جعفر عباس يكتب.. أتذكر إذ لحافك جلد تيس؟ (إعادة)
جعفر عباس
اكتشفت مؤخرا أن عندي نحو سبع نظارات طبية في حالة جيدة، ولو انكسرت نظارتي الحالية فمشكلة “دامُّو” كما يقول أهلي النوبيون، أي نو بروبليم/ مفيش مشكلة. وعندي نفس البدلة التي لبستها يوم زواجي، وما زالت صالحة للاستخدام الآدمي، وكانت تلك أول بدلة امتلكتها في حياتي، فلما اقترنت بمناسبة مهمة في مسيرة حياتي الخالية من الإثارة، صارت تحظى بمكانة خاصة في نفسي، وما زلت احتفظ أيضا بالقميص الذي ارتديته يوم حفل زواجي الميمون، وأجمل ما في الحكاية أنه ما زال “مقاسي”، مما يجعل زعمي طوال سنوات عديدة أن عمري 39 سنة مقبولا ومنطقيا
ولكن المفاجأة كانت أنني اكتشفت ان عندي نحو 50 كرافتة. بعضها ظل على الربطة التي عقدتها قبل 25 سنة، يعني لم تحظ بغسلة قط. فقلت لنفسي: عندك ولدان ونصيب كل منهما من الورثة 25 كرافتة على الأقل. وبينما أنا سعيد بتأمل الكرافتات التي تؤكد أنني صرت ملك القيافة والأناقة بعد ان كدت أنسى جلباب الدمورية الذي هرى وبرى جلدي طوال سنوات الطفولة والصبا، وأقول لنفسي: سبحان الله كنا فين وبقينا فين! دخلت عليّ “مدام طار جنا الوزين” التي هي زوجتي المتخصصة في تكسير مجاديفي، فمهما أتأنق وأتقيف فهي ترى أنني مبهدل.. أقول لها يا بنت الناس أنا أعمل في مجال التلفزيون ومعي في قناة الجزيرة صبايا في عمر الورود، ولو صرت أكثر حلاوة فليس مستبعدا ان تخطفني إحداهن منك، فيكون ردها: أتنيَّل على عينك.. والله أنت قد تتسبب في تطفيشهن من القناة! رأتني المدام وأنا أنظر الى كرافتاتي مزهوا وصاحت: انت محتفظ بالدلاقين (الخرق المهلهلة) دي ليه؟ علما بأن كرافتاتي كلها إيطالية أو فرنسية من إنتاج تايوان وتايلند. ثم هجمت على الكرافتات وهي تسد أنفها بأصبعين، وخلال لحظات كانت قد ألقت بنحو 30 منها في سلة الأوساخ وكأنها تتخلص من مصارين خروف ظلت خارج الثلاجة لثلاثة أيام!
لا يغيب عن بالي مطلقا أنه أتى علي حين من الدهر لم أكن أحلم فيه بأكثر من أن يكون لدي 4 بنطلونات وستة قمصان، وأن يكون عندي من المال ما يسمح لي بشراء الآيسكريم كلما اشتهته نفسي، ثم هاجرت الى منطقة الخليج وصار لي ذلك العدد من الكرافتات، أنا الذي لم أكن أعرف كيف اربطها حتى ليلة زواجي، وصارت عندي بنطلونات لا أعرف عددها (السر في ذلك أنك قد تشتري بنطلونا وتلبسه مرتين وفي المرة الثالثة تكتشف أنك عاجز عن ارتدائه بسبب تمدد البطن أو انكماشها حسب حالة الطقس فتأتي بالبدائل)، ولكنني أردد على الدوام أبيات شعر ذلك العربي الذي دخل على معن بن زائدة وقال له: أتذكر إذ لحافك جلد تيسٍ/ وإذ نعلاك من جلد البعير/ فسبحان الذي أعطاك مُلكا/ وعَلَّمك الجلوس على السرير! طبعا أتذكر: لم يكن لحافي جلد تيس إلا من حيث الرائحة، وكان نعلاي من القماش القطني (صنع شركة باتا)، ولم يكن يقي القدم من لدغ العقارب والشوك، وسبحانه علمني النوم على سرير به مرتبة بعد ان كنت أنام على اللحاف على سرير زواياه غير قائمة ومنسوج بالحبال
وأتذكر ان جمع المال للزواج بالسيدة حرمي وزوجتي وبعلتي وقرينتي وهانمي ومدامي وأم عيالي و”وايفي” وحلم حياتي وهاتي هاتي يا نخلاتي استغرق مني سنتين، وكاد الزواج أن يفشل او يتأجل لسنتين أخريين، فقد سحبت قبل موعد الزواج بعدة أيام المبلغ المخصص للزواج من البنك ولم يكن في بيتنا مكان آمن لإخفاء تلك الثروة الهائلة (نحو 600 جنيه) ولأنني ذكي للغاية فقد خبأتها داخل حذاء قديم وراء جورب (شُراب) مهترئ.. وفي اليوم المحدد لتسليم مهر العروس المحظوظة، فتحت دولاب ملابسي ولم أجد أثرا للخزنة/ الحذاء وصرت أدخل وأطلع كمن به مس، ولاحظت إحدى أخواتي اضطرابي وسألتني عما بي، فحكيت لها حكاية الفلوس والبرطوش. كادت ان تصاب بنوبة قلبية، ثم تماسكت ودخلت زقاقا خلف الحمام وعادت ب”الجزمة” وكان المبلغ بكامله داخلها.
كنت قد عدت لتوي من بعثة دراسية في لندن ومعي أحذية لائقة، ورأت أختي ان ذلك البرطوش لا يليق بي، فقررت رميه في مقلب القمامة ولكن دخول ضيوف علينا جعلها تسرع بإخفائه خلف الحمام. ولولا أولئك الضيوف لكان أبو الجعافر – ربما – عانسا الى يومنا هذا! دنيا .. هأنذا جالس الآن امام كمبيوتر Dell وعلى يساري هاتف آيفون، وكوب عصير “طبيعي” صنع في بلد خليجي ليست فيه شجرة فاكهة واحدة! ياما انت كريم يا رب
جعفر عباس