(1)
اطلعتُ مثل غيري على المبادرة التي أطلق عليها أصحابها (مبادرة حكماء السودان)، وإن كانت لدي بعض الملاحظات على المبادرة فسأجملها في تحفظي على الفقرة التي تنص على الآتي: (إن رؤيتنا الوطنية تقوم على التوقف عن النظر للماضي وترك الانتقامات والتصفيات، ويجب علينا أن نقلب الصفحة ونعترف بأننا جميعاً قد أخطأنا).. فإن كان المقصود بقلب الصفحة عفا الله عمَّا سلف وترك الباب مفتوحاً لكل من ارتكب جريمة أن يفلت من المحاسبة فهذا الأمر لن يكون مقبولاً، وهذا سيفتح الطريق واسعاً أمام رفض المبادرة واتهام أصحابها بأنهم يريدون إيجاد مخارج آمنة للمجرمين الذين قتلوا ونهبوا ونكلوا وعذبوا وعاثوا في الأرض فساداً…
(2)
اطلعتُ كذلك على عدد مقدر من المقالات الناقدة للمبادرة مثل مقالات الدكتور عمر القراي، والأستاذة رباح الصادق المهدي وغيرهما، والحقُّ أني وجدتُ أغلبية النقد انصبَّ على وضعية أصحاب المبادرة والتشكيك في مساعيهم واتهام نواياهم وتخوينهم، وتجاوز النقد في أغلبه الأفكار الواردة في المبادرة، تمنيت لو أن الناقدين تجاوزوا شخصنة الفكرة واتهام ومحاكمة نوايا أصحابها، ولعل في ذلك خروج من الموضوعية…
فإذا قلنا إن البروف أبو صالح عمل في عهد الإنقاذ كمخطط استراتيجي ، والبروف علي شمو وزيراً للإعلام أو رئيساً لمجلس الصحافة والمطبوعات، والبروفيسور يوسف فضل عمل مشرفاً على مشروع سنار عاصمة الثقافة للعام 2017 ، ولا يحقُّ لهم أن يطرحوا حتى مجرد فكرة للخروج من الأوحال التي غاصت فيها راحلة الوطن، فإن ذلك بالضرورة أن ينسحب على كل قيادات الفصائل المعارضة لنظام المؤتمر الوطني التي شاركته في مستويات مختلفة في الحكم منها الاتحادية والولائية والمحلية، وعلى المستويات التشريعية والتنفيذية، والآن منهم رجال يملأون الساحات بالضجيج وكأنهم لم يكونوا يقبضون رواتبهم من مؤسسات نظام الإنقاذ.. إذا كان الأمر بهذا الفهم فيجب على الجميع الصمت عدا حزبي الأمة القومي ، والمؤتمر السوداني…
(3)
في تقديري أن الموضوعية تقتضي أن نناقش أي مبادرة أو أية فكرة على نحو متجرد وننظر إلى جوهر الفكرة وقدرتها على إخراج السودان من هذه الأوحال وبرك الدماء، فإن كانت المبادرة جيدة وقادرة على العبور بسفينة الوطن إلى بر الأمان وقادرة على إبطال السيناريوهات الأسوأ فمرحباً بها إن جاءت من البروفيسور علي شمو أو البروفيسور أبو صالح أو البروفيسور يوسف فضل، أو أي أحد من الشخصيات السودانية المتزنة….. يجب أن نناقش هذه الأفكار جيداً ونخضعها للحوار والجرح والتعديل، ونقبل ما هو إيجابي ونرفض ما من شأنه أن يثير الجدل والشكوك…
(4)
على الذين يرفضون المبادرة جملةً وتفصيلاً لكونها تضمنت في عضويتها شخصيات قومية استعان بها نظام (الإنقاذ) في فترة من الفترات، أن يأتوا بالبديل لهذه المبادرة لا أن يكتفوا بالرفض فقط…
إن أسوأ ما تشهده البلاد حالياً ذلك الجمود وتطاول الأزمة بلا حل وبلا مساعٍ لإنهائها عبر المبادرات الوطنية والسياسية والحزبية، والأسوأ منه هو رفض أي حلول دون مبررات منطقية مقنعة… اكرر إن كانت لدينا بعض التحفظات فهي عدم فتح أية ثغرة لإفلات المجرمين من المحاسبة، وما عدا ذلك فهو قابل للأخذ والرد، كما أننا نؤمن على فكرة ذهاب المجلس السيادي الحالي بكامله وتكوين مجلس جديد برئاسة شخصية مدنية…..اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة