د. منال صيام أستاذ مساعد متحف السودان للتاريخ الطبيعي كلية العلوم جامعة الخرطوم، تخصّصت في “تصنيف العنكبيات”، تخرجت في جامعة الخرطوم كلية العلوم قسم الحيوم بمرتبة الشرف الأولى بالعام 2010م.
تعيّنت بمتحف التاريخ الطبيعي وشاركت ببحث التخرج بعنوان “أثر خيوط العنكبوت في التئام الجروح” بمؤتمر عالمي في أديس أبابا، تعد ممثل السودان الأول لتصنيف العناكب والعقارب ولها دور فعّال في التعاون مع المتاحف والجامعات الخارجية في إيداع عينات مرجعية سودانية عن العنكبيات.. التقتها “الصيحة” في حوار حول العقارب…
نص الحوار:
*جغرافياً ما حجم وانتشار العقارب السامة في السودان؟
ـ تنتشر في الأماكن الحارة أو المعتدلة باختلاف الأنواع، فنجدها في الأودية وسفوح الجبال والمنازل القديمة المهجورة، وتختبئ عادة في شقوق الأراضي التي تُشكِّل مأوىً ومسكناً وملاذاً لها.
*هل العقارب أنواع؟
ـ طبعاً، ولكل نوع بيئة مناسبة وغذاء مناسب، ويتزايد نشاطها خلال فترة الصيف عند اشتداد الحر، وأثناء الليل وعند ارتفاع مناسيب المياه داخل الشقوق أثناء الخريف، يوجد بالسودان (17) نوعاً من العقارب, (4) منها تعتبر الأشد سمية والأكثر فتكاً بالأطفال وكبار السن وتنتشر في ثلاث ولايات وهي الولاية الشمالية ونهر النيل والخرطوم.
*دور العقارب السامة في توازن البيئة ومدى أهمية وجودها؟
ـ تمثل الحشرات الغذاء الرئيسي للعقارب، بالتالي فإن انعدام العقارب يتسبب في زيادة كثافة الحشرات والتي تسبب أضرارا جسيمة بالمحاصيل الزراعية وزيادة بالغة في عدد الآفات، إضافةً إلى ذلك فإن قلة أعداد العقارب في بعض المناطق قد يزيد من أعداد أنواع “الكرب” وهي من العنكبيات غير السامة ومن الأغذية المُفضّلة للعقارب، بالتالي التعرُّض لعضة الكرب قد يسبب التهاباً في منطقة الإصابة وتحسس الجلد.
*حدِّثينا عن أثر التعدين العشوائي والرسمي في زيادة كثافة العقارب السامة؟
ـ يتم الكشف عن الذهب من خلال الكشف الأولي عن الجبل قبل تكسير الصخور بجهاز للكشف عن المعادن ثم يتم أخذ عينة من الصخور وعمل اختبارات مُعيّنة، فإذا كانت الكمية أعلى من 40 جراماً يستمر العمل في التنقيب واستخراج الذهب من الجبل، وتسبب هذه العمليات تدمير مناطق جبلية كثيرة، حيث تسبب إزالة القشرة الأرضية مما يؤدي الى تقلب الطبقات وعدم إنبات العشب، ولأن بيئة العقارب الأساسية هي الشقوق بين الصخور الجبلية تزداد مُعدّلاتها في هذه المناطق وعند الشعور بالخطر أو تهديد مسكنها تهرب العقارب لتستقر في مكان أكثر أمناً مثل المنازل, ولأن الولاية الشمالية تزخر بالمعادن نجد أن أغلبية شركات التعدين والتعدين العشوائي تتركّز في كثير من مناطقها, مَا أدى لزيادة كبيرة في عدد العقارب بالأماكن السكنية.
*إذن ما هو أثر الجمع العشوائي للعقارب في انتشار كثافة العقارب السامة؟
ـ خلال الأعوام من 2018 ـ 2020م حدثت زيادة كبيرة في الكثافة العددية للعقارب في ثلاث ولايات وهي “الشمالية ـ نهر النيل والخرطوم”، مما زاد من معدل اللدغات والإصابات والوفيات خاصة بين الأطفال.
