ما هي خيارات العسكر في السودان أمام تواصل الحراك في الشارع؟
يطالب البعض بابعاد الجيش كلياً عن الحكم بينما يشدد آخرون على تسليم السلطة بالكامل للمدنيين
إسماعيل محمد علي صحافي سوداني @ismaelAli61
دخلت الأزمة السودانية في مأزق حقيقي، في ظل اتساع رقعة الخلاف بين الشارع بما فيه من قوى سياسية مؤثرة، والمؤسسة العسكرية بكل مكوناتها، من جيش و”قوات دعم سريع” وشرطة، بسبب الضغط الجماهيري المتواصل في شكل مسيرات حاشدة متتالية تواجَه بعنف مفرط راح ضحيته حتى الآن 61 قتيلاً منذ اندلاع التظاهرات التي تطالب بإبعاد المنظومة العسكرية من المشهد السياسي وتسليم السلطة للمدنيين، وذلك في أعقاب إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حالة الطوارئ وفضّ الشراكة مع المدنيين بتعطيل الوثيقة الدستورية. لكن ما هي الخيارات المتاحة للمكون العسكري في مجلس السيادة السوداني، الذي يمسك بزمام السلطة، للخروج من هذه الأزمة بطريقة آمنة تحفظ البلاد من حالة الإنهيار؟
مشروع وطني
في هذا السياق، أشار الناطق الرسمي السابق باسم الجيش السوداني، الفريق ركن أول محمد بشير سليمان، إلى أن “الوضع السياسي القائم في السودان هو عبارة عن عملية تشاركية، وفي ظل تطورات الأحداث على صعيد التظاهرات المندلعة في الشارع لأكثر من شهرين متواصلين، فإن القضية ليست ايجاد مخرج للجيش بقدر ما هو ايجاد مخرج للدولة السودانية بكل مكوناتها السياسية والثقافية والاجتماعية، بما يبعدها عن حالة الخطر الذي قد يؤدي إلى كارثة لا يحمد عقباها”، لافتاً إلى أن “هناك معايير يجب أن يلتزم بها الجميع، من عسكريين ومدنيين، وهي مسألة الوحدة الوطنية باعتبارها هدفاً استراتيجياً، وفقدانها سيؤدي إلى خلل ومتاهات يصعب معهما تدراك الموقف، ومن هذا المنطلق يجب أن تصب المعالجات باتجاه الاستقرار السياسي والأمني تفادياً لحدوث الفوضى الخلّاقة”. وأضاف سليمان أن “تحقيق هذا الهدف يكون في وضع مشروع وطني في شكل ميثاق تحتضنه كل القوى المعنية في الشارع السوداني بما فيها القوات المسلحة، من دون إقصاء لأحد، على أن تُحدَد فيه الخطوط الحمراء للقضية الوطنية، وكيفية الخروج الآمِن للقوات المسلحة والمساعِد لها في أداء مهماتها ودورها في حماية الأمن القومي وتحدياته الماثلة، ويجب أن يُحاط ذلك بمفهوم سياسي يحفظ البلاد من حالة التشظي ويخرجها من النفق المظلم، لأن إخراج الجيش من دون اعتبارات تراعي الوطن لن يعالج القضية بأبعادها الشاملة بخاصة ما يتعلق بحماية البُعد الأمني”.
واعتبر الناطق السابق باسم الجيش أن “هذا الأمر يجب أن يدخل في دائرة التسامح بمعنى أن يسود مبدأ لا منتصر ولا مهزوم في ما حدث، وأن يركز الجميع على القضية العامة من دون الأفراد، وبما يؤمّن توافقاً سياسياً وطنياً يفضي إلى اجماع والتفاف حول الوطن، وأنه من خلال مشروع الميثاق الجديد يمكن تحديد كيف يُبنى ويطوَّر الجيش حتى يتمكن من القيام بواجباته كمؤسسة تنفيذية مسؤولة عن حماية ما تبقى من الفترة الانتقالية ومراقبة المسار التنفيذي وتهيئة المناخ وصولاً إلى انتخابات عامة نزيهة، وعلى المدنيين أن يستوعبوا هذا الشيء وأن يلتزموا بمبادئ الحكمة والبُعد الوطني حتى يتم الخروج الآمن والبيئة المساعدة للاستقرار”.
