أصاب الإحباط مئات آلاف العائلات السودانية مع توقّف برنامج “ثمرات” الذي كان يقدّم لها دعماً مالياً يمكّنها من مواجهة مصاعب الحياة المعيشية. والبرنامج، الذي عُلّق نتيجة الانقلاب العسكري، كانت قد أطلقته حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في عام 2020، لتقديم دعم نقدي مباشر لنحو 32 مليون سوداني من بين 40 مليوناً، العدد الكلي للسكان، من أجل مواجهة الظروف المعيشية القاسية التي تفاقمت عقب تطبيق الحكومة إصلاحات اقتصادية أدّت إلى ارتفاع كلفة الحياة مع زيادة أسعار كلّ السلع الضرورية والخدمات. ووفقاً لدراسات أعدّها البنك الدولي، فإنّ 30 في المائة من السودانيين لم يعودوا قادرين على شراء احتياجاتهم الضرورية بعد تطبيق الإصلاح الاقتصادي.
وكانت فكرة تقديم دعم نقدي مباشر للمواطنين قد أتت كبديل للدعم من خلال السلع الذي ظلّت تقدّمه الدولة لعقود طويلة، وذلك ظنّاً منها أنّ ذلك الدعم لا يحقّق مبدأ العدالة الاجتماعية لأنّه يُقدَّم إلى المستحقين وغير المستحقين. ويساعد البرنامج على تمكين المرأة وإشراكها من خلال تشجيع الأسر التي تعيلها نساء على التسجيل في البرنامج والاستفادة من خدماته، على أن يكون 50 في المائة من المستفيدين من الإناث. كذلك يهتمّ البرنامج بتسجيل ومراقبة وخفض حالات الشكاوى والعنف القائم على النوع الاجتماعي في أثناء تنفيذ أنشطة البرنامج.
وحصل برنامج “ثمرات” على دعم دولي منقطع النظير، إذ أعلنت دول ومنظمات عدّة تبرّعها لمصلحة المشروع بأكثر من مليار ونصف مليار دولار أميركي، تسلّمت منها الحكومة حتى سبتمبر/ أيلول الماضي نحو 800 مليون دولار لتنفيذ المرحلتَين الأولى والثانية منه اللتَين تستهدفان دعم 24 مليون شخص.
وعلى الرغم من بطء إجراءات التسجيل لأسباب تقنية وإدارية، فإن أكثر من 2.5 مليون شخص تسجّلوا، منهم نحو مليون وثمانية من الذكور و600 ألف من الإناث، فيما تسلّمت في الأشهر القليلة الماضية 1.3 مليون أسرة مستحقاتها المالية بواقع 2250 جنيهاً سودانياً (نحو خمسة دولارات أميركية)، لكلّ فرد، في حين استعدّت بقية الأسر لاستلام مستحقاتها في شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي وما يليه. لكن في 25 أكتوبر، نفّذ قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، انقلابه العسكري مطيحاً بحكومة عبد الله حمدوك وبمؤسسات دستورية كثيرة وأحال كلّ السلطات السيادية والتنفيذية إليه، وسط رفض داخلي وكذلك خارجي واسع للخطوة الانقلابية. ومن بين ارتدادات تلك الخطوة، تعليق البنك الدولي كلّ عمليات الدعم والتعاون مع السودان، ما جعل برنامج “ثمرات” لدعم الأسرالسودانية أوّل المشاريع المتأثّرة بالمواقف الدولية، وعُلّقت كلّ الأنشطة المرتبطة بالبرنامج بما في ذلك عمليات التسجيل والدفع النقدي المباشر للأسر. وقد فشلت حتى الآن عمليات التواصل ما بين السلطات الانقلابية والبنك الدولي وبقية المانحين بهدف استئناف الدعم الدولي لـ”ثمرات”.
آمال خابت
عبد المنعم صالح، مواطن سوداني يبلغ من العمر 50 عاماً، هو تسجّل مع زوجته وابنته للحصول على دعم نقدي مباشر. وبالفعل، بعد سلسلة من الإجراءات الطويلة، استلم دعم الأسرة في أغسطس/ آب الماضي بقيمة ستة آلاف و800 جنيه (نحو 15.50 دولاراً)، وكذلك الأمر في سبتمبر الذي تلاه. لكنّه فوجئ في أكتوبر بقرار إدارة برنامج “ثمرات” وقف تحويل المال، الأمر الذي أصابه بإحباط شديد وتحسّر على ضياع أمله بالحصول على المبلغ المخصّص له. يقول صالح لـ”العربي الجديد”، إنّ “الدعم على مدى شهرَين فكّ ضائقات معيشية، إذ ساعدني على سداد بدل إيجار منزلي، واشتريت بواسطته حاجيات ضرورية، خصوصاً أنّ المبلغ هو أكبر ممّا أتقاضاه في بحثي اليومي عن الرزق لي ولأسرتي”. ويعبّر صالح عن أمله في أن تستعيد الحكومة الدعم الدولي ليعود الدعم “لي ولآلاف السودانيين الذين بدأوا يعتمدون على ثمرات لمساعدتهم في قهر ظروف الحياة”.
