النيل الأزرق.. مطلوبات وأفاق التنمية

النذير إبراهيم العاقب
شهد إقليم النيل الأزرق الكثير من الأحداث والتطورات خلال الفترة الماضية التي أعقبت ترسيخ مبدأ الحكم الذاتي وتطبيقه بالإقليم، فضلاً عن الخطوات الجادة التي ظل يتخذها حاكم الإقليم الفريق أحمد العمدة في سبيل تحقيق أكبر قدر من التنمية، وذلك من خلال العديد من البرتكولات والتوقيعات مع العديد من الشركات العامة لإنفاذ العديد من المشاريع التنموية بالنيل الأزرق.
ولعل واقع الإقليم الآن يتطلب بذل الكثير من الجهد ومن قبل كافة مكونات الإقليم بدءاً من حاكم الإقليم الجديد والأحزاب السياسية والإدارة الأهلية وقيادات المجتمع المدني للعمل الجاد والتكاتف والتعاون ونبذ كل ما يفضي للفرقة والشتات، لجهة ترسيخ مبدأ التنمية الشاملة في الإقليم، والشروع الفوري في إنزال برامج التنمية السياسية وذلك بخلق الظروف والأجواء الملائمة للحياة الديمقراطية من خلال التركيز على مقومات المشاركة السياسية التي تعد أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية، من خلال خلق درجة عالية من الوعي السياسي بالقضاء على الأمية والتخلف، وتفعيل التنظيمات والأحزاب السياسية وجماعات المصالح والضغط، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وبناء المؤسسات السياسية للقوى المشاركة في العملية السياسية، على أن تتعرف السلطة على آراء ورغبات الجماهير وتوجهاتهم، مع ضرورة تطبيق مبدأ التعددية السياسية المستصحب لاختلاف الرأي والأفكار والتوجهات وفي المبادئ الأيديولوجية، والمصالح الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يوجب أهمية وجود أحزاب ذات برامج متطورة للمشاركة في عملية التنمية والتداول السلمي للسلطة، فضلاً عن حماية واحترام حقوق الإنسان، والبعد الكامل عن النزعات العنصرية وتأجيجها وسط مكونات الإقليم القبلية، والتي تعد من أكبر معوقات التنمية السياسية، وتعني بالطبع انتماء الفرد للقبيلة وللجماعات العرقية، وليس للدولة أو الحكومة المركزية، الأمر الذي يستدعي شروع حكومة الإقليم في العمل الجاد لمحاربة ارتفاع نسب الأمية المعرفية، وتفشي العنصرية بشكل مريع، ووضع السياسات الفاعلة للقضاء على الفقر وتدني مستوى الحياة الاقتصادية، وسوء توزيع الثروة وتركزها في يد طبقات محددة، وهو ما أسهم بشكل كبير في عزوف الطبقات الدنيا عن المشاركة السياسية، ولعل من أهم ركائز إصلاح الإعوجاج الحادث الآن في النيل الأزرق يتمثل في التواجد الفعال للسلطة والذي يتعلق بمدى قدرة بسط الحكومة لسلطة قوتها وسريان كافة القوانين على جميع مكوناتها، ومدى تحقيق الانضباط والاستقرار، وذلك سواء كان برضى المحكومين أو عدم رضاهم، إذ أن بسط الحكومة سيطرتها يؤدي إلى الاستقرار السياسي، وأن كثيرًا من دول العالم الثالث تعاني من عدم قدرتها على بسط سلطتها ونفوذها، إما لأسباب جغرافية كاتساع حدود الدولة أو وجود العرقيات المتعددة والأقليات، فضلاً عن أهمية التوزيع العادل للثروة، والذي يتعلق بمدى قدرة الحكومة على توزيع الموارد والخدمات على كافة أرجاء الإقليم، لاسيما وأن كل المحليات تعاني من سوء توزيع الثروة وندرة الموارد، إذ تتمتع أقلية من المجتمع بالامتيازات، بينما يعاني الأكثرية من الحرمان والفقر والبطالة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى صراع طبقي بين أبناء الإقليم، وجنوح الأكثرية المعدمة إلى انتزاع السلطة من أجل القضاء على هذا التمايز والتفاوت، حيث أن سوء التوزيع من شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وبالتالي حدوث الاضطرابات وتعطل البنى التحتية بكافة جوانبها. زد على كل ما سبق الضرورة القصوى لجهة تحقيق الاستقرار السياسي، إن استقرار الإقليم والنظام السياسي فيه، عاملان مهمان ورئيسان لحدوث التنمية السياسية وغيرها من القطاعات، إذ أن الإقليم ذو التجانس العرقي والديني تتشكل فيه الوحدة الوطنية على عكس الدول الكبيرة ذات العرقيات والأديان المتعددة، ولاشك أن عدم المساواة بين هذه الجماعات يؤدي إلى اشتعال الصراعات والحروب الأهلية، وبالتالي عدم الاستقرار السياسي. وحقاً نريد لمؤسسات إقليم النيل الأزرق خلال المرحلة القادمة، وفي لأجل ترسيخ مبادئ الحكم الذاتي أن تعبر عن استقرار النظام السياسي فيه، بعكس الكيان العضوي والوظيفي المرتبط بأيدولوجية المجتمع، وهذه المؤسسات التي تقوم بالوظيفة السياسية في مؤسستي التشريع