“سلة غذاء العالم” .. الموت سنبلة!!

= عدم الاستقرار السياسي” يُعد من أبرز الأسباب التي أقعدت بالبلاد، وحرمته الاستفادة من الموارد الاقتصادية”

= “سلة غذاء العالم” تشتكي حالها لطوب الأرض

= خبراء اقتصاديون: السياسات الحكومية تكبل القطاعات الاقتصادية، وتقلل الإنتاج ومن ثم التصدير والمنافسة في الأسواق الخارجية

= وزير سابق: إزالة القيود عن صغار المزارعين سيجعلهم قادرين على سد حاجة السوق المحلي من محاصيل الحبوب والخضروات، وتنفيذ مشروعات كبيرة للصادر

عدم استفادة السودان من موارده الاقتصادية، هو السؤال الذي يظل يتردد بكثرة على ألسنة المختصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، ورغم تعدد الإجابات، إلا أن الكثيرين يتفقون على أن “عدم الاستقرار السياسي” يُعد من أبرز الأسباب التي أقعدت بالبلاد، وحرمته الاستفادة من الموارد الاقتصادية التي تتنوّع بين الزراعة والثروة الحيوانية والمعدنية وغيرها من الثروات.

وخلال السنوات الثلاث الماضية وعقب التغيير في المشهد السياسي وما تبعه من تغييرات جذرية في السُّلطة الحاكمة بتكوين حكومة جاءت بها الثورة، تزايدت الآمال مجدداً في إمكانية استنهاض اقتصاد الدولة التي صنفت ذات يوم مع دولتين اخريين بأنها “سلة غذاء العالم”، بيد أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وظل الوضع على ما هو عليه، إن لم يكن قد ازداد سوءاً.

سياسات الفشل

ويتفق خبراء اقتصاديون على أن السياسات الحكومية في السودان طوال العقود الثلاثة الماضية، هي التي تكبل القطاعات الاقتصادية، وتقلل الإنتاج ومن ثم التصدير والمُنافسة في الأسواق الخارجية، وبسبب هذه السياسات خرجت بعضها من دائرة الإنتاج، وتضاءلت مُساهمة عدة قطاعات في الاقتصاد القومي، مع محاولات شكلية لإصلاح الوضع دون جدوى بسبب افتقارها للجدية والعلمية.

ويتوفر القطاع الزراعي في السودان على مائتي مليون فدان صالحة للزراعة، 80% منها أرض بكر لم تُستغل، فيما لا يتجاوز حجم المُستغل منها فعلياً 20 بالمائة، ويقول مختصون إن المقومات الزراعية المتوفرة بالسودان، “كافية لسد حاجة كل الأسواق العربية من المحاصيل والخضروات” شريطة استغلالها بشكل جيد.

قبل استعراض المقومات الزراعية المتاحة، تجدر الإشارة إلى أن أول موازنة وطنية عقب الاستقلال في 1957م اعتمدت كلياً على “محصول القطن” كمورد، وأوفت إيرادات صادر القطن بكل بنود الموازنة، بل حقّقت فائضاً من الإيرادات تم تحويله للموازنة التالية.

وبسبب ثراء الموارد الزراعية، ينشط عددٌ من الدول العربية في الاستثمار الزراعي بالسودان، وأبرزها مشروع الراجحي بولاية شمال كردفان والولاية الشمالية، وحققت مشروعاته نجاحاً لا تخطئه العين، حيث ينتج فدان القمح “36” جوالاً، يقابله 10 – 15 جوالاً إنتاج المزارع المحلي الذي يعتمد على الزراعة التقليدية ويفتقر للتقانة الحديثة.

يقول وزير زراعة أسبق بولاية نهر النيل تحدث لـ”الصيحة” طالباً حجب اسمه، إن إزالة القيود عن صغار المُزارعين سيجعلهم قادرين على سد حاجة السوق المحلي من محاصيل الحبوب والخضروات، وتنفيذ مشروعات كبيرة للصادر.

وقال الوزير الأسبق، ان القطاع الزراعي يجب أن يتصدر اهتمامات الحكومة، وحدد مطلوباته في: إعادة النظر في السياسات المنظمة للزراعة وإزالة القيود عن صغار المنتجين وتوفير التقاوي والتقانة الحديثة في عمليات الري والإرشاد الزراعي والحصاد، فضلاً عن تطبيقه برنامج سلاسل القيمة الذي يهتم بجميع مراحل الزراعة من الحقل وحتى التسويق.

أما الثروة الحيوانية فيتوفر للسودان، نحو “107” ملايين رأس من الماشية في إحصاءات تقديرية، منها ما لا يقل عن 30 مليون رأس من الضأن، 20 مليون رأس من الأبقار، مع مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية وموارد المياه.

ورغم هذه المقومات، ظلت الثروة الحيوانية في السودان، قطاعاً هامشياً في خطط الحكومات المتعاقبة، حيث تسيطر التقليدية على نمط تربية المواشي، ولم تتّجه الحكومات السابقة لإنشاء مزارع حديثة لتربية الماشية، وباستثناء مسلخ وحيد، تنعدم المسالخ الحديثة التي تُساعد في تصدير اللحوم وفق المواصفات والاشتراطات الصحية العالمية، كما تفتقر البلاد للصناعات التحويلية التي يمكن الاستفادة من مشتقات الألبان والجلود التي تصدّر كخام مِمّا يفقدها القيمة المُضافة.

ويعزو الخبير بقطاع الثروة الحيوانية، د. علي عبد الرازق، تدهور القطاع للإهمال الحكومي وعدم توفير الموارد اللازمة للتطوير، موضحا أن التقليدية تفقد الدولة سنويا موارد لا تقل عن 6 مليارات دولار تتمثل في صادرات الجلود واللحوم والمواشي الحية، وقال إن تغيير هذا الواقع رهينٌ بتغيير السياسات التي تكبل المنتجين، وتوفير التقانات الحديثة لهم خاصة في الأرياف، وتوفير اعتمادات محددة لاستجلاب تقانات حديثة تُساعد في زيادة الإنتاج.

ولا يختلف قطاع التعدين كثيراً عن سابقيه، في وقت يبلغ إنتاجه ما لا يقل عن 100 طن وفق أرقام الحكومة السابقة، قبل أن يتدنى الإنتاج خلال العام الماضي لأقل من 35 طناً، وفي كل الأحوال يُهرّب أكثره، مما يفقد الخزينة العامة نحو 5 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ كافٍ لسد العجز في الميزان التجاري.

ويتنامى تهريب الذهب في السودان سنوياً بسبب السياسات الحكومية، حيث يفضل المُنتجون والمُعدِّنون التقليديون بيع إنتاجهم لجهات غير رسمية تنشط بدورها في تهريبه، مع كون قطاع التعدين في السودان لا ينحصر في الذهب فقط، حيث تتواجد معادن أخرى بكميات هائلة لم يطلها الاستكشاف بعد، ومعادن أخرى توقّف فيها الاستكشاف والإنتاج بسبب الحرب في ولاية النيل الأزرق، مثل الحديد والكروم والنحاس والرمال البيضاء والأحجار الكريمة.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة

Exit mobile version