من نعم الله على أهل السودان ولطفه بهم أن جعل خصوم الإسلاميين يتورطون في تجربة حكم فاشلة بدون انتخابات، وليعيدوا السلطة للإسلاميين على طبق من ذهب للشعب السوداني.
تخيل لو أن قحت وفي غمرة شيطنتها للإسلاميين بعد سقوط حكومة الإنقاذ أجرت الانتخابات وفازت !!! كانت ستعلق المشانق للإسلاميين بمباركة الكفيل وأسياده وتقوم فتنة كبرى في السودان بالنظر إلى اتساع رقعة عضوية الإسلاميين. حجم الكراهية التي بثتها قحت تجاه الإسلاميين كان كفيلاً بنسف الإسلاميين من المشهد السياسي تماماً لو أن قحت سلكت نهجاً أفضل من نهج الإسلاميين.
لذلك أنا أقرأ المشهد دائماً من منظور الآية “عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.
قحت حرقت أوراقها تماماً وأضاعت فرصة عمر لتغيير المشهد لصالحها ولكنها مع الأسف الشديد تغولت على الحكم لتنفيذ أجندة المكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
قحت قدمت خدمة جليلة للإسلاميين لم يكونوا يحلمون بها على الإطلاق بعد الإحباط الذي هيمن عليهم إثر سقوط نظام الإنقاذ. أصبح المواطن يحن إلى عهد الإنقاذ ويعدد مآثره.
هذا لا يعني بالضرورة أن يفكر الإسلاميون في إعادة عهد الإنقاذ وإنما المطلوب هو تقديم نقد جريء لتجربة الإنقاذ وما شابها من أخطاء كارثية دفع ثمنها الإسلاميون أنفسهم أكثر من غيرهم حيث مكث الشيخ الترابي ، رحمه الله، في السجن أطول فترة من أي زعيم سياسي وواجه الإسلاميون كل صنوف التنكيل على أيدي “إخوانهم” أكثر مما لقوا على أيدي خصومهم.
عودة الإنقاذ بنهج “الغتغتة” و”الدغمسة” مرفوضة تماماً. يتطلع الإسلاميون إلى نظام سياسي قائم على الأهداف لا على الأفراد أو النخب، نظام سياسي تكون القيادة فيه على كل المستويات قائمة على التصعيد الشعبي ضماناً لولاء تلك القيادات لقواعدها الشعبية التي صعدتها وفق الأهداف المعلنة. ولا مجال للاختيار الفردي تحت أي مسوغ، لأن الاختيار الشخصي يجعل الولاء لصاحب الفضل في الاختيار. وهذا بالضبط ما جعل حكومة الإنقاذ تتقوقع على أشخاص بعينهم أعطوا لأنفسهم القداسة وفرضوا أنفسهم فرضاً وأقصوا كل من انتقدهم أو قدم وجهة نظر مختلفة لما يطرحونه. فكان من الطبيعي أن ينتهي نظام الإنقاذ من الداخل.
الحركة الإسلامية هي التي ستؤول إليها الأمور بأي طريقة كانت بعد أن ساطت قحت كل شيء، وتبين أن القوى السياسيةالمناوئة للإسلاميين لا تملك رؤية.
غير أن عودة الحركة الإسلامية هذه المرة يجب ان تكون عودة ناضجة، عودة تأخذ بعين الاعتبار أن الوطن والتنظيم شيئان مختلفان، وأن إدارة الدولة تتطلب أفقاً سياسياً واسعاً بعيداً عن الإقصاء والتهميش.
عودة الحركة الإسلامية يجب أن تكون وفق مشروع سياسي جامع يجد فيه كل مواطن نفسه بصرف النظر عن خلفيته الفكرية أو الجهوية أو العرقية. النموذج الذي ستقدمه الحركة الإسلامية في عودتها المرتقبة يجب أن يكون هو النموذج الذي يكون بديلاً للعلمانية في العالم الإسلامي. وأتصور أن هذا هو النموذج الذي كان يشتغل عليه الشيخ الترابي قبل وفاته رحمه الله.
بقلم: رمضان أحمد