400.658 يعيشون في الخرطوم دون قيود
استراتيجي: السودان نقطة عبور اللاجئين إلى أوروبا وإسرائيل وأمريكا
اقتصادي: لا توجد استراتيجية وطنية وأصبحنا سوقاً لتجارة البشر
قانوني: يعمل معظم اللاجئين خارج القانون وتحوّلوا لعصابات وجواسيس وهم وراء جرائم القتل والسلب والنهب
معتمد اللاجئين: خطة تسجيلهم سوف تكتمل بنهاية هذا العام ولا بد من (…)
كشفت آخر إحصائية صادرة عن معتمدية شؤون اللاجئين في السودان، عن 1.284.625 لاجئاً ولاجئة يقيمون داخل معسكرات البلاد تم حصرهم وتسجيلهم حتى شهر سبتمبر سنة 2021م، وثلاثة أضعاف هذا الرقم غير مسجلين ومنتشرين في بقاع البلاد.
خلال الثلاثة اعوام الماضية، حدث تدفق كبير للاجئين مما حولت السودان ملاذاً للجنسيات التي تعاني من تردي الاوضاع المعيشية وجعله وجهة للفارين والهاربين من الصراعات والحروب الدائرة في بلدانهم والمتأثرين بموجات الجفاف والتصحر.
شكاوى عديدة وردت إلينا من مواطنين في ولاية الخرطوم تفيد بأن أجانب لاجئين تعدوا على أراضيهم ومبانيهم السكنية غير المُكتمل تشييدها ما أحدث فوضى وأزعجهم كثيراً بعد الدخول معهم في مشاكل ومشاجرات كادت تودي بحياة بعضهم.
لهذا السبب وأسباب اخرى .. قررت “الصيحة” فتح ملف اللاجئين في السودان ، مستفسرة عن أوضاعهم بالبلاد وأين يعيشون وكيف ؟ ولماذا السودان ؟ وماذا عن المعسكرات التي تأويهم؟ وما تأثيرهم على حياة السودانيين ؟ وغيرها من الاستفهامات يجاوب عليها هذا التحقيق.
1
رغم الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي يعيشها السودان والتي دفعت كثير من أبنائه للنزوح ثم الهجرة طلباً للجوء في الدول الأوروبية عن طريق قوارب الموت ، منهم من كان مصيره طعما للأسماك في البحر المتوسط ، ومنهم من وصل إسرائيل تحت “لعلعة” الرصاص خلال العقود الماضية ، الا ان حدود السودان المترامية ظلت تستقبل في اللاجئين.
“منوال” (36) عاما منحدر من دولة جنوب السودان ، ظل يعاني الفقر والتشرد منذ انفصال الجنوب عام 2011م ، رغم انه كان ضمن المؤيدين للانفصال، الا أنه لم يكسب سوى المعاناة والجوع والفقر، فعاد مجددا الى السودان لاجئاً ليختار محيط كمائن الطوب في مدينة الجريف شرق بمحلية شرق النيل مسكناً، فهو يعول أسرة مكونة من 8 افراد ظلت تواجه صعوبات معيشية سيئة، فلجأت لصناعة الخمور، الامر الذي تسبب في أزمة حقيقية وقلق للسكان الذين اعتبروا خلال حديثهم لـ”الصيحة” ان التواجد غير المقنن “لمنوال واسرته” فيه تعدٍ على حقوقهم ويؤثر على الوضع الأمني والبيئي.
2
” منوال” واحد من لاجئي الجنوب غير المسجلين في معتمدية اللاجئين، لذلك لا تجد له مكانا ثابتا فيظل يتحرك هنا وهناك كغيره، مرة ينصب “راكوبة” تحت اعمدة عمارة غير مكتملة التشييد وتارة يعود للسكن حول الكمائن.
لاجئو جنوب السودان ليست وحدهم الذين يعانون عدم المأوى ويبحثون عن الامان في الملجأ الذي اختاروه، فحال جنسيات كثيرة مثلهم ، ورا ء كل لاجئ قصة تشرد وهروب من الوطن ، بالمقابل يشكلون أزمة للدول التي يتجهون نحوها.
