آمال عباس

آمال عباس تكتب : وقفاتٌ مُهمّةٌ ..صرير الأقلام.. ودوِّي المدافع (3)

نُواصل حديثنا ووقفتنا على ما أسميناه باعتزاز وفخر بأدب المقاومة.. وكنا قد بيّنا أنّ أبعاد هذا النتاج الفني الغني الثراء أخذ عمقه الإيجابي وتعقب المُخطّط الاستعماري في كل العالم وقوفاً مع الثوار.. في كل مكان بأفريقيا وفي فيتنام وفي امريكا اللاتينية.. وفي آسيا.. هناك مجموعة قصائد لفوزي الأسمر يُخاطب فيها جميع شعوب أفريقيا الثائرة وعند سميح القاسم قصيدة طويلة اسمها بطاقات إلى ميادين المعركة.. فهو قد اعتبر جميع المعارك التي تدور ضد الاستعمار معاركه وفي قصيدته هذه يقول لثوار فيتكونج:

أسمعها تهدر ملء دمي

أسمعها في الوديان على الغابات على القمم

أسمع صرخات الإصرار وقهقهة الرشاش

أسمع غارات الفاشست الأوباش

وأصيح وأصيح بلا صوت الموت لآلهة الموت

وأغيب لبرهة

وأحس كأني أتربّص بذئاب الغزو على أرض الجبهة

وأصب على الأشباح النار وأبكي

من يجرع في بارات نيويورك الويسكي

من يلقي في المقهى حلوه

من ينشد في الشارع غنوه

من يحرث في أمريكا من يزرع

من يحرث في فيتنام ويزرع

من يبقى في المصنع من يبقى

يا آلهة الموت الحمقى في امريكا

يا آلهة الموت الحمقى

وأدب المقاومة داخل الأرض المُحتلة.. ظَلّ يُنادي بتحرير الأرض لا من اليهود وإنما من الصهيونية.. الاستعمار فلوباش أوروبا الذين لفظتهم القارة العريقة من خلال وعد بلفور إلى عالمنا القديم هم في حقيقة الأمر من الأوباش القدامى الذين ظلّت تلفظهم جميع القرون والحضارات وهذا سر احتضان امريكا للحركة الصهيونية منذ مولدها.. فمثلما قتل الإنسان الهندي الأحمر لا يزال إلى الآن موضوع صناعة اللعب التي يلعب بها الطفل الأمريكي أتى الصهاينة نفس العمل، فقد جعلوا من إنساننا العربي في الأرض المحتلة موضوع ذات المتعة، ففي حوانيت تل أبيب وغيرها من مدن الوطن الفلسطيني المُغتصب لعب للأطفال ما أن يضغط الطفل على زر فيها حتى يتدلى منها إنسان عربي يتأرجح في حبل الإعدام وقد قال في ذلك شاعر المقاومة سالم جبران:

إنسان مشنوق

أحلى ملهاة للأطفال.. أحلى لعبة

كلا ليست في السوق

فلقد بيعت.. نفذت من لا تبحث عنها وليفهم طفلك

نفدت من أيام

ما أرواح الموتى في مُعتقلات النازيين

الإنسان المشنوق

ليس يهودياً في برلين

الإنسان المشنوق

عربي مثلي.. من شعبي

يشنقه إخوتكم

عفواً.. يشنقه أشباه النازيين

من صهيون

يا أرواح الموتى في مُعتقلات النازيين

لو تدرون.. لو تدرون

وظلّت علاقة الشعراء بالأرض بالتراب الفلسطيني يقول محمود درويش في (عاشق من فلسطين) في تأكيد وضغط على مَعانٍ يعيشها فهو يُكرِّر كلمة فلسطين ست مرات.. يقول:

فلسطين الاسم

فلسطينية الأحلام والهَم

فلسطينية المنديل والقدمين والجسم

فلسطينية الكلمات والصّمت

فلسطينية الصوت

فلسطينية الميلاد والموت

حملتك في دفاتري القديمة

نار أشعاري

حملتك زاد أسفاري

فعلاقة أدب المُقاومة مع الأرض ليست علاقة جمالية مُجرّدة مثلما تكون أي علاقة جمالية مع أي بقعة من الأرض.. فهي علاقة حب وطني جارف وحميم بكل أبعاده النضالية، عاطفة استفزتها لدى جميع شعراء الأرض المحتلة مؤثرات خارجية غريبة على الأرض وناسها.. هي الحركة الصهيونية، وعموماً قد رأينا وباختصار شديد كيف يرتبط أدب المقاومة في فلسطين المحتلة ببعده الاجتماعي الإيجابي وكيف انه في ذلك البعد ملتزم بالثورات التحررية في العالم، ورأينا أيضاً كيف يرتبط أدب المقاومة ببعده العربي.. وفهمه للقضية في إطارها الواقعي البعيد عن التشنج.. ولذلك كان شعر المقاومة وأدبها على الوجه الأعم متفائلاً منذ البدء.. ولم يكن تفاؤلاً ضارباً في الفراغ.. أو قائماً على الوهم، وإنما كان نتاجاً طبيعياً ومعافى وشديد المرامي.. لصيقاً بالجماهير وقضاياها وحقها هدف المقاومة وأداتها في آن واحد..

مقطع شعر:

قال المتنبي:

أجبت برك أن أردت رحيلا

فوجدت أكثر ما وجدت قليلا

وعلمت انك في المكارم راغب

حب اليها بكرة وأصيلا

فجعلت ما تهدي الي هدية

مني إليك وظرفها التأميلا

بر يخف على يدك قوله

ويكون محمله عليّ ثقيلا

صحيفة الصيحة