السخرية في القرآن الكريم (4)

قذاذات وجذاذات
مركز الضاد للدراسات العربية
بروفيسور عمر محمد الحسن شاع الدين
التاريخ :24/11/2021م
prof.shaa@gmail.com

4-في سورة ( الرحمن ) يستوقفنا عقب الآيات ، السؤال الساخر الاستنكاري : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان). إن كلمة ( آلاء) تستوجب التصديق بحقيقتها ، ولكنهم ( الثقلاء ) يكذبون ، لا يصدقون جدوى هذه الآلاء!
وينجم هنا السؤال الاستنكاري عن مبرر الكذب ، امام هذه الآلاء الباهرة المتدافعة في كثرة، وهي تترك لك سبيلا لغير الإقرار والتصديق ، هذه الآلاء تفرض كل هذا بجلالها، انقل هنا ما فطنه الزمخشري من التبكيت المتكرر قال : بكتّ بتلك الجمل الأول واردة على سنن التعديد ليكون كل واحدة من الجمل مستقلة في تقريع الين انكروا الرحمن وآلاءه ، كما يبكت منكر ايادي المنعم عليه من الناس بتعديدها وترديدها عليه.
• في سورة المطففين نرى تقابليّة السخرية الماثلة الكاذبة ، للسخرية الموعودة الصادقة، نجدها تسخر من سخريتهم، الآيات 29-32): (إِنَّالَّذِينَأَجْرَمُواكَانُواْمِنَالَّذِينَآمَنُوايَضْحَكُونَ{} وَإِذَامَرُّواْبِهِمْيَتَغَامَزُونَ{} وَإِذَاانقَلَبُواْإِلَىأَهْلِهِمُانقَلَبُواْفَكِهِينَ{*} وَإِذَارَأَوْهُمْقَالُواإِنَّهَؤُلَاءلَضَالُّونَ) ، هم الآن في سخريتهم يضحكون ويتغامزون فاكهين، لكنهم لاحقا سيحيق بهم الثبور، سيحيق كحالهم كحال الذين( أجرموا) سينقلب الحال عليهم ، سيثوبون ما كانوا يفعلون ( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) ، ثوابهم – الضحك منهم ، وشرّ البليّة ما يضحك !! المفارقة هنا أن الضحك من الذين اجرموا يعقبه بكاء ، والمراد انهم لو كانوا يعلمون هذا لما ضحكوا بل بكوا !! بينما ضحك الذين آمنوا لا يعقبه بكاء! هو ضحك خالص الفرح لا نهاية له. بعد هذا تجيء الآية ساخرة سائلة عن حالهم الأخير.. هل وجدوا ( ثواب ) ، ما( أثموا ) !( هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون).
هنا كلمة( الثواب) = الجزاء ، وأكثر ما تكون استعمالا في باب الخير ( ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة) والمعني الآثل : الرجوع = ثاب لرشده ، وتضادها كلمة ( العقاب) ويكون للشر ، والمراد: هل وجدوا خيرا يكفرهم؟ هل كان الجزاء على ما أثموا من كفر بمثلما طمعوا من الخير ، ما داموا ( شرّ البرية )!
• في سورة الصافات : (فَرَاغَإِلَىآلِهَتِهِمْفَقَالَأَلَاتَأْكُلُونَ{} مَالَكُمْلَاتَنطِقُونَ{} فَرَاغَعَلَيْهِمْضَرْباًبِالْيَمِينِ) هنا أنظر سخرية السؤال ( ألا تأكلون) هو يسأل ويعلم يقينا انهم لا يسمعون!! ثم هم لا يأكلون !! ثم هم لا يجيبون !! بعد هذا كله يعلم أن ليس ثمة حاجب عن ضربهم احتقارا ،، يتبادر لي أن الضرب باليمن يكون أشد وجعا ، ولا أحسبه (ناحية اليمين)! هنا أنا أتذكر قولنا العامي : ( أداهم بالشلوت )! هكذا بعدما يئس من خير فيهم ! كلمة( راغ ) أراها غاية في التهكم : المراوغة : المداورة : المحاورة : أن يأتيهم عن يمنه ويسري وفي سرعة خادعة ، ولهذا أخص صفات الثعلب ، الروغان.