3
تبين احصائية صادرة من المعتمدية تحصلت عليها “الصيحة” توزيع اللاجئين حسب الولايات ، حيث يبلغ عددهم في الخرطوم
4000,658 لاجئاً بنسبة 31.46% تم حصرهم وتسجيلهم حتى 31 ديسمبر سنة 2021م، مقابل 2.555.94 لاجئاً بنسبة 19.20%
في الولايات الشرقية ، فيما يعيش في ولاية النيل الابيض 2,703.24 لاجئاً بنسبة 21.22% ، اما في ولاية غرب كردفان يبلغ 62,680 بنسبة 4.92%.
وتشير بيانات الاحصائية إلى 40,402 لاجئ في ولاية جنوب كردفان تبلغ نسبتهم 3.17% ، فيما يبلغ العدد الكلي في ولاية غرب دارفور 426 الفاً بنسبة 0.03%، وفي شرق دارفور
106,749 بنسبة 8.38% ، اما حجمهم في جنوب دارفور
52,027 ونسبتهم 4.09% ، مقابل 10.092 يضمهم اقليم وسط دارفور بنسبة 0.79% ، و في ولاية الجزيرة يوجد 17,467 بنسبة 1.37%، اما النيل الأزرق يعيش 4,009 بنسبة 0.31% ، وفي شمال دارفور يوجد،21,047 بنسبة 1.65% بينما يعيش في مناطق أخرى نسبة 3.39% ويبلغ عددهم 43,150.
4
بالنظر لتقسيم اللاجئين المسجلين رسمياً من السلطات المختصة حسب الجنسيات وفقا لذات الاحصائية الرسمية ، يوجد 863,423 لاجئاً من دولة جنوب السودان و132,958 من اريتريا و115,348 من اثيوبيا و4,612 من تشاد وعدد 95,642 من سوريا و3,745 من اليمن بالاضافة الى 32,057 جاءوا من أفريقيا الوسطى وحوالي 36,840 لاجئا من جنسيات أخرى.
5
بدأ السودان يتعامل مع اللاجئين منذ ستينات القرن الماضي فكان اول تدفق لهم وفقاً للمعتمدية في العام 1964م وهم الكنغوليون، بعدها جاءت تدفقات كثيرة ويمثل الشرق المكان المستهدف في التعامل مع اللاجئين الاريتريين والإثيوبيين حتى اليوم ، حيث يتمتع المقيمون في المعسكرات بدعم المنظمات واهتمام الدولة ، فيما يفتقد غير المسجلين واعدادهم كبيرة جدا للدعم.
6
يؤكد خبراء تحدثوا في “التحقيق “، ان الأجانب اللاجئين يعيشون في السودان من غير اي قيود او سجلات قانونية وأصبحوا منتشرين في كل مكان، واشاروا ان اخلاق السودانيين الذين يتعاملون بأريحية مع الأجنبي جعل كثيرا منهم يتدفق الى البلاد هرباً من بلدانهم من دول الجوار الأفريقي بحثاً عن حياة كريمة فيها قوت ليكون السودان منطقة عبور لدول أخرى.
7
افاد الخبير الاستراتيجي د. ياسر صلاح ” الصيحة ” ، ان معظم اللاجئين في السودان من إثيوبيا واريتريا ، يأتي اختيار اللاجئ الإثيوبي السودان كنقطة عبور الى أوروبا وامريكا وأستراليا واسرائيل، بالاشارة الى إعداد كبيرة من لاجئي جنوب السودان وسوريا واليمن وأفريقيا الوسطى ودول أخرى أفريقية والذين شردوا من مصر لأسباب ايديولوجية سياسية تواجدهم غير مقنن.
وامتدح الخبير الاقتصادي زين العابدين أدهم، الشعب السوداني بالكرم مع الغريب والأجنبي، وتابع بالتالي غالبية اللاجئين يعيشون مع المواطنين في الأسواق والاحياء يتقاسمون مع المواطن حتى الخبز مع غياب استراتيجية وطنية للتعامل معهم.
واضاف لـ” الصيحة ” معظم اللاجئين يعملون في المطاعم والفنادق والمزارع والمصانع، مشيرا لعدم وجود معسكرات كافية مما شكل معضلة كبيرة بسبب الانتشار غير المقنن ، مما حول البلاد الى سوق لتجارة البشر من خلال تسلل الكثير منهم للهروب بالتالي يقعون فريسة سهلة لتجار البشر بغرض إدخالهم المدن أو تسفيرهم لخارج البلاد بطرق غير شرعية الى دول شمال أفريقيا أو مصر حيث قوارب الموت بالبحر الأبيض المتوسط.