عند دراسة سلوكيات العقارب نجدها تتكيف مع زيادة اللياقة البدنية للعقرب والتي تُقاس بالنجاح التناسلي للفرد، مَا يعني زيادة إنتاج الأبناء عندما يهدد بخطر فقد النوع أو الانقراض، عليه تزداد إنتاجية أعدادها بحيث تتجاوز المعدل الأساسي المعروف في موسم التوالد، بالإضافة لذلك قد تتطوّر هذه الأنواع وراثياً لتكون أكثر عنفاً وقدرة وذات سمية أعلى للحفاظ على النوع ومواءمة البيئة, ولاحظنا حدوث طفرات في بعض المناطق، مَا يجعلنا ندق ناقوس الخطر.
*كيف تنظرين لما حدث في منطقة المناصير بنهر النيل خلال سنوات ماضية وحتى الآن؟
ـ ما يحدث حالياً بالشمالية من جمع لآلاف العقارب بواسطة أفراد وشركات لأغراض تجارية ودون تطبيق ولا دراية بالطرق العلمية السليمة لجمع العقارب هو السبب الرئيسي في زيادة أعدادها والسلوك العنيف الذي تنتهجه حالياً، وهو ما أدى لزيادة أعداد الوفيات بمناطق المناصير خلال العامين الماضيين بمعدل يفوق الـ100 طفل من عمر أسبوعين وحتى 10 سنوات خلال عام واحد.
*هل توجد وفرة للأمصال لمعالجة لدغة العقرب؟
ـ لا تحتاج أغلب لدغات العقارب لأي علاج طبي في حال الشباب سليمي المناعة أو عند التعرُّض للدغة عقرب من الأقل سمية، أما في حال التعرُّض للدغ من الأنواع الأشد سمية أو إن كانت الأعراض شديدة، فإن الملدوغ يحتاج لتلقي الرعاية بالمستشفى وتناول الدواء لتخفيف الألم.
مما يجدر ذكره هنا، إن الصندوق القومي للإمدادات الطبية يوفر أمصالا لمعالجة لدغات العقارب ويهتم بتوزيعها في الولايات المختلفة حسب الحاجة، رغماً عن ذلك لا بد أن نُنوِّه إلى أن هذه الأمصال غير مفيدة بالقدر المطلوب لعلاج لدغات العقارب السودانية.
*لماذا غير مُفيدة؟
ـ لكونها مُصمّمة لتعادل سموم عقارب لا تعيش في بيئة السودان، مَا يقلل من كفاءة الأجسام المُضادة المستخلصة منه، فلكل عقرب بيئة مُعيّنة يتعايش معها وتؤثر على نوعية السم المنتج، بالتالي فإن أهم هدف حالي ينبغي أن يكون إنتاج أو استيراد أمصال أكثر قُدرةً على مُعادلة سم العقارب السودانية.
أشير أيضاً إلى أن الزيادة المُضطردة في معدل اللدغات والإصابات قد تؤدي إلى زيادة معدل الوفيات، خَاصّةً بين الأطفال وكبار السن والمصابين بالأمراض المُزمنة وعدم استطاعة الدولة توفير الكمية المُناسبة من الأمصال في المناطق الموبوءة بصورة دورية.
ما دور مركز أبحاث الكائنات السامة جامعة الخرطوم؟
ـ تم إنشاء المركز لخدمة المجتمع بالمناطق الموبوءة في أبريل 2020م، لكن العمل الفعلي بدأ قبل ذلك عبر المجموعة السودانية لدراسة الكائنات السامة في 2018م، للمركز دورٌ مهمٌ في الخدمة المجتمعية من خلال إقامة ورش العمل والحملات التوعوية للأهالي بالمناطق المُتضرِّرة بطرق الوقاية والإسعافات الأولية في حالة اللدغ, إضافةً لتوفير المعلومات العلمية الصحيحة للكادر الطبي في المناطق الموبوءة ولصانع القرار.
حوار: انتصار فضل الله
الصيحة