أثار الخبر المتداول بكثافة عن اعتزام د.حمدوك تقديم استقالته، موجة عاتية من التعليقات وردود الأفعال على كافة المستويات والفعاليات، وانقسم المعلقون على خبر الاستقالة أو بالأحرى التلويح بها الى فريقين، فريق مؤيد للاستقالة، وفريق آخر رافض لها، ولكل من الفريقين أسبابه وحججه وحيثياته الداعمة لموقفه، فالرافضون لاستقالة حمدوك في حال حدوثها فعليا، يبدون تخوفا واضحا من أنها سترصف طريق الاندياح والتمدد لانقلاب البرهان وانفراده بالاستحواذ الكامل على كل مفاصل الدولة، بدءا بالمساحات التي انحسر نفوذهم عنها بعد عودة حمدوك واتخاذه لعدد من القرارات التي جبت قرارات قائد الانقلاب، وصعودا حتى عودة الفلول وعناصر النظام البائد والانقلابيين من المدنيين الذين سيكونون الأكثر سعادة واستفادة من الأوضاع الجديدة، خاصة أنهم كانوا الأكثر تأييدا للانقلاب وعبروا عن سعادة بالغة به، وكانت عودة حمدوك قد شكلت صدمة كبيرة لهم بوأدها لطموحاتهم في مهدها، هذا غير ما سيكون عليه الحال بعد سيطرة الانقلابيون واحكام قبضتهم على البلاد، اذ لن تكون لهم حاضنة سوى البندقية، كما لن يكون لديهم أي رؤية أو أفق سياسي غير القبضة الشمولية والديكتاتورية الخانقة، شأنهم شأن أي انقلاب كامل الدسم لتثبيت أقدامه وتوطين أركانه، ومع مثل هذه الأوضاع المتفجرة، ليس من المستبعد بل الأرجح أن تنزلق البلاد الى أتون العنف والحرب بما يهدد مصير وجودها ذاته، ويدعم البعض الاتجاه الرافض للاستقالة، بأن التعنت والعناد في اتخاذ موقف صمدي في الشؤون السياسية المتحركة أمر معيب، ذلك أن السياسة هي فن الممكن وفن الدهاء وفن المناورة ومن لا يجيد أدواتها مصيره السقوط، وذلك ما يفرض ضرورة ليس اثناء حمدوك عن الاستقالة، بل ودعمه بكل السبل سواء بطريقة مباشرة وصريحة أو غير مباشرة، وجعل الاستقالة مجرد كرت وسلاح يتم اشهاره بوجه الانقلابيين والقتلة، خاصة وأن حمدوك مقبول ومدعوم دوليا ويمكن ان يكون شوكة في خاصرة العسكر الي حين سقوطهم المرتقب باذن الله تعالى، وربما حرك هذا الأمر الوطنيين والشرفاء من العسكريين لابعاد البرهان والانقلابيين عن قيادة الجيش..
أما الفريق الآخر المؤيد لاستقالة حمدوك، تتلخص رؤيته في أن الاستقالة، ستكشف الانقلابيين أمام الداخل والمجتمع الدولي، وتعريهم حتى من ورقة التوت التي غطاهم بها حمدوك بعد قبوله العودة وفقا للاتفاق السياسي الذي وقعه مع قائد الانقلاب البرهان، وهذا ما يعزز قناعة الكل باستحالة أن تمضي البلاد باتجاه توطين مدنية الدولة وديمقراطيتها في وجود العسكر، وسيؤدي ذلك في المحصلة لالتفاف الشعب السوداني والثوار كافة وتوحدهم حول هدف اسقاط الانقلاب بعزيمة وهمة أكبر، وسيتضامن المجتمع الدولي بصورة أكثر جدية وعملية مع هذا المطلب الشعبي، ويكثف من ضغوطه على الانقلابيين، فيتحقق ضربة لازب هزيمة الانقلابيين بما يفتح المجال لاقامة الحكم المدني الكامل..هذا ما كان بخصوص الرأيين المتقاطعين عن استقالة حمدوك، فيما يميل رأي الشخصي أنا كاتب هذا العمود لتغليب الرأي الأول الرافض للاستقالة، أقول ذلك حتى لا أبدو مجرد ناقل للآراء، ولم اعرض الرأي المؤيد للاستقالة الا من باب الأمانة الصحفية التي تلزمني بوضع الصورة كاملة أمام القارئ ليحدد خياره بنفسه..
صحيفة الجريدة