8
وجد اللاجئ اليمني والسوري معاملة خاصة من النظام المخلوع تبعا لحديث أدهم، حيث منح عدد منهم الجنسية السودانية وجواز السفر، فمنهم من غادر السودان لدول عربية أو دول أخرى ومنهم من يتاجر بين السودان وتلك الدول كرجل أعمال ومستثمرين في السودان بالتالي تمتعوا بحقوق المواطنة ويتعاملون في كل مجالات العمل والمهن بكل حرية حتى الذين منهم من لم يتمنوا الحصول على الجنسية السودانية.
يقول القانوني د. عبد العظيم بكري احمد يوجد 85 في المائة من اللاجئين بالعاصمة بمدنها الثلاث ، يعملون أعمالا هامشية همهم الحصول على المال بأي طريق ، منهم من يقوم بالسرقة والنهب والقتل ويرجع الى دولته ، وحوالي ٢٠ في المائة يعملون في وظائف ” التسول والشحدة” ومنهم عصابات منظمة توزع هؤلاء “المتسولين “، وفئة اخرى اختارت ” الاستوبات” وهم مجموعة من الصغار.
9
يضيف بكري، لدى الدولة سجل للاجانب ولم تحصر اي اجنبي بالبلاد، فكل المسجلين بسجلات الأجانب لهم مصالح محدودة اما ٩٠ في المائة خارج الحصر ومعظمهم يعملون خارج القانون، مخدرات ومشروبات كحولية وسرقات وجواسيس “حدث بلا حرج” وبلا رقيب، والمنتشرون في الأسواق والاستوبات مهمتهم رقابية ورفع تقرير لرؤسائهم لتنفيذ الاجرام سرقة عربات، سرقة اشياء محمولة، دكاكين، بيوت اشخاص دون حصر هدفهم الحصول على المال.
وتابع بالقول “للاسف لا توجد حملات من قبل الأجهزة الامنية المتخصصة او غير المتخصصة لحصر اللاجئين”.
10
تبقى مشكلة الحصر والتسجيل هي الأزمة التي تواجه البلاد في هذا الاطار افادت معتمدية شؤون اللاجئين ” الصيحة ” ، ان تسجيل اللاجئين يعتبر هدفاً استراتيجياً، معلنة عن خطة للتسجيل تسبقها حملة كبيرة ، مناشداً المواطنين للإسهام في ذلك من خلال تنبيه اللاجئ الذي بقربه نظراً انهم ليسوا جميعاً في المعسكرات ذلك وصولا الى تسجيل كل اللاجئين في السودان حتى نهاية هذا العام ومعرفة توزيعاتهم لتسهيل تقديم الخدمات، مؤكداً التزام السودان بذلك امام المجتمع الدولي، مشيرا إلى عدم معسكر للاجئين المسجلين وغير المسجلين في الخرطوم ، فهم مشتتون في المناطق المفتوحة وعددها سبع في المحليات السبع بمعدل 2 في جبل اولياء وواحد في ام درمان بالاضافة الى منطقة التكامل في شرق النيل وود البشير في ام درمان ، شارحاً كلمة مفتوحة تعني انها خطة اسكانية يوجد بها القليل من المساحات الخالية غير المُشيّدة يملكها مواطنون بالتالي يسكن اللاجئون في المباني التي ما زالت تحت التشطيب ومساكنهم عبارة عن رواكيب صغيرة يجلسون فيها.
11
واضافت المعتمدية، تجمع الخرطوم كل الجنسيات لكن العدد الاكبر بواقع 70% من وجود اللاجئين في الخرطوم جنوبيون بالاضافة الى بعض القبائل من جنسيات اخرى ومناطق تمركزهم واضحة في الديم والجريف وهم الاثيوبيون والاريتريون وحالياً تمددوا في كل بقاع الولاية بمختلف الجنسيات.
وتوضح مساعد معتمد اللاجئين سهير الصادق، أنشئت المناطق المفتوحة عند انفصال الجنوب ، وهي تتلقى الدعم من كل المنظمات، لكن هناك منظمات ترفض تأييد مدارس في مساحات ملك للمواطنين، ترى من واجب الحكومة تخصيص أراض واسعة لبناء معسكرات.
