لم يكن وزيرا ، ولم يكن من أصحاب الحظوة الذين تمرغوا في بهارج السلطة ونعيمها .. كان إعلاميا عاديا محترفا ، لم يكن منظما ولا منتسبا للحزب الحاكم ، بل كان عصاميا ( مستقلا ) يعرف من أين تؤكل كتف الكلمة الإعلامية الرصينة ، كان صانعا للنجاح في مجاله منذ بداياته في العمل الإعلامي ، سار في درب مدرسة العظماء القلائل امثال الاستاذ القامة / حسين خوجلي ..
وثق بمهنية واحترافية لكثير من الأحداث والمواقف ورموز المجتمع والسياسة وغيرهم من الأشخاص المؤثرين في الحياة السودانية ، فكلما مرت ذكرى مناسبة ما أو شخصية ما تجده كان سباقا لتوثيقها لتقف شاهدة على مثابرته المهنية وبصيرته الاعلامية .
لم نشهد له تهافتا وراء المال لكنزه ، ولا التطبيل والنفاق الذي وقع فيه الكثير من الإعلاميين والصحفيين الذين تجدهم – زمن الانقاذ – في كل ناد يداهنون ، والى كل مسؤول يتقربون ، وفي كل وفد او طائرة رئاسية يسافرون ، والى كل مغنم يتسابقون ، وللرئيس وحاشيته يصفقون .. وحينما تغير الحال وجار الزمان وامتلأت السجون والمعتقلات برجال نظام الإنقاذ ؛ لم يفتح الله على هؤلاء ( المتلونين ) – رغم كثرتهم – بكلمة حق ، ولا بموقف شهامة ووفاء ، كانوا كالذبد يذهب جفاء .. بصقوا على إناء حكومة الانقاذ الذي لطالما أكلوا منه حتى شبعوا ، “كانوا خافافا عند الطمع ثقالا عند الفزع” ..
الطاهر التوم ؛ كان نسيج وحده ، لم يكن ( شعب كل حكومة ) ، ولم نعهد في حواراته التطبيل والنفاق والمواقف الرمادية ، بل كان ينتقد ما يستحق الانتقاد في عهد الانقاذ كأنه معارض ، ويدافع عما يستحق الدفاع كأنه من سدنة النظام ..
كان من القلائل الاوفياء للحق .. لم يمنعه ( استقلاله ) من ان يظل وفيا للكلمة ، ولم يمنعه انتهاء عهد الرئيس البشير من أن يحترم مقامه ومكانته وان يذكره بالخير دوما وفاءا لما قدمه لهذه البلاد ، فعل ذلك لا لمصلحة ولا لمكانة يرجوها ، فبعد تغير ذلك النظام ليس من شيء يرجوه ولا مكسب يناله من البشير ورفاقه ، لكنه صدق ونبل مواقف الشجعان ، ووفاء الرجال للرجال ..
لقد دفع الرجل ( الطاهر التوم ) من ماله وعرضه واستقرار حياته الشخصية والاجتماعية كثيرا – لكنه مع ذلك – وقف كالطود العظيم لا تهزه مناوشات الجاهلين وشماتة الشامتين وهرطقات المتربصين .. دفع كل ذلك نظير مواقفه المبدئية والوطنية الصادقة ، وبسبب كلمة الحق القوية التي سيحفظها له التاريخ ؛ لأنه لم يصمت كما صمت كثير من الذين كان يحسبهم الناس من جهابزة النظام السابق ورجالاته الأفذاذ ، فلم نسمع لهم همسا ولم نعد نحس منهم أحدا ولا ركزا ، فتبين أن ( الكوز ) الحق هو من تظهر الشدائد معدنه وتبين الأحداث مواقفه ..
مواقف الرجل جميعها – قولا وفعلا – تشهد له بصدق الانتماء لهذا الوطن العظيم ، وإحساسه بمعاناة شعبه ، واهتمامه بأمنه واستقراره ومستقبل أجياله .. ينظر لكثير من الأمور بمنظار ود البلد الوطني الأصيل ؛ الذي يدرك المآلات ويخشى العواقب التي يغفل عنها كثير من الذين ملأ الحقد السياسي والغبينة العمياء قلوبهم ؛ فلم يعودوا يروا سوى مصالحهم الضيقة ولم تتخطى رؤاهم السياسية أرنبة أنوفهم ..
د. عبد المحمود النور