بدوره، علّق يحيى عبد الجليل آمالاً كبيرة على برنامج “ثمرات”. هو أب لثمانية أبناء وبنات، معظمهم في المدارس، وقد أكمل تسجيل نفسه وأسرته في مطلع أكتوبر الماضي، ووعده العاملون في البرنامج باستلام 22 ألفاً و200 جنيه (نحو 50 دولاراً)، في نهاية ذلك الشهر، لكنّ الانقلاب العسكري أتى وفقدت البلاد دعماً كبيراً كان مخصصاً للفقراء. يقول عبد الجليل لـ”العربي الجديد”، إنّ “الأوضاع المعيشية ازدادت سوءاً بعد انقلاب 25 أكتوبر، فقطعة الخبزالمدعوم التي كانت تُباع بجنيهَين (0.005 دولار) فقط، صار سعرها اليوم 35 جنيهاً (0.01 دولار)، فيما أعلنت حكومة الانقلاب نيّتها رفع الدعم عن الخبز والكهرباء كلياً، ما يعني أنّ الفقراء سوف يزدادون فقراً”. ويؤكد عبد الجليل أنّه شخصياً “ضدّ فكرة دعم السلع لأنّها مدخل للفساد المالي، ولعلّ أفضل طريقة للدعم هي الدعم النقدي المباشر الذي بدأ عبر برنامج ثمرات والذي سوف يقود توقّفه إلى انتكاسة جديدة بين الناس”. أمّا عبد الله الضي، وهو من الذين استفادوا مرّتَين من البرنامج، فيتحسّر على توقّفه، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أنّ “المبلغ الذي استلمته ساعدني كثيراً. وأيّ مبلغ يُقدَّم سوف تكون له قيمته، خصوصاً لذوي الدخل المحدود. فما يحتاجه الفرد في اليوم يقدّر بنحو 400 جنيه (نحو 9 دولارات)، ولا تكفي الرواتب الحالية حتى الموظفين لبلوغ نصف الشهر”.
ويتّفق عبد الرحمن عبد الباسط مع مواطنيه الذين عبّروا عن إحباطهم ويشاركهم الشعور، بعد توقّف برنامج “ثمرات”، ويشير في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “ثمّة قيمة مضافة للبرنامج بعيداً عن المبالغ المالية وقدرها وفائدتها”، داعياً الدولة السودانية إلى “البحث عن بدائل للمانحين أو إعادة تنشيط برامج الدعم الأخرى، مثل دعم وزارة الرعاية الاجتماعية وتوسيع مظلته، وكذلك تعزيز التأمين الصحي ومصارف الزكاة، وزيادة الأجور، على الرغم من علمنا كمواطنين بخواء خزينة الدولة”. ويرى عبد الباسط أنّ “الحل الأفضل يبقى عودة التفاوض مع البنك الدولي، وهو أمر يتطلب تنازلات سياسية وتحسين البئية السياسية، وهذا مطلوب وضروي ومهمّ إذا قيس بحجم آثار وقف الدعم ليس في إطار برنامج ثمرات فحسب، إنّما في مجالات أخرى ذات أثر اجتماعي”، ويشدّد على “ضرورة المحافظة على الأموال المتبقية من برنامج ثمرات وعدم صرفها إلى حين استئناف العمل بالبرنامج”.
الأموال محفوظة
وكانت إدارة برنامج “ثمرات” لدعم الأسر السودانية قد أصدرت بياناً مؤخراً أعادت فيه التأكيد على استمرار توقّف الأنشطة الخاصة بعمليات التسجيل والدفع النقدي المباشر للمواطنين حتى إشعار آخر، وذلك بسبب استمرار البنك الدولي في تعليق أنشطته بالسودان، مشيرة إلى أنّ الحديث حول استئناف عمل البرنامج غير صحيح. ونفت الإدارة ما عدّته مزاعم منتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي حول سرقة أموال البرنامج من بنك السودان المركزي وتهريبها إلى خارج السودان، مؤكدة أنّ لا أساس لها من الصحة، وأوضحت أنّ أموال البرنامج مودعة في حسابات جارية وليس في صناديق باسم البرنامج في داخل البنوك حتى تتمّ سرقتها بشكل انتقائي، ولا تستطيع أيّ جهة مهما كانت سحب أموال البرنامج إلا بحسب الطرق القانونية المتّبعة لسحب الودائع من البنوك. وشرحت الإدارة أنّه في حالة حساب ثمرات، فإنّ عمليات السحب تستلزم توقيع جهات عدّة، منها مدير البرنامج ومديره المالي وحكومة السودان بتوقيعَين، بعد تقديم طلب يُحدَّد فيه الغرض من السحب، وأكّدت أيضاً أنّه لا يمكن استخدام أموال البرنامج لأيّ أغراض أخرى غيرالدفع النقدي للأسر السودانية المستحقّة والمصروفات اللازمة لتوصيل هذه المدفوعات.
في سياق متصل، يقول الخبير في مجال الدعم الاجتماعي سليمان علي، لـ”العربي الجديد”، إنّه يتوجّب على الحكومة البحث عن بدائل لبرنامج ثمرات، وما أكثرها، وأهمّها مشاريع شبكات الضمان الاجتماعي التي تحظى بميزة إضافية بتدخّلاتها المتنوعة من دعم نقدي اجتماعي وتأمين صحي وتحويل الأسر الفقيرة إلى أسر منتجة، بعد دراسات تعتمد على مستوى التعليم وطبيعة المنطقة الجغرافية للمستهدفين ونشاطات المجتمعات المحلية وثقافاتها”.
ويشير علي إلى “النجاحات التي حققتها مشاريع شبكات الضمان الاجتماعي في عدد من المناطق من قبيل شمال كردفان، غربي السودان، حيث تحوّلت أسر فقيرة كثيرة إلى أسر منتجة في مجال الذرة والسمسم وشتول الصمغ العربي والإنتاج الحيواني والدواجن”. ويقترح علي “الاعتماد على وزارة المالية في توفير النقد، على أن يُترك لمنظمات المجتمع المدني القيام بالإجراءات الفنية”، مشدّداً على “الاستفادة من كلّ ايجابيات شبكات الضمان الاجتماعي في السنوات الماضية، الأمر الذي من شأنه أن ينتج أفكاراً جديدة للحدّ من الفقر”.
العربي الجديد