السودان ستكون موحدة عالمياً، وذلك لربطها ببورصة دبي وروسيا وأمريكا وغيرها من الدول، لافتاً إلى أن السودان في السابق كان يهرب الذهب لدول أخرى لعدم وجود الختم التعديني في السودان وذلك بسبب العقوبات المفروضة على السودان، موضحاً أن السودان يهرب لتلك الدول لتقوم بعمل الختم التعديني وهو معروف عالمياً .
تطبيق قانون
وأكد مزمل بأن بورصة الذهب في السودان الآن جاهزة، وقال في حديثه لــ”اليوم التالي” قمت بزيارة هذه البورصة وكانت مكتملة، ما تبقى هو تطبيق القانون لعملية البورصة وآلياتها وإدراجها في سوق الخرطوم للأوراق المالية، ويبشر مزمل بأن هنالك فوائد اقتصادية عقب إنشاء البورصة، وقال: عند خلق سوق بورصة للذهب هذا يعني أن كل منتجي الذهب سيبيعون في السودان بالأسعار العالمية بدلاً من التهريب، إضافة إلى أن كمية كبيرة من الشركات سيكون لها الرغبة في شراء وبيع الذهب في السودان، وتابع.. وجود البورصة يعني أنها ستدرج في سوق الخرطوم للأوراق المالية، وهو ما يعني انضمام عدد كبير من الشركات والمؤسسات المالية، وهو ما يخلق تداول ورؤوس أموال في الدولة، قائلاً إن مشكلة السودان هي خلل في مشكلة التمويل ورؤوس الأموال.
تحقيق للناتج
ويؤكد مزمل أن باتباع هذه الخطوات سيتيح السودان كمية كبيرة من الوظائف وثقافة جديدة لأسواق مالية للسودانيين، موضحاً أن الشعب السوداني لا علم له بثقافة الأسواق المالية وأهميتها وكيفية استثمارها وشراء أسهم أو سندات معينة، بل يتبع شركة معينة لتحقيق أرباح من خلالها، واعداً أنه من خلال ذلك سنؤسس لرأس مال ويعمل بطريقة جيدة وستضيف مساهمة كبيرة لإنتاج الذهب وتحقيق الناتج القومي المحلي.
احتياطي الذهب
وقال مزمل إن مساهمة صادر الذهب في العام 2019م 27% كانت تدخل الموازنة، وتساءل ماذا إذا تم رصد كل الإنتاج من الذهب في السودان عن طريق التعدين التقليدي والحديث الــ43 طناً من الذهب وتم بيعه بالأسعار العالمية وأضيف إلى الموازنة ؟، وطالب مزمل بضرورة وجود احتياطي من الذهب في بنك السودان، قائلاً إن معظم الدول تضع احتياطياً من الذهب والنقد الأجنبي والاستعانة بهما في حالة الكوارث الاقتصادية تتعافى بها الدول.
تعدين أهالي
ولخص الخبير الاقتصادي دكتور، ناجي مصطفى ، مشكلة الذهب التي تحاول الدولة معالجتها بعدد من السياسات المالية والأمنية والاقتصادية لخصها في أن الحكومة تريد الذهب وتريد العائد منه بالدولار، وقال في حديثه لــ”اليوم التالي” إن الحكومة ليس لها استعداد لاستخراج الذهب، موضحاً أنها تعتمد على التعدين الأهلي في توفير الذهب والدولار، وتابع.. إما أن يكون الذهب كالبترول تقوم الحكومة باستلامه وتعمل به وتوفر العائد منه لصالح التنمية، أو تدع المواطن يعمل ويدفع ضريبة ويجب أخذها من صاحب المحجر في التصديق.
عدم رقابة
ويشير إلى أن هذه المشكلة لن تحل ببورصة أو بمنع بيع وتهريب الذهب، لافتاً إلى أن هذه المشكلة تعالج بمعادلة اقتصادية مرضية للطرفين ويقوم على ترتيبها ومراجعتها جهاز أمني قومي، وطالب بمحاربة الفساد قبل تطبيق هذه المعادلة، وقال؛ أينما وجد الذهب وجد المال والفساد، وتابع : الذهب أصبح طبيعة عالمية وليس داخلياً فقط، لجهة أن هناك دولاً تشتري هذا الذهب، وتساءل لماذا يتهرب المعدنون ويحاربوا الدولة ؟، وأجاب لأن هنالك دولاً تشتري الذهب بسعر مجزٍ، مستبعداً أن تحل البورصة هذه المشكلة؛ لأن المعدن لن يجلب الذهب إلى البورصة بسبب دفع الضرائب، مؤكداً أن المشكلة لا تكمن في عدم استطاعة المعدن من بيع ذهبه، بل في عدم الرقابة، فالحكومة تريد عمل البورصة لتراقب المعدن وبدوره لن يأتي.
حق عام
ويرى دكتور ناجي أن مشكلة الذهب في السودان هي مشكلة أمانة وفساد، موضحاً بأنها أمانة؛ لأنه عندما يستخرج المواطن الذهب يجب أن يدفع ضريبة لأنه حق عام، وأوضح بأنه فساد؛ لأن الأجهزة الرقابية مخترقة بواسطة أشخاص واستطاعوا اختراق المعدنين وإقناعهم، وقال إذا كان الذهب في السوق بــ100 والحكومة تدفع 90 وتأخذ 10 فمن المؤكد المعدن لن يبيع للحكومة، وطالب بضرورة فرض هيبة الدولة في قضية الاقتصاد لا سيما في المسائل المرتبطة بالحق العام، وقال في ختام حديثه بأن الحكومة حاولت من فترة تقنين الذهب لكنها في النهاية لم تستطع؛ لأنها تقنن لاستخراج حقها.
بورصة جاهزة
وأكد الخبير الاقتصادي دكتور فاتح عثمان، بأن إنشاء بورصة الذهب ينهي تماماً التهريب، بحثاً عن سعر عادل إن كانت البورصة حقيقية ومفتوحة للشركات العالمية، واستبعد بأن يتوقف التهريب لدول ذات أسعار أعلى من السوق العالمية، لافتاً إلى أن التهريب الآن محصور في الهند التي يباع فيها الذهب بزيادة 20% عن السوق العالمية، ويبين أن فكرة البورصة تحتاج لتواصل مع الشبكة المصرفية الدولية ومع البنوك العالمية، قاطعاً أن هذه أشياء لم تتحقق حتى الآن، وتابع قائلاً : الأمل ضعيف في أن تكون البورصة جاهزة للعمل بشكل سلس ووفق المعايير العالمية في أقل من سنتين.
الخرطوم : أمين محمد الأمين
صحيفة اليوم التالي