سودانير عنده مثل الهواء الذي يستنشقه ،لذا فإنه لايجامل فيها ويصدح دائما بالحق الذي لايكترث لنتائجه عليه ،يعد من أبرز مهندسي الطيران في السودان ويصنف ضمن قائمة أصحاب الكفاءة لما يمتلكه من خبرة عملية جعلته علي دراية كاملة بكل تفاصيل سودانير التي ظل بين جدرانها لأربعة وأربعين عاماً شهد خلالها ازهي واسوأ فتراتها ،تختلط عنده المشاعر وهو يتحدث بفخر عن ماض عريق وحاضر قاتم ،بيد أنه في ذات الوقت يسيطر عليه التفاؤل بان الناقل الوطني يمكنه العودة أقوى مما كان إذا توفرت له أسباب النهوض التي تتمثل عنده في الإدارة ذات الكفاءة والدراية بكل خفايا الطيران .
إنه بهاء الدين الطيب محمد نور مهندس صيانة الطائرات بشركة الخطوط الجوية السودانية ،تعود علاقته مع الناقل الوطني الي العام 1978 الذي شهد تعيينه في شركة قضى ٤٤ عاماً بين جدرانها لذا فإنه يعتبرها مثلها و أبناؤه من فرط عشقه لها بل هي بمثابة بيته الثاني،في العام 1980 تم ابتعاثه ضمن مجموعة الي الخارج وحصل في العام 1983 علي دبلوم هندسة صيانة الطائرات،وبعد عودته الي السودان بات من المهندسين الشباب الذين يتولون أمر صيانة أسطول الشركة من الطائرات الذي كان يتكون في ذلك الوقت من طراز البوينج والفوكرز ووقتها كانت سودانير سفارة سودانية متحركة تجوب معظم دول العالم وتغطي أجزاء واسعة من قارات أوربا، أفريقيا وآسيا، وكانت تسير ستة رحلات في الأسبوع الي لندن بوصفها من المحطات الرئيسة حينها ،و كانت طائرات سودانير تقلع صوب روما بايطاليا وفرانفكروت بالمانيا وغيرها من مدن غربية،كما أنها كانت تحلق بصورة منتظمة في كل دول الخليج وغرب أفريقيا بل وصلت حتي كراتشي ،وفي ذلك الوقت فان تفرد الشركة لم ينبع من واقع امتلاكها أسطول من الطائرات وحسب بل لتعاقب إدارات علي مستوي عال من الكفاءة في مجال الطيران عليها حيث كان منصب المدير العام للشركة لايشغله إلا صاحب المقدرات الفنية والإدارية الحقيقية ،وفي تلك الفترة كان الكابتن تاج السر مالك الجزولي ،سيد أحمد محمد خير ،كابتن زمراوي ،سيد علي موسي ،عمر عبدالله السعيد وغيرهم مدراء تعاقبوا على إدارة الشركة ،وحتي علي صعيد مديري الإدارات كانت سودانير تمتاز بالكفاءات الحقيقية.
ويعتز المهندس بهاء الدين بعمله مع المهندس محمد صلاح الدين الزين الذي يعد أحد خبراء الطيران في العالم حيث كان مديرا لادارة الهندسة بسودانير ثم عمل مستشاراً للطيران لأمير الإمارات الشيخ زائد وللسلطان قابوس في عمان ومازال أحد أبرز الخبراء في العالم،وبذات القدر فان الإدارات الأخرى كانت تضم اساطين مثل ادارة العمليات التي كان علي رأسها الكابتن شيخ الدين ،أما الإدارة التجارية فقد كانت أيضاً تضم عمالقة مثل إسماعيل زمراوي،وهكذا كانت كل إدارات الشركة يتولي أمرها خبراء بكل ماتحمل الكلمة من معان.
