(الكلب ينبح حرصا علي ضنبو)، مثل شعبي سوداني يشكك في حقيقة نباح الكلب، فمؤدى المثل يذهب الى أن الكلب حين ينبح انسانا انما يفعل ذلك حرصا على ذيله من أن يطاله القطع والبتر، وليس دفاعا عن صاحبه وان استفاد صاحبه من نباحه، والمثل يضرب في بني البشر على من يبدو ظاهريا أنه يستميت في الدفاع عن شئ ما أو شخص ما ويهاجم بضراوة مناوئي ذلك الشخص أو الشئ، بينما الحقيقة أنه يدافع عن نفسه من خلال دفاعه ذاك، وقد انطبق هذا المثل وقع الحافر على الحافر على تلك المسيرة التي سيرها الفلول وداعمي الانقلاب تحت مسمى (مليونية السيادة الوطنية)، بل الراجح استنادا على بعض الشواهد، أن قادة الانقلاب هم من كانوا وراء تنظيم هذه المسيرة، ليس فقط بسبب أنها وجدت منهم الحماية الكاملة وكل التسهيلات، وانما أيضا لأن تلك المسيرة لم يجري تنظيمها الا بعد مهاجمة البرهان قائد الانقلاب لبعض البعثات الديبلوماسية التي لم يجرؤ على تسميتها واتهامها باثارة الفتنة والتحريض ضد الجيش، محذرا من اتخاذ إجراءات في مواجهتهم. وهو الهجوم والاتهام ذاته الذي ردده من ورائه كومبارس مجلس السيادة المعين بواسطته، اذ خرجت في أعقاب أحد اجتماعات مجلس السيادة ناطقه الرسمي سلمى عبد الجبار لتقول في ايجازها عن مداولات ذاك الاجتماع، أن أنشطة بعض البعثات الدبلوماسية المقيمة في الخرطوم، مخالفة للأعراف الدبلوماسية ومنتهكة لسيادة البلاد.. وهكذا كما ترون يستخدم الانقلابيون ومن يسيرون في ركابهم السيادة الوطنية كرتا للمزايدة والإثارة والاستثارة، فأن يعبر الانقلابيون عن سخطهم وغضبهم على بعض البعثات الديبلوماسية ويتهمونها بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية وبخرق السيادة الوطنية ويهددون بمعاقبتها، دون ان يسموا هذه البعثات ودون ان يشهد الناس أية اجراءات اتخذت حيال هذه البعثات، فتلك لعمري هي محض مزايدة بالسيادة الوطنية المفترى عليها، والمقصود انما هو الخوف من الأنشطة المساندة لقضايا حقوق الانسان.. وغض النظرعن عدم مشروعية أو مشروعية تصرف بعض الدبلوماسيين ومخالفتهم للأعراف الديبلوماسية وخرقهم السيادة الوطنية، نسأل الانقلابيين عن ماذا فعلوا لصيانة هذه السيادة المدعاة وأخذها بحقها، فالسيادة الوطنية ليست مجرد شعار يرفع ولا هي محض تصريحات تقال ولا قميص يلوح به في المسيرات، وإنما لها استحقاقات ومطلوبات معلومة، من أهمها إقامة العدل والحق وحفظ حقوق الناس، وغيرها من هذه المعاني التي تحتشد بها الكثير من آيات الله والمواثيق الدولية، ثم عليهم أن يجيبونا عن كيف تكون السيادة الوطنية إن لم تكن هي حرية الرأي والتعبير، حرية أن تقول رأيك بكل حرية دون أن يضايقك أحد دعك من أن يجرؤ على قتلك واعتقالك، وما هي السيادة إن لم تكن هي العدل والعدالة والمساواة، وما هي السيادة إن لم تكن هي الكرامة والعيش الكريم، وما هي السيادة إن لم تكن هي الحق في العلاج والتعليم والتوظيف، وما هي السيادة إن لم تكن هي الحصول على قوت اليوم، وبالمقابل هل تتحقق السيادة بالشمولية والاستفراد بالرأي عبر الانقلاب، أم أنها يا ترى تقوى بالمحاباة والاحتكار، وهل تصان بقمع الآخرين لمجرد آراء أبدوها والزج بهم في السجون والمعتقلات، وهل وهل وهل من تساؤلات لا يسع المجال لإحصائها بل هي أكثر من أن تحصى، تجعل من أي حديث عن السيادة الوطنية دون إجابات إيجابية عليها مجرد كرت أو قميص يتم التلويح به ليس حبا في السيادة الوطنية المسكينة التي ستنتهك، بل خوفا من مصير ينتظرهم جراء أفعالهم طال الزمن أو قصر، ولهذا عمدوا الى إثارة الضوضاء حول موضوع السيادة الوطنية المفترى عليها على رأي المثل الشعبي (الكلب ينبح حرصا على ضنبو)، فالسيادة الحقيقة للدولة لا تكمن في قوتها العسكرية أو مدى هيمنتها أو دخولها في أحلاف بقدر ما تتعلق قبل شيء بمكانة المواطن داخل دولته وما الذي يتحقق لصالحه من حقوق اجتماعية وسياسية وثقافية، إن السيادة الحقيقية لا تتحقق إلا عبر الاعتراف بحقوق المواطنة، ذلك أن الدولة لم توجد لتلغي حرية الإنسان أو تقيده بالقهر، وإنما وجدت لتحرر الفرد من الخوف ولتضمن له حقوقه الأساسية التي يتمتع بها بمقتضى إنسانيته وفي مقدمتها الحرية وهذا ما يفسر الثورات المتواصلة للشعوب ضد أنظمتها التي لم تحفظ السيادة كما لم تحقق تنمية أو تبني مواطنة..
صحيفة الجريدة