والتنفيذ، وبالتالي فإن استقرار النظام يلزمه استقرار المؤسسات، حيث ظل النيل الأزرق طوال الفترات الماضية يعاني بشدة من عدم تفاعل القوى السياسية والمكونات القبلية فيها من تداول السلطة بشكل ديمقراطي وسلمي، إذ يعد الاختلاف السياسي الحاد فيه السبيل الوحيد للسلطة، ولذلك لا بد عن تحييد المكونات السياسية بالإقليم وحصرها في الإطار الأمني وحماية الإقليم وإدارة الحروب. الأمر الذي يستدعي تنظيم السلطة بالاحتكام لنظام قانوني، المتمثل في الدستور الذي يرسم طريقة الحكم، وينظم علاقات الحكم بالمحكومين، وينظم مبدأ فصل السلطات. ولعله متى ما تحقق ما ذكر أعلاه واقعاً، فبلا شك ستتحقق التنمية السياسية وتتوثق علاقاتها التكاملية بالتنمية الاقتصادية، حيث لا يمكن الفصل بينهما، فهناك تداخل وترابط بينهما، فلتحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين مستوى المعيشة، وتطوير القطاعات الصناعية، والزراعية، والتجارية، لا بد عن توافر ظروف السياسية متمثلة في الاستقرار السياسي والمجتمعي، وهي أسس التنمية السياسية التمنية السياسية تتطلب ترشيد القرار السياسي الذي يؤدي إلى استغلال عقلاني وموزون للموارد المادية والبشرية، وكذلك رسم السياسات العامة ووضع الإستراتيجيات الاقتصادية وإنشاء المشاريع التنموية والإشراف عليها، كما أن التنمية السياسية تؤدي إلى القضاء على الفساد والرشوة والاختلاس، والاعتداء على الأموال العامة التي ترهق خزينة حكومة الإقليم، وتجعلها عاجزة عن بناء اقتصاد قوي وفعال ومنتج، فانعدام الرقابة والمحاسبة من قبل الحكومة القائمة على المال العام والخاص وثروة الوطن وترك الحرية والمجال مفتوحاً أمام الأفراد والمؤسسات الاستثمارية يضعفها ويهدد الاستقرار السياسي في الإقليم، مهما كانت قوته الاقتصادية كبيرة، مما ينذر بكوارث اقتصادية كتدني مستوى المعيشية وارتفاع الدين العام وربما المجاعة. ولذلك فالتنمية السياسية تعمل على التنشئة السياسية للأفراد عن طريق الاتصال الجماهيري وخلق مجتمع واع يطالب بالمحاسبة والرقابة وتحسين المستوى المعيشي وزيادة الدخل، وذلك عن طريق النقابات والجمعيات وغيرها، وبالتالي عدم ترك الباب مفتوحًا أمام النظام السياسي ليعيث فسادًا بالمال العام. والثابت أن التنمية الاقتصادية تساعد حكومة الإقليم القادمة على الاستقرار السياسي والاستقلالية في اتخاذ القرارات وعدم خضوعها للضغوطات المركزية ويعطي مكانة مرموقة للإقليم بين أقاليم السودان الأخرى، فضلاً عن أن التنمية الاقتصادية من شأنها أن تحسن العلاقة بين النظام الحاكم في إقليم النيل الأزرق والجماهير كافة وبالمجمل العام بناء الاستقرار السياسي.
نخلص إلى إن التنمية الشاملة ليست ضرباً من الخيال، بل ضرورة ملحة الأمر الذي يوجب فتح الأبواب أمام الجماهير للتعبير عن آرائها وإطلاق الحريات لوسائل الإعلام في النقد البناء، وتعيين مواطن الخلل ونشر الثقافة السياسية والديمقراطية، وإعادة النظر بالأنظمة والقوانين التي تقيد الحريات، وإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية المستدامة، وإطلاق حوارات تستهدف كافة فئات المجتمع لتعزيز مفهوم التنمية السياسية والحياة الديمقراطية، ودعوة الجميع في كافة القطاعات للمساهمة في تعزيز التنمية السياسية للخروج من حالة التخلف إلى النماء والتقدم والتطور واللحاق بركب الحضارة، فضلاً عن أن المرحلة تتطلب قيام مؤتمر جامع لكافة مكونات الولاية لعمل مصالحات شاملة لمعالجة الآثار التي خلفتها الحرب بالولاية وتكثيف الدور الإعلامي للتبشير باتفاقية السلام، وذلك من منطلق الأهمية القصوى التي يمثلها الإعلام في هذه المرحلة المهمة في تاريخ إقليم النيل الأزرق، وأن نجاح تطبيق مبادئ ومفاهيم وأساسيات الحكم الذاتي يكمن في نجاح الإعلام في الإقليم، والذي وللأسف الشديد، يعتبر الآن الحلقة الأضعف في مسار العمل العام في النيل الأزرق، حيث تشهد كل وسائط الإعلام ضعفاً بائناً في أداء دورها المنوط بها، جراء سوء التخطيط وعدم العناية اللازمة بإعادة تأهيل بيئة العمل الإعلامي بالإقليم، بدءً من اختيار الكوادر المؤهلة لإدارة العمل الإعلامي ومروراً بالامكانيات اللوجسبية لصيانة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بالإقليم، حيث لا يتجاوز أعلى مدى لها مساحة رمية حجر من العاصمة الدمازين وفي كل الاتجاهات.

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version