جعفر المبروك
في السودان، لدينا عشبة اسمها المورينقا تعالج 360 نوعا من الأمراض، وما زال العشابون عندنا يبذلون الجهد والوقت لاختراع امراض يستكملون بها القائمة تلك، بعد أن نبشوا في الموسوعات الطبية ولم يجدوا فيها أكثر من 100 مرض، وعلينا تقديم الدعوة لمواطنين من جميع دول العرب، لحضور مؤتمر عن إنجازات السودان في مجال الاستغناء عن الطب الحديث، وإقناعهم بأن المورينقا تخفض الكولسترول وتقوم مقام الديتول، بل وبديل مضمون المفعول للبترول، وتجعل الطفل ابن الستة شهور في حجم أبو الهول
وبالمناسبة فقد تداويت في طفولتي وصباي بنبتات الحرجل والحلبة والسنمكة، وكانت الصيدلية المفضلة لأبي في كوستي هي دكان عمنا “بخيت العقاب” للأعشاب الطبية، وعندما تعرضت لكسر في العظام صنعوا لي جبيرة من جريد النخل، فكانت النتيجة أفضل من “الجبس”، والأعلاف التي كنا نتداوى بها مجربة عبر القرون، ولم تكن هناك فهلوة تجعل كل من هب ودب يعمل فيها “حكيم وبصير”، ويبيع الحشائش عبر منافذ أنيقة، وأذكر كيف أن سودانيا زعم في التسعينات أنه توصل الى ان للبرسيم نفس خصائص الفياقرا، وصدقه كثيرون، وضايقوا المواشي في قوتها، ثم اقتنعوا عن تجربة بأن البرسيم يجعل الرجل “بهيم وعقيم”!!
وعن تجربة أعيد هنا ما سبق أن كتبت عنه كثيرا، من أن أفضل علاج للسعال الديكي هو لبن الحمير! فقد عالجني أهلي من ذلك المرض اللعين بلبن أتان/ حمارة جربانة ليومين متتاليين فشفيت تمامًا، ومنذ يومها لم أنجح في حل أي مسألة رياضيات، مما يؤكد أن لبن الحمير يحصن الإنسان ضد الرياضيات عموما والجبر خصوصا، وبالتالي ضد الفيزياء والكيمياء وما إلى ذلك من مواد تسبب بواسير الدماغ، وتصلُّب النخاع. وكلما واتتها الفرصة كانت أمي تحكي كيف أنني كنت مصابا في طفولتي بالتهاب حاد في الأذنين لأشهر طويلة، وفشلت كل الوصفات في علاجه، ثم كنت أداعب قطة صغيرة، وأمسكت بقدمها الأمامية وبدأت في حك أذني الملتهبة بمخالبها، حتى نزفت دما وأشياء أخرى لا داعي لذكرها. وشفيت أذني تماما، أي والله هذا ما يؤكده الأهل والجيران. ومنذ يومها اعتبرني الأهل والجيران من أصحاب الكرامات، ويقال إن المحرومات من الإنجاب كن يقدمن لي الحلوى، ويتمسحن بي طلبا للمعجزات، وإن كل من فعلت ذلك تطلقت من زوجها، أو فقدت الأمل في الإنجاب نهائيًا.
وما عزز مكانتي الإعجازية والكرامية والبركاتية، أن أجدادي كانوا فقهاء، ويداوون الناس بالقرآن، وإلى يومنا هذا هناك من يقسمون بقبور أجدادي، ويقدمون إليها النذور، وافترضت تلك الجماهير الوفية أنني «مبروك» بالوراثة ولكنها صدمت عندما التحقت بالمدارس النظامية ثم دخلت الجامعة فأشاعوا أنني أصبحت «شيوعيا ملعونا» وجردوني من كل الكرامات والبركات
وقد قررت الآن مراجعة موقفي، واسترداد بركاتي الوراثية، وسجادة أجدادي، بعد أن اكتشفت أن السوق بحاجة إلى أمثالي من الذين يجمعون بين عنصري الوراثة والدراسة، للعمل في مجال الطب والصيدلة وإعداد “العمل” لكل حالة، وتحصين أندية كرة القدم من الهزيمة باستخدام عنصري الوراثة والانترنت، مما سيضفي علي هيبة إضافية، ويؤهلني لأكون دجالا عصريا يرتدي الجاكيت والكرافتة، ويتحدث عن الجن و«السوفت وير» والضب الأعور و«الماوس»، وترقبوا قريبا إعلانا تلفزيونيا “مستوصف سي. دي. جعفر عباس، لعلاج عسر الهضم والنعاس، وحسم الوسواس الخناس وتحويل علي كبك الى كمال ترباس
جعفر عباس