مع بدء العد التنازلي للمُهلة النهائية التي منحتها نظارة البجا والكيانات المستقلة بشرق السودان للحكومة الانتقالية، للنظر في مطلوباتها الخاصة بمعالجة ملف مسار شرق السودان الموقع ضمن اتفاقيات سلام جوبا، بشكل حاسم أو إعادة الإغلاق، استعجل مجلس السيادة تحركاته للنظر في الملف بكل أبعاده وتداعياته.
وحسب مصادر موقع “ناس برس”، فإن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” رئيس اللجنة المكلفة بحل قضية الشرق، كان قد عقد اجتماعاً عالي المستوى صباح أمس لبحث تداعيات ملف الشرق، على خلفية رفض كيان البجا وبعض العموديات المُستقلة للاتفاق المُوقّع ضمن اتفاق جوبا للسلام ومطالبتهم بإلغاء المسار.. وحسب المعلومات، فإن الاجتماع ضم لجنة الوساطة الجنوبية، حيث وصل قبل يومين مستشار الرئيس الجنوب سوداني للأمن القومي رئيس وفد التفاوض توت قلواك للخرطوم، بجانب اللجنة الأمنية ووفد الحكومة المفاوض ولجنة الشرق.
وحسب المصادر، فإن وجود كل الأطراف المعنية بالسلام في الشرق بالخرطوم الغرض منه النظر في الملف بشكل شامل ووضع الحلول المُمكنة التي تحُول دون تأجيج الصراع وتسوية كل المظالم التي عانى منها الإقليم الشرقي طوال الحقب الماضية.. ويأتي الاجتماع في ظل غياب زعيم البجا الناظر محمد الأمين ترك الذي ذهب للأردن بحثاً عن الشفاء, بعد أن ظل لأيام على السرير الأبيض بمستشفى علياء مستشفياً.
عُمق قضية
نحت قضية الشرق السودان بُعداً آخر في أعقاب إغلاق بعض نظارات وكيانات الشرق الميناء الرئيسي للبلاد وخطَي تصدير واستيراد للنفط عبر مُحتجين في سبتمبر المنصرم, صاحبه حشدٌ شعبيٌّ رافضٌ لمسار الشرق المُوقّع ضمن اتفاق جوبا للسلام وما رافق ذلك من حشدٍ لدعم مسار سلام الشرق, وقد تسبّبت تلك الأحداث في خلق ازمة طاحنة في البلاد, لجهة أن ميناء بورتسودان يمثل شريان الحياة لكل السودان تلك المتعلقة بالوقود والقمح، نتج عن تلك التطورات ربكة بائنة في كل مفاصل الدولة الهشّة، بل وأغرت آخرين ناقمين على الحكومة، بالخروج عليها، وشكّل كل ذلك تداعيات سياسية وأمنية كبيرة, خاصةً وأنّ منطقة البحر الأحمر تُعد من أكثر المناطق حيويةً وذات أبعاد خارجية إقليمية ودولية, سيما أنها تطل على البحر الأحمر الممر المائي الحيوي الذي تتسابق عليه الأطماع الدولية والإقليمية.
للشرق مَطالبٌ
باعتراف كل الحكومات المُتعاقبة خاصةً الحكومة الانتقالية، فإنّ لشرق البلاد قضايا مطلبية حقيقيّة قَديمة تتعلّق بالتنمية وحقاً في النسب العادلة في موارد الميناء, وأخرى سياسية مرتبطة بمسار الشرق للسلام، حيث يطالب أهل الشرق بالحكم الإقليمي، فيما تتمثل القضايا الملحة لهذا الإقليم في التنمية والنسب العادلة، في ما يتمتّع به من موارد مثل الموانئ، حيث أن موانئ السودان الرئيسية تقع في هذا الإقليم، بجانب التعدين، خاصّةً معدن الذهب، حيث إن هنالك أكثر من 100 شركة تعمل في هذا المجال.
فتح الاتفاق
الأصح أن تشكل لجنة قومية تجلس مع كل مكونات الشرق من ممثلي كل المكونات، وأن تكون اللجنة مُحايدة في شكل حكماء وخبراء تضع حلولاً لقضية الشرق هذا ما يراه البروفيسور عبده مختار أستاذ العلاقات العامة بالجامعات, وأضاف لـ(الصيحة) يجب أن تجلس اللجنة وتضع حلولا آنية تتمثل في احتواء التوتر الراهن, وحلولا أخرى جذرية فيما يخص قضايا التنمية، تتقل للمؤتمر الجامع الخاص بقضايا السودان, ويرى بروفيسور مختار أن مسار الشرق إن كان سبباً في الأزمة، فإن على الحكومة الانتقالية إعادة النظر فيه، بل وفي كل اتفاق جوبا، خاصةً وإنه لم يعتمد بشكل رسمي من قبل برلمان شعبي, مُضيفاً أن اتفاق جوبا يجب لا يؤخذ المسار بصورة مُطلقة, وأن يُخضع للتعديل وفق مُقتضيات ومتطلبات الواقعة حتى لا يصبح هو الأزمة بدل حلها.
حوامة حول الحمى
ويقدر الفريق معاش والخبير العسكري محمد بشير أنه من الاستحالة بمكان أن يتم التوافق خلال ما تبقى من مهلة للتوصُّل الى حلول مُرضية لملف الشروق دون إلغاء المسار سبب الأزمة, وابدى استغرابه لعدم قدرة الدولة على اتخاذ هذه الخطوة, معتبراً ان دخول البلاد في إغلاق آخر من شأنه جرّها نحو المهدد الأمني والاقتصادي, لجهة أنها تصبح دولة مغلقة, وقال لـ(الصيحة): يجب أن تدعو الحكومة لاجتماع توافقي، واصفاً اتفاق جوبا بالخطأ, وقال إنه سبق وأن حذّر قيادات بالدولة من اللجوء للسلام عبر آلية المسارات باعتبارها تفقد الدولة قوميتها وتفقد الحكومة سلطتها على الأقاليم, وأشار إلى أن قضايا السودان كان ينبغي أن تُحل عبر مائدة مستديرة تناقش كل القضايا بواسطة طيف سياسي مكون من خُبراء من كل أنحاء السودان لا يستثني أحداً بمن فيهم حاملي السلاح, ولفت إلى أن راعي سلام جوبا غير مُؤهّل استراتيجياً للقيام بدور الوسيط، مشيراً الى أن الاتفاق خرج مبتوراً وغير كامل وسيكون انتكاسة وحوامة حول الحمى، وطالب الحكومة بأن تكون لها إرادة ومشروع وطني وقدرة على معالجة القضايا عبر الحوار، مشدداً على أهمية إلغاء المسار باعتبار أنّ اتفاق جوبا يمكن فتحه وإعادة النظر في بنوده ومُعالجته بحيث يستوعب كل الآراء، ويرى الجميع أن المسار ناقش قضاياهم ووضع لها الحلول، ما يجعلهم حريصين على إنفاذه بدلاً من مُعارضته ووضع المتاريس أمامه والدعوة لإلغائه.
الخرطوم: مريم أبشر
صحيفة الصيحة