بالاستقالة أو الإقالة كان من الضروري تغيير محافظ بنك السودان الفاتح زين العابدين؛ بل إن هذا التغيير تأخر كثيراً .
أكثر من عامين لم يتمكن محافظ بنك السودان من إحداث أي إصلاحات في القطاع المصرفي ..شهد خلالها بنك السودان خللاً واضحاً في سياسات النقد الأجنبي، وسياسات الصادر؛ خاصة تصدير الذهب، وعدم استقرار في سعر الدولار أدى الى انهيار كبير في العملة الوطنية وانتعاش كبير في السوق الأسود .
خلال هذه الفترة ضعفت الحماية القانونية، وأصبح الكشف عن حسابات وأموال المودعين في البنوك لا تخضع لقوانين بنك السودان المركزي .
برغم أن التغيير مطلوب؛ لكن يظل هنالك سؤال حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التغيير المفاجئ برغم أن د.الفاتح سبق وأن تقدم باستقالته وتم رفضها.
أيضاً السؤال؛
ما المتوقع عمله من المحافظ الجديد (القديم) حسين جنقول في ظل ظروف سياسية واقتصادية معلومة للكافة؟
يعد جنقول من ابناء بنك السودان المركزي ،تدرج في عدة وظائف وإدارات إلى أن وصل نائباً للمحافظ ثم محافظاً، ولم يستمر طويلاً لأسباب أيضاً كانت معروفة.
كثيرون رأوا تولي أحد ابناء البنك الموقع خطوة للأمام وذلك لجهة إلمامه بتفاصيل مهمة قد تساعده في تسيير الأداء بالصورة المطلوبة، لكن مما يؤخذ على حسين جنقول، رغم الكفاءة والمهنية التي تميزه، أنه بطيء في اتخاذ القرار.
قد تكون هنالك أسباب موضوعية أثرت في أداء البنك المركزي السنتين الماضيتين، أهمها أن تحريك سعر الصرف مثلاً لم يكن بيد سياسات يتخذها..الآلية مسؤولية مشتركة بين بنك السودان والأجهزة الأمنية .
كذلك فترة الفراغ الدستوري التي تمر بها البلاد شجعت على كسر القوانين واللوائح بصورة واضحة، عدد من تجار العملة رجعوا من الخارج بعد ما شعروا بضعف المساءلة القانونية .
الوضع الحالي في القطاع المصرفي يحتاج إلى عمل جبار للوصول إلى الإصلاح .
لقد شهد هذا القطاع تعطيلاـً تاماً لقانون تنظيم العمل المصرفي، والرقابة على البنوك، وانعدمت الشفافية والحوكمة، خاصة في البنوك الحكومية وعدد من البنوك الخاصة التي استمرت فترة طويلة جداً بلا مديرين عموميين، تخضع إداراتها التنفيذية لمديرين مكلفين جيء بهم من إدارات المخاطر والإدارات الأخرى، الأمر الذي تسبب في إيقاف أي تطور في الخدمات والتقنية وعمليات التمويل والعمل المصرفي عموماً، في توقيت ينظر فيه الجميع الى القطاع المصرفي كواحد من مؤسسات التغيير المنشود، خاصة بعد الانفتاح الخارجي الذي حدث مؤخراً .
عدم التنسيق بين البنك المركزي ووزارة المالية كان واضحاً في التخبط الذي صاحب الأداء الاقتصادي الفترة الماضية.
تمظهر ذلك في سياسات الصادر والوارد، وظهور عمليات صادر خارج المنظومة المصرفية والقنوات الرسمية عبر التهريب. كما هو الحال بالنسبة لسياسات تصدير الذهب ، واستخدامات حصائل الصادر لاستيراد السلع الأساسية والضرورية .
التخبط في السياسات الخاصة بالذهب وعدم استقرارها وفتح التمويل المصرفي لمخلفات الذهب خلقت فوضى وانفلات في سعر الصرف .
البنوك حتى تجاري الارتفاع في معدلات التضخم، أصبحت تفرض هوامش أرباح عالية جداً، فأصبح التمويل المصرفي غير مرغوب فيه لدى كثير من القطاعات، في المقابل انتشرت ظاهرة المرابين كبديل للبنوك في عمليات التمويل،وهم فئة تحتكم على نسبة عالية جداً من السيولة النقدية.
من المهم جداً عمل تقييم وتحليل لأثر السياسة المتبعة حالياً كآلية لاستقرار سعر الصرف، وهي مزادات البنك المركزي لبيع النقد الأجنبي، وفقاً للطلب المقدم لتمويل استيراد السلع عبر البنوك التجارية .
فالملاحظ أن الأسعار التي يعلنها بنك السودان عبر المزاد؛ أصبحت تطارد السوق الأسود بصورة كبيرة .
صحيفة اليوم التالي