• في سورة الإسراء تسخر الآية 100 من بخل المشركين ، تصف بخلهم بأنه فطرة القتير الذي يصيب صاحبه: (قُللَّوْأَنتُمْتَمْلِكُونَخَزَآئِنَرَحْمَةِرَبِّيإِذاًلَّأَمْسَكْتُمْخَشْيَةَالإِنفَاقِوَكَانَالإنسَانُقَتُوراً) يقيننا نعلم أن الذي يمتلك خزائن رحمة الرب ، يأمن الفقر الذي يخافه غير المؤمن ، لكنهم في الآية يمسكون ولا ينفقون من رحمة الله الواسعة عليهم ! هنا لا سبب يكون مبررا للتقتير غير أن طبعهم الجاحد الناكر هو الذي يدفعهم لهذا كفرانا لأنعم الله تعالي.
قلت : هذا يذكرنا بصاحبنا الذي هجاه الشاعر فجعله ( لو استطاع تنفس بمنخر واحد)كأنه يريد أن (يوفر) المنخر الثاني ، وهو لا يعلم، أن في هذا تعطيلا لعمله الذي خلق له فطرة ، وأن استخدامه يكسبه عافية غير منقوصة .. لكنه ينسى كل هذا الخير امام فطرة البخل ! هو مثل هؤلاء الذين يملكون كثيرا ويخافون الأنفاق قليلا خشية الفقر، ينسون أن النفقة تربي المال ، ثم يذكرنا بمثلنا العامي : جو يساعدو في دفن ابوه دسّ المحافير ، هذا لبخله !
• في سورة الصف الآية 8 (يُرِيدُونَلِيُطْفِؤُوانُورَاللَّهِبِأَفْوَاهِهِمْوَاللَّهُمُتِمُّنُورِهِوَلَوْكَرِهَالْكَافِرُونَ).نرى هذا الوصف الدقيق للظالمين الذين يفترون على الله الكذب ، بقولهم أن كلام الله سحر وتمويه، هنا السخرية أن ( نور الله ) هذا الساطع الثاقب كالشمس يريد المشركون إطفاءه بالنفخ فيه بأفواههم! ولكن هل يطفئ النفخ نور الشمس ؟ هيهات.. ما دام الحق الضخم لا يهزمه الباطل الضئيل !.
كانت هذه نماذج قليلة من أسلوب القرآن الكريم رايتها تكفي وتفي دليلا على المتعة التامة الممعنة في التحكم يمتشقها القرآن في وجه أعداء الله ورسوله الكريم والمؤمنين .
اشتات هفوات اللسان : مرفوعة إلى الثرثار
1- وربّ كلام قد جرى من ممازح فساق إليه سهم حتف معجل .
2- من أطلق لسانه بما يحب كان اكثر مقامه حيث لا يحب .
3- رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لمعاذ : أنت سالم ما سكت ، وإذا تكلمت فلك أو عليك.
4- قال ابن مسعود : إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان.
5- قال ابونواس : خلّ جنبيك لرام وامضى عنه بسلام
متبداء الصمت خير لك من داء الكلام
ربما استفتحت بالنطق مغاليق الحمـــــــــــــــــــام
إنما السالم من ألجم فاه بلجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام
6- احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك انه ثعبان
7- قالوا نراك كثير الصمت قلت لهم ما طول صمتي من عيّ ولا خرس
الصمت أحمد في الأشياء عاقبة وأزين الآن لي من منطق شكس
أنشر البر فيمن يعرفه وانثر الدرّ للعميان في الفلس…
8- أحذر عدوّك مرة وأحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرّة
9- قال أبوجعفر الطبري : لي صاحب ليس يخلو لسانه من جراح
يجيد تمزيق عرضي على سبيل المزاح

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version