يعود المهندس بهاء الدين الي تلك الفترة التي يصفها بالزاهية والذهبية ويشير الي ان الرحلات كانت منتظمة الي كل المحطات الخارجية والداخلية بالإضافة الي الوجود المؤثر والدائم في مواسم الحج ،وقال إن هذا جعل عائدات الشركة عالية ،ويلفت الي أنه وعند بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي تم إتخاذ قرار بتغيير الأسطول من البوينج الي الايربص بالإضافة الي الفوكرز ٥٠،ويعتقد أن هذه الفترة شهدت تراجع تشغيل الشركة بسبب تعيين إدارات لاعلاقة لها بالطيران وذلك لأن الاستيعاب كان استناداً علي الولاء السياسي للنظام البائد،وأردف:”ومن هنا بدأ إنهيار الشركة وتدهورها حيث دخلت في مشاكل إدارية ومالية” ،ولايعتقد بان الحظر الأمريكي كان له تأثير مستدلا بنجاح نصر الدين محمد أحمد في استجلاب طائرات فوكرز وايربص ،مشيراً الي سودانير بعد ان كانت تملك أسطول جيد باتت تحوز علي طائرة واحدة .
ويؤكد ان الحظر شماعة علقت عليها الإدارات المتعاقبة فشلها ،ويلفت الي أن طائرة الايربص 300 التي تم إهمالها لسنوات وبحسب المهندسين كان يمكنها العودة الي التشغيل ،ويلفت إلى أن مهندسي سودانير في عهد اللواء نصرالدين نجحوا تحت إصرارهم في إعادة طائرة بوينج للعمل بعد ان ظلت في شرق المطار لعشرة سنوات ،ويقول الي أن الطائرة الحالية ايربص320 تم تسفيرها الي جدة دون علمهم للصيانة وظلت لأربعة أشهر وبعد ذلك تم تسفيرها الي أوكرانيا وظلت فيها لمدة تقترب من الستة أشهر ،موضحاً أن ذات الطائرة تم إدخالها أخيراً الي صيانة عادية كان يفترض أن تكون فترتها عشرون يوماً ولكن مضي علي ذلك شهرين دون أن تنتهي.
ويضيف المهندس بهاء الدين :سودانير في عهدها النضر كانت تمتلك الورش الجانبية التي افتتحها الفريق أول عبدالماجد حامد خليل نائب الرئيس في العهد المايوي وفي هذا تأكيد علي أهميتها وضخامتها حيث كانت توفر 80% من قطع غيار الطائرات ،ولكن هذه الورش تم إغلاقها تماماً وباتت سودانير تذهب الي الشركات الأخرى منها وطنية لتوفير بعض مطلوبات الصيانة.
يتحسر المهندس بهاء الدين علي تقلص رحلات سودانير الي درجة لم يكن يتوقعها أكثر الناس تشاؤم ،ويسأل هل يعقل أن تسير سودانير بكل عراقة إسمها الكبير رحلات الي نيالا والقاهرة فقط بعد أن كانت تجوب العالم ،ويعتقد أن التعيين السياسي في عهد الانقاذ هو الذي أضر كثيرا بسودانير وضرب مثلاً بتولي أمام المسجد رئاسة إدارة بالشركة ،وينوه الي أن الشركات الوطنية التي تمكنت من التفوق علي سودانير استفادت من كفاءاتها التي تم الإستغناء عنها جورا وظلما، ويشير الي أنهم باتوا يتلقون الكورسات التنشيطية بأكاديمية شركة طيران وطنية بعد ان كانت سودانير تمتلك مركز تدريب عالمي ،ورغم حسرته علي الوضع الذي وصلت إليه سودانير إلا أن الكابتن بهاء الدين يؤكد إمكانية عودتها أقوى مما كانت اذا توفرت لها إدارة علي درجة عالية من الكفاءة والخبرة ،مشدداً علي أن سودانير تضم كفاءات نادرة ولكن لاتحظي بالفرصة لترك بصمتها ،ويطالب الحكومة بضرورة الإهتمام بالناقل الوطني.
ورغم انه علي بعد فترة قصيرة من التقاعد الي المعاش إلا أن بهاء الدين يأمل في أن تشرق شمس سودانير مجدداً، وتتملكه قناعة راسخة بإمكانية حدوث هذا من واقع استنادها على إرث ضخم وكوادر مؤهلة.
الخرطوم: طيران بلدنا