النظرة تجاه الجيش
وتابع سليمان “لا بد أن ينظر الجميع للقوات المسلحة بأنها مؤسسة قومية تقف على مسافة واحدة بين السودانيين حكومةً أو معارضة، ومن الخطأ إقصاء الجيش عن العملية السياسية، فلا بد أن يكون في موقع اتخاز القرار ما دام يقوم بمسؤولية حماية الأمن القومي، فضلاً عن تحديد عقيدته المعروفة بانتمائه لتراب هذا الوطن. ويجب أن تتم في هذه الفترة معالجة ملف الترتيبات الأمنية وفق اتفاق جوبا للسلام وهذا يتطلب من مجلس الوزراء المقبل توفير كافة المتطلبات، خصوصاً المادية منها، فإذا سرنا على هذا المنوال وحافظنا على هيبة الجيش وعدم الهتاف ضده أو ضد قيادته، فضلاً عن الابتعاد عن البُعد الخارجي، إقليمياً كان أم دولياً، إلى جانب محاربة خطاب الكراهية والقبلية والعنصرية، نكون ضمنا استقراراً حقيقياً وتعافياً مستداماً للقضية السودانية”.
فقدان الثقة
في المقابل، قال نائب رئيس تجمع قدامى المحاربين السودانيين، العميد معاش السر أحمد سعيد، “معلوم أنه كلما قلت الخيارات عند التعاطي مع أي مشكلة كلما تعقدت المشكلة، وهنا تظهر تجليات القائد الحقيقي الذي يخلق لنفسه خيارات آمنة ومقبولة، لكن في ما يتصل بالأزمة السودانية نجد أن المكون العسكري هو مَن خرق الوثيقة الدستورية التي هي بمثابة ميثاق وعهد يجمعه مع المكوّن المدني. وأدى هذا الإجراء الذي قام به قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر إلى فقدان الثقة بالمكون العسكري من جانب المدنيين، بالتالي فإن مجموعة العسكريين الخمسة الممثَلة في مجلس السيادة حرقت نفسها وهي على رأس السلطة”.
وتابع سعيد، “في الحقيقة إن المكوّن العسكري لا يمثل القوات المسلحة، لأن هذه القوات تضم مئات الشباب الذين يحملون رتباً صغيرة ولم يستشرهم أحد في ما يجري، وبالتأكيد لديهم رأي في ما يخص القوات المسلحة. لكن بالنسبة إلى الخيارات التي يمكن أن تشكل حلاً للأزمة الحالية، فهناك مشروعان، الأول هو خروج المجموعة العسكرية من المشهد السياسي من خلال ترتيب محدد مع الجانب المدني، والثاني يقتضي اتخاذ ترتيبات وفق ما قام به الرئيس الأسبق إبراهيم عبود في عام 1964، عندما حلّ المجلس العسكري ومجلس الوزراء وسلم السلطة لحكومة مدنية، وذلك بعدما حكّم صوت العقل إكراماً للقوات المسلحة وإخراج البلد من مأزق حقيقي في ظل مطالبة الشعب بالحكم المدني واتساع حجم التظاهرات”.
واستبعد نائب رئيس تجمّع قدامى المحاربين السودانيين، “حدوث فوضى في البلاد بسبب تواصل التظاهرات، وذلك نظراً إلى وعي الشارع السوداني الذي لن يتجه إلى حمل السلاح مهما بلغ الأمر والوصول إلى سيناريوهات سوريا والعراق وليبيا. فالسودانيون لا يعرفون مسألة التفجيرات واتجاهات العنف المدمرة مهما مورس ضدهم من عنف مفرط. لكن المشكلة تكمن في أن بقايا النظام السابق ما زالوا موجودين في مفاصل الدولة سواء أفراد يحتلون مواقع حساسة بخاصة القضاء، والصناعات والشركات، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً يصعّب الحلول السلمية”.
