العملاء هم أعداء المصالحة الوطنية الشاملة التي تحقق الانتقال الديموقراطي

كثر في الآونة الأخيرة استخدام كلمة ( عملاء ) ، وكذلك عبارة ( مصالحة وطنية شاملة ) ، وقد يبدو أن لا علاقة بين المفهومين موضوعيا للوهلة الأولى .. لكن العكس ..

لقد ظل البعض يعيب على البعض الآخر استخدامه لكلمة ( عملاء ) – ربما بشكل مفرط – ضد كافة خصومه السياسيين ، ويرون أنه لا يمكنك أن تصف الآخر بالعمالة وتنادي في ذات الوقت ( بمصالحة وطنية شاملة ) !! .. فلا يستقيم ذلك ..

ما يجب تبيانه أنه ليس هناك تعارض في أن تصف بعض الناس بالعمالة ، وأن تنادي بمصالحة وطنية شاملة في ذات الوقت ..
لكن عليك أن توجه كلمة ( عملاء ) في الاتجاه الصحيح ؛ فهي ليست “لفظة مطلقة” ، ولا يجب أن تطلق على عواهنها تجاه كل من هم ضدك في الفكر أو الرأي أو الممارسة السياسية ..

( العمالة ) وصف محدد ينطبق على أشخاص معينين ، و”هم من يعملون ضد مصلحة بلادهم لصالح أجندة خارجية ؛ قد تخدم مصالحهم الشخصية” ، ولذلك نجد العملاء دائما يعملون ضد أي برنامج او ( مشروع وطني ) لأنه – في الغالب – سيخالف أهدافهم ويهدد مصالحهم ، فالعملاء هم أشخاص انتهازيون مثل “أمراء الحرب تماماً ” ؛ يعيشون ويتكسبون أكثر في حالة الأجواء العكرة والكوارث والصراعات ..

والعملاء ليس بالضرورة أن تربطهم رابطة عضوية واحدة ومحددة مثل حزب أو منظمة أو جماعة ، بل قد يكونوا أفراد مستقلين لا توجه سياسي لديهم ، لكن لديهم مصالح وأهداف شخصية ؛ يحرصون على تحقيقها أو حمايتها أو تنميتها وتعزيزها مستفيدين من ظروف معينة ” استثنائية او عادية” داخل البلاد ، ولكنهم مشتركين مع أشخاص أو جهات أجنبية في بعض هذه الأهداف ؛ جعلتهم يعملون مع بعضهم البعض بشكل دائم أو مؤقت بما قد يهدد أمن واستقرار ومصالح هذا البلد أو يقلل فرصه من التطور والنماء لأنهم يستثمرون في أزماته ومعاناته لخدمة مصالحهم الخاصة ..

وبين المصلحة العامة والمصالحة علاقة سببية ( فالمصالحة الوطنية الشاملة ) .. هي مفهوم راقي يعكس الوعي والعمق الحضاري لأي مجتمع ، فهو مفهوم يقوم على خلق أرضية مشتركة “بين الأضاد” للوصول إلى “قاسم مشترك” في الرؤى وفي العمل الوطني ؛ لما يخدم مصلحة الوطن العليا ، وهنا يأتي التباين الذي يعكس تعارض ( مصلحة العملاء الضيقة .. والمصلحة الوطنية العليا ) ..

ولذلك المصالحة الوطنية الشاملة هي سبب يقود إلى ( المصلحة الوطنية العليا ) ومن هنا فهي أمر مطلوب بشدة ؛ لنزع فتيل الأزمات وخلق الاستقرار العام ، وتفويت الفرصة على أعداء الوطن ؛ خاصة إذا كانت البلاد رخوة وتشهد تهديدات خطيرة تستهدف وجودها وتعيق تطورها وتقدمها ..
اذا ليس صحيحا بالضرورة أن تعبر المصالحة الوطنية عن “تقسيم سلطة أو ثروة” او اقتسام كيكة الحكم ، ولا هي “مساومة” يتم فيها منح صكوك غفران او تذويب عدالة او الحصول على غنائم عبر مفاوضات يحمل فيها كل طرف قائمة مطالب خاصة وضيقة .. وانما هي “تضحيات وتنازلات سامية” عبر حوار مجتمعي يتم فيه تجاوز مرارات وجراحات وآلام الوطن وشعبه ؛ بسبب كافة أنواع الانتهاكات المرتكبة ، وبعيدا عن الانتقام أو الثأر والتشفي وانما بإعمال أسس العدالة والقانون دون تصفية حسابات سياسية ، ولذلك المصالحة من ضرورات تحقيق الانتقال الديموقراطي ، وضمان مستقبل أفضل للبلاد بدون تكرار الانتهاكات وفق ضمانات دستورية ..

لذلك يجب أن يتواضع فيها جميع الأطراف “أصحاب المصلحة” على “موقف وطني مشترك” ، يضع حدا للصراع والدماء والفوضى ، ويجنب البلاد ويلات إلانزلاق إلى حافة الهاوية ، لأنه إذا حدث ذلك فان المعبد سنهد على رؤوس الجميع ، ويترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها ..

اذا المصالحة الوطنية هي مفاضلة أخلاقية تعبر عن “إيثار سامي” ، و”سلوك رشيد” يعبر عن المكنونات والقيم الأخلاقية والمجتمعية والفكرية والثقافية لغالبية أفراد الشعب وتكويناته السياسية والاجتماعية ، ويقوم بها ممثلي الشعب من ( العقلاء والحكماء وأصحاب الرأي ومتخذي القرار ) الذين يفكرون ويغلبون المصالح العامة للبلاد والعباد ؛ على المكاسب الضيقة والفردية .. ولذلك لا تلتقي ابدا مصلحة “العملاء” مع مصلحة “أبناء الوطن الشرفاء” ، ولا تتحقق مصلحة الوطن العليا في بلد مثل السودان بظروفه الحالية ؛ بدون مصالحة وطنية شاملة ..

✍️د. عبد المحمود النور

Exit mobile version