يتوالى تكوين لجان قانونية وغيرها لتقصي الحقائق في الأحداث منذ انقلاب البرهان على السلطة على المدنية، وكأنها حبر على ورق مجازر الأجهزة الأمنية وسط الثوار، فقد شكل البرهان في اليوم التالي لأحداث 17 يناير التي وصفت بالمجزرة، لجنة لتقصي الحقائق من الأجهزة النظامية والنيابة العامة وانقضى أجلها دون أن تثمر بالوصول إلى شيء لكونها لم تفصح عن ما توصلت إليه هذا إن شرعت في التقصي عن حقائق ما حدث في 17 يناير، فدون هذه اللجنة عشرات اللجان كونت دون الوصول لنتيجة، فهل قرارت البرهان في تكوين اللجان ستستمر حبر على ورق ما تخلفه الاجهزة الأمنية وهل الانقلاب يعيق اعمال لجان تحقيق أخرى؟.
مجزرة 17 يناير
عقب مجزرة 17 يناير التي ارتكتبها القوات الأمنية في الخرطوم وسط الثوار السلميين، وراح ضحيتها 8 شهداء، أصدر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان قراراً قضى بتكوين لجنة تقصي حقائق في الأحداث التي خلفت قتلى وعشرات الإصابات وسط المدنيين، وذكر بيان صدر عن مجلس السيادة، “أصدر رئيس مجلس السيادة قرارا بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول الأحداث التي وقعت خلال تظاهرات 17 يناير” وأشار البيان إلى: أن عضوية اللجنة من الأجهزة النظامية والنيابة العامة، ومنح القرار اللجنة 72 ساعة لرفع تقريرها، دون ذكر تفاصيل أخرى، وظلت السلطات تكون لجاناً في الأحداث المأساوية التي تشهدها البلاد منذ 25 أكتوبر دون الوصول لنتيجة حول العنف والقمع والانتهاكات التي تواجه بها القوات الأمنية الثوار السلميين، ومضى على قرار اللجنة المكونة لتقصي الحقائق في 17 يناير 5 أيام ولم يعلن عن ما توصلت إليه، وجاء قرار البرهان بعد الإدانة الدولية الكبيرة التي تحدثت عن أحداث 17 يناير أبرزها الاتحاد الأوروبي، حيث قال مفوضه للشؤون الخارجية والأمن جوزيب بوريل: “دعونا السلطات في السودان إلى الامتناع عن العنف ضد المتظاهرين لكنها لم تستجب”.، وأضاف: “ندعو السلطات إلى بذل قصارى جهدها لتهدئة التوترات وتجنب المزيد من الخسائر في الأرواح“.
قبض عشوائي
لم تكن هذه اللجنة الأولى وربما لن تكون الأخيرة التي يشكلها البرهان حول الأحداث العنيفة، فلا تزال لجنة التحقيق في قضية فض الاعتصام التي كونها رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك في سبتمبر 2020م ولم تقدم تقريرها حول ما حدث، ودون الكثير من اللجان التي كونت، وعلى خلفية عمل اللجان فقد القت الشرطة القبض على مجموعة وصفتهم بالمتهمين في ملابسات مقتل العميد شرطة على بريمة حمد، ووصف قانونيين أن الشرطة ألقت القبض بشكل عشوائي على من وصفتهم بالمتهمين في مقتل العميد ولا ندري إن كانت ستتوصل إلى قبض مرتكبي جرائم القتل وسط المتظاهرين والاتهامات تلاحق القوات النظامية، وأدان البعض تسرع الشرطة في القبض على من وصفتم بالجناة دون النظر في مئات الملفات المتعلقة بجرائم قتل وتعذيب ونهب وسط الثوار دون الوصول إلى جاني حقيقي، ووصف البعض قرارات البرهان بـ (حبر على ورق) مجازر قتل الثوار السلمين.
تعطيل زيارة خبير
وفي ظل هذا نقرأ تأجيل أول زيارة ميدانية لخبير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان، أداما دينغ، والتي كان من المقرر إجراؤها في الفترة من 22 إلى 27 يناير الجاري، بناءً على طلب السلطات السودانية.
