عبد الله مسار يكتب.. مليونية ١٩ ديسمبر٢٠٢١م

خرجت في الخرطوم وبعض ولايات السودان، مظاهرات شبابية تأخذ منحيين، بعضهم احتفاءً بذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في ١٩ ديسمبر١٩٥٥م، حيث قدم الاقتراح النائب عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة من جنوب دارفور محلية عد الفرسان (عد الغنم) سابقاً، وثنّي الاقتراح جمعة سهل من شمال كردفان وبعده اعترفت دولتا الحكم الثنائي مصر وبريطانيا باستقلال السودان وتم الاستقلال في الفاتح من يناير١٩٥٦م.

وخرج آخرون احتفالاً بذكرى ثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م

وكانت جموع الشباب كبيرة ولكنها أقل مما خرجوا في مليونيات أكتوبر ونوفمبر المنصرمين وتحديداً يومي ٣٠ اكتوبر و٢١ نوفمبر.

وغالب الذين خرجوا هم شباب وأغلب شعاراتهم رفض الانقلاب وضد العسكر وضد حمدوك, وأغلب هؤلاء الشباب غير مسيسين وغير مُنتمين لأحزاب، رغم مُحاولة قادة أحزاب قحت الشعبطة فيهم وأعتقد أنهم فئات مختلفة.

فئة شباب ثوار حقيقيين ممن قاموا بثورة ديسمبر عام ٢٠١٨ وهم يُنادون بالمدنية دون أن يعرفوا أنّها تأتي بنهاية الفترة الانتقالية ومحلها بعد الانتخابات للوصول الى حكومة مُنتخبة ونظام ديمقراطي بتفويض دستوري، وإننا الآن في الفترة الانتقالية التي يعقبها التحول الديمقراطي والحكم المدني.

شباب آخرون من احزاب قحت وبعض احزاب من اليسار كالحزب الشيوعي وهم قلة ولكن موجودون بحكم أنّ البرهان أخرجهم من الحكم في ٢٥ اكتوبر٢٠٢١م.

ومجموعة أحزاب تُحرِّكهم دوائر المخابرات الخارجية وبعض منسوبي السفارات لصالح مشاريعهم.

ولذلك كانت الشعارات عمومية ولا تنطوي على برنامج ولا تُوجد لها قيادة وهُم أغلبهم ضد الأحزاب، بل هم تصنيفهم ليبراليون اجتماعيون، وهم ليسوا جمهور احزاب بقدر ما هم حشود وهي مظاهرات غير سياسية ومُعادية للسَّاسة والسِّياسة, وكذلك ليس لها برنامج ومشروع وطني، ولذلك هتفت ضد ابراهيم الشيخ وخالد سلك, وما استطاع الحزبيون أن يتماهوا مع الحشود والجموع التي خرجت، وهذا يؤكد أن دور قحت في تنظيم هذه المظاهرات كان ضعيفاً، بل يظهر فيها دور آخرين، لجان المقاومة والحزب الشيوعي وبعض من عضوية تجمع المهنيين!

والملاحظ ان عدم وجود حزبي فيها جعلها بدون هدفٍ ولذلك ظهر عليها.

إن أعداد هذه الحشود ميدانياً ليست كبيرة, وكذلك لم تستطع بعد وصولها القصر الجمهوري إقامة اعتصام لأنه ليس لديها دعمٌ من القوات المسلحة ولا الدعم السريع ولا تُوجد لها قيادة سياسية.

وكذلك ليس هنالك اتّفاقٌ سياسيٌّ, والحُشُود ليست مُحدّدة الهدف النهائي من التظاهرة, ولذلك كانت مظاهرات غاضبة بدون هوية.

وعليه, اعتقد أن هذه التظاهرات التي خرجت شعبوية ليبرالية وهي ضد الساسة والسياسيين، ولذلك ينعدم فيها الحوار والتفكير فيه، بل لا تحقق مطالبها بذهاب البرهان وحمدوك لأنها لا تملك أداة التغيير، حيث أن لا الجيش ولا الدعم السريع معها, وليست هنالك قوة حزبية معتبرة خلفها، كما يُلاحظ المرء أنها قريبة الى المهرجان العنيف ولكن ليست مظاهرة سياسية كاملة التعريف.

عليه، اعتقد ان اخطر ما في التظاهرات أنها شعارات دون برنامج وطني ومُطالبة بحُقوق دُون تحديد الواجب، وهي تظاهرات خالية من السياسة لأنها تتحدّث عن شعارات وأهداف دون أن تُحدِّد كيف تحقق.

وعليه, اعتقد أن السُّلطات الأمنية عرفت نقاط الضعف هذه، وتعاملت بموجبها، واعتبرت أن الأمر غضب ثوري ينتهي بنهاية اليوم وليس هنالك معنى بمجابهة دون الوصول الى مركز الغضب وهو القصر الجمهوري، خاصة أن السفارات والمخابرات الخارجية ترصد المشهد وتتصيّد أخطاء الأجهزة الأمنية, أقلها تقول إنّ قوات الأمن لم تسمح لتظاهرة سلمية بالتعبير!

ولذلك، اعتقد أنّ التعبير بالتظاهر مطلوبٌ كعُنصر ضغط لتحقيق هدف ممكن أو لتعبير عن حالة، ولكن ليس وحده يكفي لتغيير نظام، والذي تَمّ للبشير كان بخيانة داخلية وبانحياز القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى لصالح الثوار لولا ذلك لما سقط البشير ونظامه, ولن يتكرر ذلك مع البرهان وحمدوك، بل مثل هذه التظاهرات ستُقرِّب العسكر وحمدوك إلى بعضهما وتقطع حَبل الود الضعيف الذي بينه وبين قحت.

أعتقد, نحن أحوج الى التفاوض والوفاق الوطني الذي يقود الى برنامج وطني لصالح الفترة الانتقالية وتوسيع قاعدة الرأي والشورى، وكذلك دعم الإعلان السياسي بين حمدوك والبرهان, وتمتين الشراكة بين المكون العسكري وحمدوك لإقامة انتخابات بعد تأسيس الخطوات العَمليّة لذلك.

هذه التظاهرات تُؤخِّر التّحوُّل الديمقراطي وتُعقِّد المشهد, ولكن لن تحدث تغييراً في الوزنة وتركيبة الشراكة بين د. حمدوك والعسكر، وتخدم الأجندات الخارجية أكثر من خدمتها للقضية الوطنية، وأكثر الخاسرين الحرية والتغيير المجلس المركزي، وأقل ما يُقال إنها ستخرج من المشهد السياسي بعد حين ولن يكون لها حَظٌ في الانتخابات القادمة ولا في الشارع الآن، لأنّ الوضع في الشارع يتشكّل خارجها وليس لصالحها، والوضع في الانتخابات كذلك، والخاسر الأكبر هو حزب الأمة القومي، لأنه صار “شلليات ومجموعات” وغاب فيه العقل الجامع والقائد الملهم, والقارئ الحصيف للمشهد السياسي الخاص والعام.

صحيفة الصيح

Exit mobile version