تحليق أسعار الخبز يبعده عن موائد السودانيين

تعدى سعر الرغيف قدرة السودانيين الشرائية. مخابز الخرطوم تشهد كساداً ملحوظاً وسط تراجع طلب المواطنين على الخبز لارتفاع سعر القطعة إلى نحو 40 جنيهاً سودانياً (الدولار الأميركي=442 جنيهاً) وذلك عقب تحرير أسعار الطحين وتركه لآلية العرض والطلب.

وتوقع تجمع اتحاد المخابز وبعض المنتجين حدوث زيادة جديدة في أسعار الخبز، نتيجة الارتفاعات التي طرأت على مدخلات الإنتاج.

وقال الناطق الرسمي لتجمع المخابز عصام الدين عكاشة لـ “العربي الجديد”، إنّ صناعة الخبز في السودان تجابه مشاكل كبرى أبرزها ارتفاع سعر جوال الطحين من شركات المطاحن من 17.800 جنيه إلى 20.800 جنيه، مع التوقعات بزيادة جديدة عليه عقب ارتفاع سعر الغازولين.

ووصف هذه الزيادات بغير الحقيقية، وإنما هي نتيجة غياب الرقابة. وشرح عكاشة أن أسعار الطحين المحلي أغلى من أسعار القمح العالمية، وذلك بسبب ما أسماه بـ “جشع التجار”، مطالباً وزارة المالية بالرأفة بحال المواطن وإلزام المطاحن بيع الطحين للمخابز بالسعر العالمي. وأكد أن هذه الخطوة تسهم في تراجع سعر الخبز إلى 15 جنيهاً فقط للقطعة.

ولفت عكاشة الى اضطرار عدد من المخابز لشراء الطحين الذي يرد من مصر بقيمة 14 ألف جنيه للجوال (الكيس)، كونه أقل سعراً من المنتج المحلي، غير أن إغلاق طريق شريان الشمال أعاق انسياب السلع إلى الخرطوم، مع دفع المخابز إلى الشراء من المنتج المحلي عالي التكلفة.

وأكد أن هذه الأزمة تسببت في تراجع استهلاك المخابز اليومي من الطحين من 50 إلى 11 جوالاً فقط. وتوقع آدم الزومة وهو صاحب مخبز في الخرطوم في حديث مع “العربي الجديد” تطبيق زيادة جديدة على الخبز لتصبح القطعة الواحدة بقيمة 50 جنيهاً، بعد زيادة أسعار الطحين معطوفة على ارتفاع كلفة الغاز والمشتقات النفطية ومدخلات الإنتاج الأخرى.

ولفت إلى اعتماد المخابز على الغازولين في تشغيل المولدات الكهربائية بسبب التقنين الكهربائي، ما ينسحب سلباً في النهاية على المستهلك وصاحب المخبز بزيادة سعر الخبز وتراجع الاستهلاك. وتتزايد الضغوطات المعيشية على السودانيين في كل متطلبات الحياة اليومية. فيما أعلنت الحكومة عن اتجاه لزيادة الأجور في موازنة العام 2022.

وفي دراسة سابقة أجراها المجلس الأعلى للأجور تبين أن ما يتقاضاه العاملون في الدولة لا يغطي 20 في المائة من تكاليف المعيشة. وبحسب تشخيص خبراء الاقتصاد، فإن حل المشكلة يكمن في تغيير السياسات المالية والنقدية المتبعة لخفض معدلات التضخم، فيما يطالب السودانيون بزيادة الأجور.

وقال أستاذ الاقتصاد محمد الناير لـ “العربي الجديد”، إن رفع الحد الأدنى للأجور يمكن أن يغطي نسبة قليلة من كلفة المعيشة فيما الدولة قد تكون غير قادرة على تنفيذ هذه الخطوة.

وأشار إلى أن الزيادات السابقة التي طاولت الأجور لم تخفف من وطأة الأزمة على السودانيين كونها كانت طفيفة. ولفت إلى أن زيادة الأجور ليست الحل الأمثل للمشكلة، مشدداً على ضرورة ضبط الأسواق إلى جانب زيادة حجم الصادرات، وتقليص العجز في الميزان التجاري.

وأوضح أن هذه الإجراءات إذا تمت ستنعكس بشكل إيجابي على كافة الشرائح الاجتماعية في السودان. ومنذ أواخر العام 2017، شهدت البلاد عدم استقرار في الأسعار وتراجع دور الحكومة في التحكم بسعر صرف الدولار، ما زاد معدلات التضخم وأثر بصورة كبيرة على وضعية العاملين وعلى حركة الأسواق في آن واحد.

وسبق أن أعلنت الحكومة عن زيادة أجور العاملين في الدولة مع انطلاقة العام 2020 وتضمينها في الموازنة بواقع 500 جنيه لأقل درجة في هيكل الرواتب، على أن تصل الزيادة إلى 2500 جنيه للدرجات العليا. إلّا أن الخطة لم تنفذ.

وشرح الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان أن الموازنة هذا العام تتضمن إشكاليات عديدة “فهي جاءت معتمدة على الموارد الذاتية في ظل غياب الدعم المالي الدولي وفي ظروف سياسية واقتصادية بالغة الخطورة تكاد تعصف بأسس الدولة”.

ولفت إلى أن الحكومة الانتقالية بعد استقالة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك وتكوين حكومة تصريف الأعمال باتت تعاني من ضعف التأييد لها محلياً ودولياً. وأضاف أن الحكومة اتخذت من شعار تقليل التضخم أداة مالية أساسية، فعملت على تخفيض الإنفاق الحكومي بإلغاء دعم الكهرباء بالتزامن مع استمرار سياسة تحرير الوقود وتوحيد سعر صرف الجنيه السوداني.

ورأى أن هذه السياسات كان يفترض بها توفير أرضية نقدية للحصول على التمويل اللازم لزيادة المرتبات، مع الإبقاء على عجز في الموازنة في حدود 363 مليار جنيه.

وشرح أنه كان يمكن لاحقاً سد العجز مع حصول الحكومة السودانية على الدعم المالي الدولي، إلا أن هذا الأمر أصبح مستبعداً في الوقت الحالي. واعتبر أن أهم ما يؤخذ على الموازنة أنها باستثناء زيادة المرتبات، فإنها لم تفعل شيئاً يذكر لتخفيف معاناة المواطنين من الغلاء المعيشي وارتفاع معدلات الفقر وانكماش الاقتصاد.

العربي الجديد

Exit mobile version