حمدوك..الاستقالة .. قبل الإقالة..
استقالة الدكتور عبد الله حمدوك لا تزال حتى لحظة كتابة هذه السطور تقع تحت بند ” الأعمال الجليلة” التي سيخلدها شعب السودان ويذكرها بفضل كبير في صفحات سيرة حمدوك في كتب التاريخ.. لكن الوقت يمضي بسرعة فإذا تأخر حمدوك في تقديمها رسمياً فأخشى أن يفوته القطار وتصبح تحت طائلة (اقالة) لا استقالة.. إقالة يفرضها الشعب السوداني عنوة واقتداراً عندما يدركه اليأس من انتظار (عبور) لن يحققه حمدوك.
أدرك تماماً أن أي موقع قيادي رفيع محاط بكثير من (الحاشية) التي توسوس في صدور القادة وأحياناً كثيرة تحرمهم من شرف البطولة والأمجاد بتثبيط همتهم في مغادرة المشهد في الوقت المناسب قبل “صفير” الجمهور.
الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي كانت الحقائق تمضي أمامه وينظر إليها ولا يصدقها لأن عقله وقلبه مع “الحاشية” الوسّواسة الخنّاسة.. حتى أدركه الغرق مثل فرعون موسى فصاح في آخر لحظة (الآن فهمت.. الآن فهمت) و رد عليه شعبه (الآن وقد عصيت من قبل).. (فاليوم ننجينك ببدنك لتكون لمن خلفك آية..)
وحتى المخلوع البشير ساق القدر له أكثر من فرصة مناسبة لو اغتنمها لكن اليوم معززا مكرماً في بيته بل ولربما ضيفاً على القنوات الفضائية يحكي عن تجربته في الحكم، لكنه أدمن منذ سنوات طويلة الاستماع إلى “الحاشية” التي تعلم ما يهوى قلبه وتسعده بما يتمنى أن يسمع، حتى أتاه اليقين في لحظة كان يتأهب فيها لمواجهة اعتصام القيادة العامة، ومن مكمنه يؤتى الحذِر، فأطحات به لجنة أمنه، وهو لا يكاد يصدق ..
الآن الفرصة أمام حمدوك ، إما أن يصبح بطلاً قومياً لكونه قدم استقالته بكامل إرادته وفي الوقت المناسب، أو ينتظر وحتماً يغرقه الطوفان وعندها سينال لقب “رئيس الوزراء المُقال” بفارق درجة ونصف من “المخلوع”.
“الحاشية” المحيطة بأي مسؤول رفيع في عالمنا الثالث لا تمنح النصيحة إلا وفق حسابات فيها مزيج من المصالح – ولتحسين العبارة يمكن أن تقرأ العواطف- المتداخلة، لكن بالضرورة لا تجرح “الحاشية” خاطر المسؤول أبداً بالنصيحة الصحيحة إن كانت لا تسر قلبه.. ومن هنا تأتي المصائب.. فالمسؤول الرفيع عادة لا يرى بعينه بل بهوى نفسه طالما هناك من ينفخ الهوى بالهواء..
نصيحة صادقة للدكتور عبدالله حمدوك.. قدم استقالتك واكسب مجدها.. فالزمن المتبقي قصير قبل أن تتحول إلى “اقالة” يسطرها التاريخ في صحيفتك.
(ما فيش زمن) الحكم ينظر إلى الساعة والصافرة في فمه..!!
صحيفة السوداني