12
وتشير ان الجنوبيين يعيشون في العديد من المناطق السكنية بالخرطوم كمثال مدينة الأزهري جنوب الخرطوم، يصعب عليهم الرحيل الى الولايات وشكت من المشاكل القبلية بين الدينكا والنوير وتأثيرها على السكان، واضافت انهم كجهة مختصة يواجهون صعوبة التدخل لمعالجة المشاكل جراء التواجد غير القانوني الذي أحدث تراكمات منذ الانفصال.
تتفق سهير مع حديث الخبراء في مشاركة اللاجئين الخدمات الضرورية للمواطنين وقالت لـ” الصيحة ” انهم يشكلون ضغطاً في الخدمات الصحية والمعيشية والغذاء، كاشفة عن إحجام بعض المنظمات عن تقديم الدعم وتراجع المتوفر بسبب جائحة “كورونا”، مؤكداً طلب الكثير من الجنسيات اللجوء إلى السودان لإعادة التوطين.
13
قال معتمد اللاجئين في السودان موسى علي عطرون لـ” الصيحة “، المعتمدية مسؤولة عن اللاجئين باعتبارها مستشارة الحكومة في اي شأن له علاقة بهم ذلك بالشراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وعبرها تأتي المنظمات العاملة في شؤون اللاجئين، موضحاً يأتي تمويل انشطة المعتمدية من المفوضية وبعض المنظمات التي تعمل بأموالها من مواردها الذاتية، ومنظمات أخرى تتعامل مع المفوضية، وتتمثل الأنشطة في الخدمات الاساسية المقدمة للاجئين “تعليم ـ صحة ـ ماء” وخدمات حماية من ناحية قانونية وغيرها، مبينا وجود عدد من المعسكرات في ولايات السودان الشرقية والغربية والوسطى يقيم فيها المسجلون فقط.
14
بحسب عطرون, وضع السودان خطة لتقنين وتسجيل اللاجئين تعمل فيها المعتمدية بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين خلال هذا العام، كان من المؤمل ان تكتمل عملية التسجيل في خطة 2021 ـ 2022م لكن ثمة اسباب كثيرة وقفت حائلاً، مؤكداً تكثيف العمل خلال هذا العام بالتنسيق والتناغم مع السجل المدني حتى يكون لدى اللاجئ سجل تعريفي ورقم يثبت انه لاجئ في السودان، ويوضح ان هدف التسجيل استراتيجي يساعد في تنظيم تواجد اللاجئين ويغلق أمامهم باب استخراج الرقم الوطني والجنسية.
15
وقال في سياق الخطة تعمل وزارة الداخلية في اتجاه تسجيل كل الاجانب واللاجئين بالسودان عبر السجل المدني لتوفر المعلومات الكافية وتمكن السلطات من اتخاذ القرارات بشأنهم.
وقال يتلقى اللاجئون المسجلون والمقيمون في المعسكرات مساعدات من المفوضية و المنظمات الاخرى ، بالتالي فان اي لاجئ غير مسجل ومنتشر في بقاع البلاد المختلفة يشكل مهدداً أمنياً ومعيشياً وله تأثير مباشر ويشارك المجتمع في كل الخدمات الصحية والعلاجية والتعليمية حتى مرحلة الاساس ، وتواجدهم الكبير خاصة.
16
واشار عطرون الى شكاوى عديدة وردت الى المعتمدية تشير الى تسبب اللاجئين في مشاكل خاصة في الخرطوم، لان تواجدهم مشتت كما يشكلون هاجسا للجهات الامنية التي تحاول ان تعمل على تنظيمهم ويستعصى ذلك حتى يتم التسجيل ، مؤكداً ان تنفيذ الحملات عليهم ممنوع بالقانون في السودان وان التصرف معهم يتطلب التسجيل والتقنين، من ثم امكانية تقديم خدمات لهم وإلزامهم بالقوانين الوطنية، وتابع ان الكنترول على اللاجئين غير المسجلين صعب جداً، مطالباً بضرورة تخصيص اراض لبناء معسكر في الخرطوم، وذكر يحدد دخول اللاجئ وتسجيله قانون تنظيم اللجوء السوداني لسنة 2014 ، ولا يمنح حق اللجوء لكل من “هب ودب” فهناك ضوابط تحدد تحركات اللاجئين، وتلزم السودان بالمرونة في التعامل كما يمنح القانون المعتمدية حق التنسيق مع المنظمات التي تقدم الخدمات للاجئين.
الخرطوم: انتصار فضل الله
صحيفة الصيحة