وعلّق دينغ قائلا “أتابع بقلق عميق تدهور حالة حقوق الإنسان في البلد منذ تعييني في نوفمبر 2021م” وفي ظل هذه التطورات، شعرت بأن زيارتي كانت ستكون في الوقت المناسب، مع الأخذ في الاعتبار أيضا أن جميع ترتيبات الزيارة قد وضعت في صيغتها النهائية بالتشاور مع السلطات، بما في ذلك إصدار تأشيرات الدخول لي ولفريقي، و أضاف دينغ: كنت أتطلع كثيرا إلى إجراء محادثات صريحة مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك ضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان، وأدعو السلطات في السودان إلى تحديد موعد زيارتي المقبلة في أقرب وقت ممكن، وفي غضون ذلك، سأواصل العمل مع طيف واسع من الجهات الفاعلة، بما فيها المجتمع المدني، لرصد وتقييم حالة حقوق الإنسان في البلد عن كثب.
وقد أصدر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا بتعيين دينغ للعمل كخبير للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان في السودان في تشرين نوفمبر 2021م، بموجب الولاية الممنوحة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكلّف قرار المجلس S-32/1 الخبير برصد تطوّر حالة حقوق الإنسان في السودان بمساعدة مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان وبالتعاون الوثيق معه، كما كُلف الخبير، بإيلاء اهتمام خاص للضحايا، وضمان مراعاة المنظور الجنساني، والتواصل مع جميع الأطراف ذات الصلة، وسيساهم الخبير في التقرير الذي سيستعرضه المفوض السامي أمام مجلس حقوق الإنسان في يونيو 2022م، وقد تولى دينغ مهامه بعيد تعيينه، وتمتد ولايته كخبير للسودان حتى إستعادة الحكومة المدنية، ويعد دينغ نائبا سابقا للأمين العام للأمم المتحدة ومستشار خاص للأمين العام لمنع الإبادة الجماعية.
الاتحاد الأوروبي
وفي السياق ذاته أقر البرلمان الأوروبي مشروع قرار يفرض على دول الاتحاد الأوروبي حظر تصدير وبيع وتحديث وصيانة أي شكل من أشكال المعدات الأمنية إلى السودان؛ بما في ذلك تكنولوجيا مراقبة الإنترنت.وبرر البرلمان الأوروبي قراره بالإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر، وما أعقب ذلك من عنف تجاه المحتجين الرافضين لتلك الإجراءات.ووفقا لصفحة البرلمان، فقد اعتمد النص بأغلبية 629 صوتا مقابل 30 صوتا وامتناع 31 عضوا عن التصويت.وقال مؤيدو القرار إن السلطات الأمنية ومجموعات مسلحة أخرى استخدمت “العنف المفرط” ضد المتظاهرين السودانيين.وأدان القرار إجراءات 25 أكتوبر، مؤكدا على أهمية إعادة إرساء حق الشعب السوداني في التجمع وممارسة حقوقه الأساسية.وطالب القرار أيضا القيادة العسكرية السودانية بإعادة الالتزام بشكل عاجل بالانتقال الديمقراطي في البلاد والوفاء بمطالب الشعب السوداني من أجل الحرية والسلام والعدالة.كما دعم بقوة الجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان “يونيتامس” لتسهيل المحادثات لحل الأزمة السياسية الحالية، داعيا جميع الأطراف السياسية السودانية للانخراط في الحوار لاستئناف عملية الانتقال إلى الحكم المدني.
حتى لاهاي
قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إن الأحداث التي شهدها السودان في 25 أكتوبر الماضي، وما ترتب عليها من انعدام الأمن وعدم الاستقرار في البلاد، “تشكل انتكاسة تطرح تحديات إضافية لعملنا في السودان”.وقال خان في تقرير لمجلس الامن حول دارفور يوم إن مكتبه اضطر إلى تعليق نشر فريقه في السودان وإيقاف جميع أنشطة التحقيق على الفور. “وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المحاورين والمنسقين الرئيسيين للمكتب لم يعودوا يشغلون مناصبهم في حكومة السودان”.وجدد المدعي العام دعوته إلى حكومة السودان لضمان وصول مكتبه بأمان إلى السودان، بما في ذلك الوصول إلى الوثائق ومسرح الجريمة والشهود، مشددا على ضرورة الرد على الطلبات العديدة بشأن المساعدة التي أرسلها مكتبه “دون مزيد من التأخير”.ورحب كريم خان بالتزام جميع المسؤولين الحكوميين الذين التقى بهم خلال زيارته الأولى إلى السودان، في أغسطس من العام الماضي، بالتعاون مع المحكمة، مشيرا إلى أن هذا الالتزام تجلى من خلال التوقيع على مذكرة التفاهم “التي وسعت، ولأول مرة، تعاون حكومة السودان مع مكتبي ليشمل جميع المشتبه بهم الأربعة الذين أصدرت المحكمة بحقهم أوامر بالقبض عليهم”.وقال خان إنه التقى في الخرطوم مع الضحايا ومجموعات الناجين الذين ظلوا يناضلون من أجل المساءلة في دارفور منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
وعلى الرغم من أنهم لم يروا الكثير من العمل مقابل جهودهم التي يبذلونها، إلا أنهم ظلوا ملتزمين بالمساءلة عن الجرائم التي حددت جيلا بأكمله، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن التزام الضحايا الذي لا يتزعزع يشكل “مصدر إلهام يجب أن يتردد صداه على مسامعنا”.وقال إنه يتشارك مع الضحايا إحباطهم “لأن جهود المساءلة قد استغرقت وقتا طويلا”، مشيرا إلى أن الرسالة التي حملها خلال زيارته إلى السودان كانت واضحة حيث أكد من خلالها التزامه بالعمل بلا كلل من أجل العدالة نيابة عن أهل دارفور.
