حتى لا يكون الحصول على خيمة هي أمنيات اطفالنا في السودان

ما كان للبشير أن يوقع اتفاقية نيفاشا ليكون جون قرنق نائبا له في القصر الجمهوري لولا المفاصلة بين الاسلاميين و انحياز معظم الشباب الفاعلين في الحركة للترابي .
أولئك الشباب الذين تم تجييشهم و شحن عواطفهم الجياشة بان قرنق و مناصروه ما هم إلا أدوات الإمبريالية العالمية لغزو السودان و اجتثاث الإسلام من اهله و مجتمعه . لا أحد في أجهزة الاعلام وقتها يستطيع أن يقول الحقيقة بان الأمر ليس كذلك ، و تلك الحرب علاقتها بالدين كعلاقة المظاهرات الجارية الآن بالديمقراطية ، و كل من يقول ذلك وقتها يتم تجريمه و تصنيفه على أنه شيوعي و عميل ، تماما كمن يقول الحقيقة اليوم بأنه كوز مأجور، فقط يختلف من يطلق الاتهام ، و يظل من يقول الحقيقة هو المتهم .
يونس محمود وقتها يسيطر على كبار السن بالحديث السياسي العاطفي الممجوج، و إسحاق فضل الله عبر ساحات الفداء يجيش مزيدا من الشباب ليلقوا بأجسادهم أمام الدبابات و المحارق لإيقاف الزحف الزنجي النصراني الوثني الإمبريالي العالمي الذي يهدد اسلام العالم العربي …
عدد كبير من أفضل الشباب المميزين ابتلعتهم الحرب من الطرفين ، شباب لا يقلون وطنية ولا شجاعة عمن تحصدهم الآلة العسكرية في هذه الأيام في شوارع الخرطوم ، أولئك قدموا ارواحهم لحماية الإسلام من الاقتلاع، و هؤلاء يقدمون ارواحهم اليوم لإحداث التحول الديمقراطي المنشود .
كتب على شباب السودان على امتداد تاريخه الحديث أن يكونوا ضحايا المشاريع السياسية الإقصائية الفاشلة . دوما يغلف السياسيين رغباتهم الإقصائية بقيم و اهداف براقة يجذبون و يخدعون بها الشباب ليدفعوا ارواحهم و دماءهم ثمنا لها …
لن تقنع الكثير ممن تبقى اليوم من شباب الاسلاميين بان حربهم في التسعينات لم تكن حربا دينية للدفاع عن الإسلام، إنما كانت حرب سياسية للدفاع عن مشروع الجبهة الإسلامية الإقصائي لليسار العلماني الذي اتحد مع قرنق لإسقاطه .
و كذلك اليوم لن تقنع الشباب الذين يرفعون لافتة لا حوار ولا تفاوض و لا اتفاق ، بان هذه شعارات اليسار الذي يحارب الوجود الإسلامي في الشارع و يرفض الانتخابات ، و يرفض حتى الجلوس للحوار لانه سيؤدي إلى تحول ديمقراطي حقيقي لن يأتي بأحزابهم الخربة إلى السلطة التي تسيل لها اللعاب .
رضينا أم ابينا، ما يحدث الآن هو امتداد للصراع بين اليمين و اليسار المتطرف ، الصراع الذي هدر دماء السودانيين في الجزيرة ابا و ود نوباوي، و سألت فيه الدماء في هجوم ٧٦ ، وسالت الدماء في الجنوب و في جبال النوبة و النيل الأزرق و في همشكوريب في الشرق ، صراع سالت فيه الدماء في عهد الانقاذ بالقتل في المعتقلات و التعذيب و التنكيل بغرز المسامير في الرؤس و حشر الأجسام الصلبة في الدبور . صراع سالت فيه دماء الشباب في القيادة العامة بعد سقوط الانقاذ ، و استمر الموت حتى في الفترة الانتقالية ايام حكم هذه الأحزاب التي تتبجح بألا حوار بالنهار و تبرك لحميدتي بالليل ، في عهدها تكدست جثامين الشباب الطاهرة في الحاويات حتى تصدت و سالت دماءها، وتجمع الشباب و تظاهروا فتم دفنها و دفن قضيتها معها حتى سقطت السلطة البائسة بانقلاب أسوأ ظل يحصد الأرواح كالعصافير …
يجب أن نكون صادقين مع هؤلاء الشباب بانهم اليوم ضحية لحرب ايدلوجية بين طرفين متناقضين لا يعيش احدهما إلا في إقصاء الآخر، احدهم خدع الشباب بالدين و الآخر يخدعهم بالحرية و الديمقراطية ، و يجعلهم يرفعون شعارات مناقضة لقيمها ، فأي ديمقراطية تتم بدون حوار أو تفاوض !!! . ما معنى أن تحمل هذه اللافتة الغبية و تنادي بالديمقراطية ؟؟ .
لم ينقذ الاسلاميين من توقيع الاتفاق مع قرنق سوى المفاصلة و إبعاد و تشريد شبابهم الذين غذوا افكارهم بأن قرنق و مشروعه هو عدو الإسلام، فكيف يقنعوهم بجلوسه نائبا للبشير في القصر ؟! .
الآن كيف تستطيع الجهات التي تغذي مشاعر الشباب بشعارات لا تفاوض ولا اتفاق بأنها هي الوسيلة الوحيدة للديمقراطية و استقرار البلاد و تنميتها ؟! …
للاسف السياسي لا يحير دليلا و لا تنقصه الوضاعة في التنصل عن أي قيم دفع فيها الشباب دمه مهرا لها . فإن لاحت فرصة كرسي خالي فسيبيع دمائهم و يجد الأسباب المقنعة في اسطوانته المشروخة .
الحوار و التفاوض و الاتفاق السياسي هو مخرجنا الوحيد لإيقاف سيل هذه الدماء و منع انهيار البلاد و تفتيتها . ضريبة الحوار ارخص بكثير من فاتورة الحرب و الموت . فقد نشرت في صفحتي بالأمس مقطع يفطر القلب لطفلة سورية قالت أن امنيتها في العام الجديد أن تتحصل على خيمة 😭 .
دعونا نتفاوض و نتحاور و نتفق على كيف نحكم بلادنا و نخلق لها الاستقرار بدلا أن يكون إيجاد خيمة هي أمنيات اطفالنا للعام ٢٠٢٣ .

سالم الامين بشير ٢ يناير ٢٠٢٢

Exit mobile version