وأكد أن “الجيش السوداني لن يقف متفرجاً في اللحظات الحرجة، فالتيار الوطني داخله هو الغالب ويغلب عليه الالتزام الذي يجعله صمام أمان لهذه البلاد”.
حلول محلية ودولية
ويشهد السودان أزمة سياسية على وقع تظاهرات متواصلة عقب استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وانفراد البرهان بالسلطة، وهو ما يرفضه المتظاهرون الذين يطالبون بتنحي المكون العسكري عن السلطة نهائياً.
وجاءت استقالة حمدوك احتجاجاً على ما وصفه بحالة التشرذم بين القوى السياسية السودانية، وعجزه عن إنجاز التوافق السياسي الوطني الذي ظل ينادي به من خلال مبادرات عدة طرحها خلال توليه رئاسة الوزراء، لكنها لم تجد آذاناً صاغية، فضلاً عن الوتيرة المتسارعة للانقسام بين الشريكين، ما أثّر في فعالية وأداء الدولة، لتدخل الأزمة السودانية منعطفاً جديداً ربما أكثر حدة، لم تشهده البلاد منذ الاستقلال في عام 1956
وفي إطار الحلول لهذه الأزمة، أعلنت الأمم المتحدة، السبت 8 يناير (كانون الثاني) الحالي، إطلاق مشاورات أولية بين الأطراف السودانية من مدنيين وعسكريين بهدف حل الأزمة.
وبحسب بيان صادر عن رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، فستتم دعوة كل أصحاب المصلحة الرئيسيين، من المدنيين والعسكريين، بما في ذلك الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة، للمشاركة في العملية السياسية من دون تحديد موعد أو مكان لعقدها.
وأوضح بيرتس أن “العملية السياسية تهدف إلى دعم أصحاب المصلحة السودانيين للتوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية والاتفاق على مسار مستدام للتقدم نحو الديمقراطية والسلام”، معرباً عن قلقه الشديد من أن يؤدي الانسداد السياسي الراهن إلى الانزلاق بالبلاد نحو المزيد من عدم الاستقرار وإهدار المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحققت منذ قيام الثورة في ديسمبر (كانون الأول) 2018. وأضاف “لم تنجح كل التدابير التي تم اتخاذها حتى الآن في استعادة مسار التحول الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني، بيد أن الوقت حان لإنهاء العنف والدخول في عملية بنّاءة، وستكون العملية شاملة للجميع”.
وكان حزب الأمة القومي طرح في وقت سابق في إطار الجهود المحلية لحل هذه الأزمة، خريطة طريق تسعى لاستعادة الشرعية واستكمال مهمات الفترة الانتقالية، وذلك لمنع انزلاق البلاد إلى مربع الفوضى مع تباعد وجهات النظر بين أطراف سياسية مختلفة فشلت في تهدئة غضب الشارع، والوصول إلى رؤية واضحة تحقق أهداف الثورة.
وحددت خريطة الطريق خطوات العودة إلى المسار الدستوري من خلال الحوار بين كل أطراف المرحلة الانتقالية بإشراف إقليمي ودولي، ووضع ميثاق شرف ملزم يوقع عليه جميع الشركاء، وإعادة بناء تحالف الحرية والتغيير وفق نظام سياسي يحفظ التوازن، وعقد مؤتمر تأسيسي لإجازة خطة استئناف الشرعية واستكمال مهمات المرحلة الانتقالية، وتكوين لجنة قانونية لتطوير الوثيقة الدستورية.
صحيفة السوداني