ومضى قائلا: “أعطي هذا المجلس اليوم نفس الالتزام الذي أقدمه لضحايا دارفور والناجين الذين تعاملت معهم … سيعمل مكتبي، بلا كلل، وفقا للقرار 1593، حتى تتحقق مساءلة ذات مغزى … وقد ضاعفت جهود مكتبي لتحقيق هذه الغاية”.في السياق اكد المدعي العام لمجلس الامن إنه بات من المهم، أكثر من أي وقت مضى، أن يعمل مكتبه والسلطات السودانية في شراكة بغية إحراز تقدم في قضية دارفور، مشيرا إلى أنه “ما من خيار آخر” بشأن هذا الأمر.
وقال إن عدم تحقيق العدالة لضحايا دارفور سيستمر في التأثير على جهود السودان نحو تحقيق الاستقرار وسيادة القانون، “إلى أن تكون هناك مساءلة ذات مغزى”.وقال إن هذه الإحالة قد جلبت الأمل في المساءلة، “لكن هذا الأمل ظل، للأسف، مجرد أمل بعد 17 عاما منذ صدور القرار 1593.
وشدد على أن “هذه الإحالة لا يمكن أن تكون قصة بلا نهاية بالنسبة للضحايا أو لهذا المجلس”.وأشار مدعي عام المحكمة الجنائية إلى إحراز بعض التقدم المهم بشأن قضية دارفور. ففي 9 يوليو 2021، أكدت المحكمة جميع التهم الـ 31 الموجهة للسيد علي كوشيب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وقال خان إن المساءلة عن الجرائم في دارفور لا تتوقف عند هذا الحد، “فهناك أربعة أشخاص آخرين صدرت بحقهم أوامر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية. ثلاثة من هؤلاء المشتبه بهم محتجزون حاليا في السودان، وهم الرئيس السابق عمر البشير، ووزير الداخلية السابق عبد الرحيم محمد حسين، ومحافظ جنوب كردفان السابق أحمد هارون. أما الشخص الرابع فهو عبد الله بندة، القائد السابق في حركة العدل والمساواة الذي لا يزل طليقا”.
من جانبه، قال محمد إبراهيم محمد الباهي، القائم بالأعمال بالإنابة ببعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة، إن تحقيق العدالة عن الجرائم المرتكبة في دارفور يمثل أولوية بالنسبة للحكومة الانتقالية، مشيرا إلى أن الحكومة “فتحت بابا للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، حيث تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين السودان والمحكمة في أغسطس الماضي لتأطير ذلك التعاون وتسهيل مهام وفود المحكمة ومحققيها الذين يزورون البلاد”.
وأضاف أن السلطات السودانية سهّلت زيارة للمدعي العام الجديد للمحكمة إلى الخرطوم قبل نحو 15 شهرا “حيث التقى خلالها بالمسؤولين وجرى النقاش حول كيفية تعزيز علاقات التعاون مع المحكمة، كما استقبل السودان وفوداً من المحكمة، كان آخرها في شهر ديسمبر الماضي”.وأكد المسؤول السوداني أن بلاده ستواصل “في هذا المسار التعاوني” وأضاف: “سيواصل السودان مساعيه في اتخاذ السبل الكفيلة بتحقيق العدالة في دافور قناعةً منه بأن السلام والعدالة متلازمان لا ينفصلان”.
عيسى جديد
صحيفة الجريدة